الإثبات في تزوير العدالة والتنمية للانتخابات
من أراد أن يُعَمق شعوره الإيماني، أو أن يرتقي في سُلّم معراجه الروحي، فما عليه إلا أن ينظر إلى حزب العدالة والتنمية أيام المعارضة، ثم يعيد النظر إليه في هذه السنوات المباركة، ليكتشف مدى قدرة الله وقوته وجبروته، في أن يغير أناسا من النقيض إلى النقيض، وليقف أيضا، على السر الكامن وراء إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من دعائه المشهور: « يا مُقَلِّب القلوب ثبت قلبي على دينك ».
إن التصويت ليس صكا على بياض، يُوَقِّعه المصوت لصالح مرشحه، فيفوضه بالقيام بما يحلو له بدون حسيب أو رقيب، بل هو عقد سياسي وشرعي، يُحَتم على الفائز بالمقعد البرلماني، الالتزام ببنود البرنامج الانتخابي محل العقدة المُبْرمة بين الناخب والمُنْتَخَب.
إن مُجْمل الأصوات التي يتحصل عليها حزب العدالة والتنمية، وأغلب المقاعد التي يفوز بها عند كل غزوة انتخابية، راجع إلى خطاباته الحماسية ضد مهرجانات الميوعة والعري والانحلال، وعائد إلى مواقفه النارية احتجاجا على سياسة إفقار الفقير وإغناء الغني، وكذا مساندته اللامتناهية للقضية الفلسطينية، ومقاومته الشرسة لجميع أشكال التطبيع الثقافي والاقتصادي والسياسي والفني مع الكيان الصهيوني، وكذا تصديه الحازم لمن يتحكمون في اقتصاد الريع، ويعبثون بالحقل السياسي، حتى أرجعوه بؤرة للاسترزاق لا غير.
حينما تشاهد السيدة الفاضلة « بسيمة الحقاوي » في قبة البرلمان، وهي تحتج بتلك الطريقة « الرجولية » على مهرجان موازين، وبذلك الصوت الجهوري الذي يُنَبّئ عن جسارة الطالب، وشرف المطلوب، لتقول: » إننا نحتاج إلى كل الملايير التي صُرفت على مهرجان موازين، لتشغيل شباب عاطل، أو سد أفواه جائعة .. وكذا المليار سنتيم الذي مُنح لراقصة، ساقطة، اختتم بها المهرجان … إنه ثمن لعرض بورنغرافي مليء بالإيحاء الجنسي، والتحريض على الإباحية، وضرب للمنظومة القيمية للمجتمع المغربي، والمساس بمعان كل الدروس الأخلاقية التي تدرس في المدارس المغربية، وأيضا افتضاضا لكرامة المرأة التي حولتها الراقصة إلى صورة المرأة الجسم، بل المرأة الجنس »، تشعر بأنك أمام حزب قريب من الشعب، يتألم لألمه، ويتحسر لمعاناته، ويستشعر مدى المأساة التي يعيشها الفقراء والمعطلون، وتحس بغيرته الزائدة على الدين، وغيرته على كرامة المرأة، وحسرته على المدارس المغربية، وأسفه على انهيار المنظومة الأخلاقية للمجتمع.
إن هذا الموقف البطولي يجعلك تحترم هذا الحزب، وتحترم توجهاته وأطره وقيادييه، ويجعلك تنتظر يوم الاقتراع بفارغ الصبر، لترد له بعض الجميل الذي تراه يسديه للمجتمع، وتعبر له عن شكرك وامتنانك لمواقفه وخطاباته وغيرته، وأنت موقن، في الوقت ذاته، بأن الآلاف أمثالك قد أحست بما أحْسَسْتَ به، وأخذَتْ العهد على نفسها لأن تُصَوت لصالحه مثلما أخذتَ العهد على نفسك.
وتمر الأيام، لتتفاجأ فيما بعد، ويتفاجأ الآلاف أمثالُك، بأن الأمر لم يكن سحابة ممطرة، بل مجرد خيط من الدخان، ولم يكن مشهدا حقيقيا، بل فقط مسرحية متقنة الإخراج، الهدف منها الاعتلاء سدة الحكم مهما كلف الأمر من ثمن، أما الإسلام فله رب يحميه، وأما العفة فأمر شخصي لا دخل للحكومة فيها، هذا ما صرّح به زعيم « الإسلاميين » ورئيس الحكومة حينما قال بأن مهرجان موازين له جمهوره، وبأن العالم يتجه نحو مزيد من الحريات الفردية، ولن يكون في وجه التيار.
صحيح أنك حينما تكون في المعارضة ترى الأشياء على غير حقيقتها، فتتوهم من غباء، أو جهل، أو غرور، أو مزايدة سياسية، أنك قادر على تغييرها، وصحيح أيضا، أن الأمر لا يبدو لك بجلاء إلا حينما تكون في مركز القرار، وهو الشيء الذي اعترف به بنكيران نفسه، حينما قال بأنه كان في بداية الأمر على شاطئ البحر، أما الآن فهو يقتحمه، والأمواج تداعب أقدامه شيئا فشيئا، لكن اعترافه هذا لن يشفع له، ولن يفيده في شيء، لأن أولئك الذين سعوا، بالليل والنهار، ليفوز برئاسة الحكومة، قد غيروا رأيهم فيه مثلما غيَّر رأيه.
إننا نفوز بكثير من المقاعد البرلمانية من مُعَلّقة « الحقاوي » حول مهرجان موازين، ومقاعد أخرى من معلقة « نجيب بوليف » حول مشروع القطار السريع « TGV »، الذي قال عنه أيام المعارضة بأنه مشروع « جبر الخواطر »، وقال عنه أيام الحكومة بأنه مشروع رائد، ونفوز بمقاعد إضافية من معلقة « لحسن الداودي » في البرلمان، وهو يدافع عن صندوق المقاصة، بل ويطلب إضافة مادة الشاي إلى قائمة المواد المُدَعّمة، ونجني ثمار مقاعد برلمانية جديدة من معلقة « مصطفى الرميد » الرائدة، استنكارا لما يتعرض له المعتقلون الإسلاميون والسياسيون داخل السجون، ليفاجأنا، بمجرد اعتلائه وزارة العدل، بنسخ معلقته الفصيحة بمعلقة رديئة، مفادها أنه لا يوجد في السجون أي معتقل سياسي، ويفاجأنا عهده السعيد أيضا، بأوضاع للمعتقلين أسوأ بكثير من تلك التي أقام الدنيا من أجلها ولم يُقعدها، وآخرها وفاة « محمد بن الجيلالي » في سجن مكناس، في 5 نونبر الجاري، جراء الإهمال وقلة العناية الطبية.
من البديهي، في بلد استشرى به الجهل وتفشت فيه الأمية، أن نحظى بعشرات الآلاف من المعجبين ونحن نجوب الشوارع في مظاهرات حماسية ضد التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، لنصدم الشعب في عهد حكومتنا « الإسلامية »، بحجم مبادلات مع كيان العدو، بلغت أرقاما خيالية لم تخطر على بال، كما نستقطب آلافا من المتعاطفين، ونحن نَذْكر في حواراتنا المتلفزة عدل عمر بن الخطاب، ليتضح فيما بعد، أننا ندبر حكومتنا بعقلية غلمان بني أمية، ونجني آلافا من أصوات الناخبين بالمحضر الذي وقَّعه سعد الدين العثماني مع المعطلين، بتاريخ 26 نونبر 2004، بكونهم أصحاب حق مشروع في التوظيف المباشر، لكي يتم الانقلاب عليهم بدم بارد، ونجني آلافا إضافية بخطاب الدفاع عن الحريات العامة، حتى صار تكسير أضلع المعطلين في الشوارع سُنّة « حميدة » في عهدنا الزاهر…
إننا، للأسف الشديد، غير أولئك الذين وثق بهم هذا الشعب المسكين، فرآهم سفينة نجاة في بحر مدلهم الخطوب؛ إننا كائنات غريبة عجيبة، أشبه ما نكون بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في لباسنا، وهيئتنا، ومنهجية كلامنا، وتشذيب لحانا، وطريقة وضوئنا وصلواتنا، لكننا أبعد المخلوقات عن قلوبهم أو عقولهم أو نفوسهم أو تاريخهم المجيد.
إننا باختصار شديد، غير أولئك الذين أحبهم الناس وتعاطفوا معهم، وهبوا زرافات وَوِحْدانا إلى مكاتب التصويت من أجل دعمهم ونصرتهم، ومن ثم، فإننا غير أولئك الذين فازوا ب 107 مقعدا من مقاعد البرلمان، وغير أولئك الذين شكلوا أول حكومة ما بعد الدستور الجديد، وبالتالي، فنحن أمام أضخم عملية تزوير شهدها الحقل السياسي ببلدنا الحبيب.
العبث بصناديق الاقتراع شيء فظيع، وتزوير نتائج الانتخابات أمر سيء، لكن الأسوأ منهما والأفظع، ما قام به حزب العدالة والتنمية حينما عبث بكينونة الإنسان، فزوّر أولئك الذين فازوا برضى الشعب، وأبدلهم بآخرين لا نشعر نحوهم بأدنى إحساس التعاطف والمودة، سوى أنهم اختبأوا في أجساد أناس، كنا، بالأمس القريب، نكن لهم كل مشاعر التقدير والاحترام.
Zaouch.nor@gmail.com
https://www.facebook.com/zaouch.nor
Aucun commentaire