و يَـسـتـمـرُّ تَـدافـُع الـقِــيَــم … !!!
بـقلم يـوسف يـعكوبـي
لـم يسبق لمنظومة القيم الإسلامية أن واجهت مصاعبَ وتحدياتٍ أعمقَ وأخطرَ مما أصبحت تُواجهُه حالياً في زمن « الحداثة » الموسوم بالكثير من التحولات والمستجدات المعرفية والتقنية والقيمية والسوسيوحضارية المختلفة الأبعاد والدلالات والتداعيات على جميع الأصعدة والمستويات.
في ظل هذه التحولات العامة، لم يكن المغرب – باعتباره بَوْتَقَةً لمختلف الثقافات والقوميات (عرب، أمازيغ، قبائل صحراوية…)- بـمَنأى عن كل تلك التحديات والمصاعب؛ ذلك أن البلاد كانت ساحة بارزة للعديد من فصول معركة « تدافع القيم » ، حيث عرف المغرب خلال سنة 2013م تَدافعاً هامّاً بين عدة هويات ومَرجعيات تنهلُ من منابع فكرية وإيديولوجية مُتباينة الرؤى والتوجهات .
كما برزت إلى الوجود – خلال نفس السنة – عدة سِجالات سياسية واقتصادية ومُجتمعية وفنية ورياضية … غير أن جَدل الهوية والقيم كان قضية القضايا المثيرة للجدل والتي أسالت مِدادَ كثير من الأقلام بالمغرب !!!
استأثرت معركة القيم بفُضول الكثيرين داخل الوطن وخارجه، هذا فضلاً عن مُتابعة المتتبعين واهتمام المهتمين واستنتاجات المحللين للمشهد المغربي المتعدد المكونات والمحكوم بمنطق تدافع الهويات والمرجعيات …
نَشبَت المعركة الساخنة بحدثٍ قد يبدو في قمة التفاهة والعادة، بعدما كانت حرباً باردة في الخفاء، لكن هذه الواقِعة ستأخذ بُعداً خطيراً ومَنحىً مُتصاعداً : إنها « قُبْلَة الفايسبوك » التي اُعتبرتْ بمثابة النقطة التي أفاضت كأس السُّخط الشعبي والغضب المغربي؛ وَصَفها البعض بالقُبلة « البريئة الطَّاهرة ». في حين دعا آخرون إلى مُحاكمة ومُقاضاة مُرتكبيها حتى وإن كانوا من القاصرين … ؟!!!
بَيْدَ أن الأمر سُرعان ما اكتسى حُلَّةً « نضالية » و »تضامنية »، لا تقلُّ قيمة عن الزَّخَم الإعلامي والشعبي والقضائي للقضية ذاتها … فكان احتشادُ مجموعة من الشباب « المتهور » أمام مقر البرلمان بالعاصمة (الرباط) للتعبير عن تضامُنِهم « اللامشروط » مع الفتى والفتاة صاحِـبَيْ « القُبلة الشهيرة »… فجاء تضامُنهم هذا عبارة عن قُـبَلٍ أخرى على مرأى ومسمع من المواطنين وعدسات الكاميرا… إنه « تضامن ونضال بالقُبَل » لا يَقلُّ -في نظري- حَميمِيَّة ومَفْسَدَةً عن القُـبلة الأولـى (الأم) … !!!
بعد أن خَبا وانطفأ « لـهيب القُبَل » بصدور حكم قضائي ببراءة الظنينين القاصِريْن. تأجَّجت نار معركة القِـيَم من جديد … فكان فتيلُ إشعالها هذه المرَّة، دعوة للتدريس باللهجة الدَّارجة (العامِّيَّة المغربية) بَدَلَ اللغة العربية الفُصحى (لغة القرآن الكريم)، وقد أتت هذه الدعوة التي وُصفت بِـ « المغرِضَة »، على شكل تَوْصِيات مرفوعة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس من طرف شخص يُدعى (عَـيّوش). لكن الأمور ما لبثت أن عادت إلى نِصابها لبُطلان هذه الدعوة وعدم استنادها إلى حُجج وبراهين مَنطقية متينة …
وتزامُناً مع معركة « التلهيج أو التدريج »، اندلعت معركة أخرى لا تقلُّ عنها أهمية ومكانة بين فصول معركة القيم الحاسمة ؛ إنها معركة « التحرش الجنسي » خاصة ضد النساء باعتباره نوعاً من أنواع العنف ضد المرأة … فقامت قيامة المتشدِّقين بحقوق المرأة، ولم يهدأ لهم بالٌ إلا وهُم يُدافعون عن حرية « الجنس اللطيف » … لكنهم في واقع الأمر كانوا من أكبر المنتهكين والمعتدين على حُرمة المرأة ومكانتها المرموقة في الشرع الإسلامي الحنيف … !!؟؟
أخيراً وليس آخِراً، جاءت دعوة الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي لمراجعة أحكام الإرث وإعادة النظر فيها ، ناهيك عن مُطالَبته الصريحة بتجريم تعدد الزوجات (الذي يُعتبر مُباحاً في الإسلام)؛ جاءت هذه الدعوة لتكون خاتِـمة فصول المعركة: »معركة الهوية والقِـيَم »، وذلك مع نهاية سنة من الصراع القيمي المرير (2013)… حيث فََضَّل البعض عدم الرد على هذه الدعوة باعتبارها موجة عابرة من الهجوم على الإسلام … غير أن « شيخاً سَلفياً » مغموراً -ربما قد كان ضحية استدراج واستقطاب- سيتصدَّرُ واجهة الأحداث بعد قيامه في فيديو مُصوَّر بـِ » تكفير لَشكر » ووصفِه بـِ » الزنديق الخارج عن مِلَّة الإسلام » … في وقتٍ رأى فيه البعض الآخر في دعوة « لشكر » ضرباً لعُمق الإسلام التليد وتجرُّؤاً سافِـراً على الأحكام الإلهية القطعية …
وما مِن شك في أن معركة تدافع القيم والهوية سوف تستمر أكثر حِدَّة وسخونة في القادم من الأيام والشهور بـإذن الله تعالى… لكن لا أحد يستطيع التكهُّن بـعاقِبَتها أو معرفة نتائجها ، وذلك راجع إلى كثرة أطرافها وتداخُل مصالحهم وتشعُّبها ؛ حيث إن هذه المعركة قد جمعت بين جَنباتها مختلف القوى والتيارات المغربية الفاعِلة في المشهد الاجتماعي، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مُروراً بـخط الوسطية والاعتدال …
لكن فصول المعركة دومًا سوف تبقى مفتوحةً على كافة السيناريوهات الممكنة والاحتمالات الواردة ، مما سيجعلُ الباب مفتوحاً أمام مختلف الآراء والانتقادات (بما فيها تلك التي لم نذكرها في هذه السطور) … وبعد ذلك كله، لِـنَـدَعِ الأيـام تَـفعل ما تـشاء ، و لِـنَنتظـرْ قضاءَ وقَـدَرَ السـماء !!!
وإلــــى أن تَـنـتهــي مـعــركــة القِــيَــم … !!!
لا يفوتُني التذكير بـآيـة قرآنـية؛ تُعتبر قانوناً من القوانين الربانية، وسُـنَّـة كونية واجتماعية من السُّنن الإلهية التي لن نجد لها تحويلا ولا تبديلا …
حيث قال عزوجل في سورة الحج، الآية 40 : { وَلَوْلَا دِفاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }. صدق الله العظـيم .
والحمد لله رب العالـمـيـن …
Aucun commentaire