نموذج المعرفة والقيم :السبق التربوي والإبداع النبوي نحو نموذج التدريس بالملكات
ارتبط فعل التعلم في الفكر التربوي الإسلامي بأمر القراءة، الذي ورد ذكره في النص القرآني ،كجسر مخصب للعلاقة بين تعاليم السماء، وتكاليف الأرض .ركائزه حروف من نور النون ،وأداة كتابته حبر القلم . لذلك احتل فعل التعلم والتعليم، مساحة كبيرة في خطاب الشريعة، والمنهج النبوي. فشكل بحق نظاما موازيا لأنظمة أخرى ،في منظومة الفكر الإسلامي. ويمكن رصد حركية هذا الفعل المتعدد :الهادي، و المكون ،والمربي… في المتن القرآني، وخطاب السنة التوجيهي، كما وردت في كتاب العلم في صحيح البخاري، وهو أصح كتاب بعد القرآن الكريم، حيث يشتمل على ثلاثة أو أربعة وخمسين بابا، ومائة وأربعة وثلاثين حديثا، تطرح تصورا نبويا متقدما ،لفعل التعليم ،يمكن اعتباره مدرسة تربوية، نفضت سرادق الحياة ،وكونت أجيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالا
بالسمع، والفهم ،والحفظ ،والتطبيق… واستشرفت أفق التبليغ باقتدار كبير،انطلاقا من رؤى وازنة ،تنم عن حسن تدبير لفعل التربية ،والتعليم، تؤطرها قاعدة : »أحسن الطرق وآمنها هو تعددها »،وقاعدة : »المعلم لايعلم بمادته فقط وإنما بطريقته وأسلوبه وشخصيته وعلاقاته مع تلاميذه » ،وقاعدة : »إن المعلم الناجح هو في حقيقته طريقة ناجحة توصل الدرس إلى المتعلمين بأيسر السبل مهما كان المعلم غزير المادة « …انطلاقا من هذه المرتكزات الفكرية ،تقوم المقاربة التربوية في المنهج النبوي ،وفق رؤية نسقية ،تركز على عامل الشرعية، أي : »طلب العلم فريضة على كل مسلم » حسنه السيوطي،وذلك لتكوين جيل مخلص في عبادته لله. وعامل التكوين ،أي الهدف من التعليم تنوير الإنسان، وتوسيع مداركه ،ورفع درجة وعيه ، ليتحرر من كل أشكال العبودية المادية ،والنفسية … وعامل التأثير ،أي من واجب المتعلم المسلم ، تبليغ مااكتسبه في أفق تعمير الأرض، وبناء وحدات التحليل الاجتماعي، والاقتصادي، والأخلاقي الصحيح : الأسرة ،ثم المجتمع، فالأمة ،في أفق تحقيق العالمية الخيرة ،مصداقا لقوله تعالى : » كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر » آل عمران :110 وعامل التعدد في الطرق، والأساليب، والوسائل ، مراعاة لحالات المتعلمين ، ولأوضاع المعلمين المختلفة ،في فهم الرسالة ،والوظيفة ،وتقدير الأولويات، على أساس أن التعدد ،يساعد على إثارة الاهتمام، والتشويق ويشجع على الاكتساب ، وتثبيت المكتسبات، والتعلم بيسر، في أفق تحقيق الأهداف من جوانب متعددة ، ليستجيب التعليم لمتطلبات العصر، وحاجيات البيئات المختلفة… والحق أن القراءة المتعمقة لمتن كتاب العلم في صحيح البخاري ،تقودنا إلى نحت تصور أولي لنموذج تعليمي، من منظور الشريعة الإسلامية، و المنهج النبوي يقوم على تنويع الأساليب التربوية ، التي حصرها الدكتور علي بن إبراهيم الزهراني، أستاذ بجامعة المدينة المنورة ،في خمسة وعشرين أسلوبا ،يمكن توزيعها على مراحل سيرورة التعلم والتعليم:
1-مرحلة تدبير حلقة العلم :
وتشتمل على عدة أساليب، تروم خلق الدافعية ،وتحفيز المتعلم لتلقي العلم، كأسلوب التمهيد والتهيئة الجذبية للمتعلمين ،وأسلوب التودد والملاطفة والدعاء ،وأسلوب الانفعال المنضبط والجدية، وأسلوب التصريح بمراحل الدرس ،والغلاف الزمني، و بوسائل الإيضاح …
2- مرحلة التلقين والتلقي:
وتعتبر أهم مرحلة في عملية التكوين النظري، والتطبيقي وتتضمن على عدة أساليب بانية ،وواقية ،نجملها في أسلوب المحاضرة ،والمناظرة، وأسلوب الاستنصات والسماع ،وأسلوب رفع الصوت عند التعليم اللفظي الإلقائي ،وأسلوب الكتابة والخط، وأسلوب التدرج في التعليم ،ومراعاة الفروق الفردية، وأسلوب الإيحاء بحركات الجسد واليد والرأس ،وأسلوب النموذج والممارسة ،وأسلوب التساؤل والاستفهام، وأسلوب الفتيا والتوجيه ،وأسلوب الرحلة ،وأسلوب التعليم بالمراسلة…
3-مرحلة التقويم الشامل :
ويتم التركيز في هذه المرحلة ،على أسلوب التعليم بضرب الأمثال، والوعظ التربوي، والثناء والتشجيع أو الذم والتحذير، والترهيب، وأسلوب الإعادة والتكرار ،وتتوج المرحلة الأخيرة، بالتقويم التعليمي.
إن هذه النظرات النبوية لفعل التعلم والتربية ، المؤطرة بمبادئ التكوين، والتبليغ ،و التعدد…تشكل الأساس المعرفي، لبناء نموذج تعليمي إسلامي ،ذي مرجعية قرآنية : »وقل رب زدني علما » طه :114 ، »يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير »المجادلة :11 ،ونبوية : »قال /ص/ : »اللهم علمه الكتاب »حديث مرفوع رقمه 34،و: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير » كتاب العلم باب فضل من علم وعلم 175/1 البخاري، و: »ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم » أخرجه البخاري…وغيرها من النصوص التي قد تشكل إطارا مرجعيا ،لنموذج تدريس بالملكات، قد يمثل بديلا لنماذج إرشادية ديداكتيكية ،مكلفة، وهادرة.
Aucun commentaire