التعديل الحكومي في زمن الارتداد العربي
أثار التعديل الحكومي الذي قام به رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران في الأسبوع
الفائت ردود فعل قوية يغلب عليها طابع التشاؤم والذهول وخيبة الأمل لدى أعضاء الحزب والمتعاطفين معه ،والذين استنتجوا أن رئيس الحكومة رضخ للضغوط الممارسة عليه ولم يستطع فرض مطالبه على الأطراف الضاغطة ،والكل أصبح يردد أن التنازلات التي قدمها بنكيران للأحرار كان من الممكن أن يقدم أقلها لحزب الاستقلال . لكن القراءة المتأنية للأحداث قبل أن تصدر حكما أو تتخذ موقفا ،فإنها تستحضر قبلا مجموعة معطيات ليكون الموقف أكثر عقلانية وموضوعية .وفي الحقيقة يمكن الحديث عن معطيين رئيسيين يجب استحضارهما:
المعطى الأول :يتمثل في السياق العربي الذي يعرف عودة قوية لأنصار الثورة المضادة وانتكاسة لحركية التغيير،فقد استطاعوا وأد التجربة المصرية في مهدها وعاد النظام القديم بأركانه و سياساته والمحاولات حثيثة للقيام بنفس الشيء في تونس وليبيا. وهذه العودة جاءت بعد قيام تحالف بين أنصار النظام القديم و النخب القومية و اليسارية والليبرالية التي فشلت في إقناع شعوبها ببرنامجها السياسي و الاقتصادي في الاستحقاقات الانتخابية، وبدل القيام بحركة نقدية للبحث في أسباب هذا الفشل فضلت التنكر لكل الشعارات التي كانت ترفعها و المبادئ التي كانت تدعو إليها، و التحالف مع النظام السابق و القوى الرجعية التي تمثلها الدول الخليجية على رأسها المملكة العربية السعودية . وهكذا أصبح العالم العربي منقسم بين تيارين رئيسيين : التيار المتشبث بمطالب الربيع العربي و ضرورة الإصلاح وتتزعمه الحركة الإسلامية وبعض اليساريين و الليبراليين المبدئيين على قلتهم، والتيار الرجعي الذي يسعى إلى إيقاف هذا المد الثوري والإصلاحي، ويتزعمه أنصار الثورة المضادة المتحالفين مع الأحزاب والنخب المسماة مدنية، وهذا التيار دخل في مرحلة الهجوم المعاكس، وهو ما أثر على حركة المطالبة بالإصلاح في كل العالم العربي، في انتظار إلى ما ستؤول إليه الأوضاع في هذه الدول.
المعطى الثاني :مرتبط بالمعطى الأول حيث استطاعت الدولة العميقة أو القوى المضادة للإصلاح (في المغرب إذا كنا لا نستطيع الحديث عن الثورة المضادة فيمكننا الاستعاضة عنها بالقوى المضادة للإصلاح) أن تعرقل أداء رئيس الحكومة وتفرمل عملية الإصلاح مستعينة بالسياق العربي الارتدادي .وقد وجدت هذه القوى في حميد شباط أفضل معبر عن مصالحها ،والذي لم يتردد في تنفيذ المطلوب منه ، فمنذ اعتلائه منصب أمانة حزب الاستقلال وهو يشوش على عمل الحكومة ليعلن انسحابه منها محاولا الإجهاز على هذه المحاولة الإصلاحية في مهدها ،كما استطاعت هذه القوى تمطيط فترة التعديل الحكومي إلى ثلاثة أشهر، والتركيبة الحكومية التي خرجت لا تغيب عنها بصمة هذه القوى.
إذن باستحضار هذين المعطيين يمكن القول أن بنكيران استطاع في نهاية المطاف الحفاظ على هذه التجربة وإن في حدها الأدنى، وأن يتجاوز حقل الألغام المنصوب أمامه بنجاح، وأن يحافظ على بقاء الحزب في تسيير الشأن الحكومي هو إنجاز في حد ذاته سيربك حسابات الدولة العميقة.
قد يقول قائل ألم يكن أمام رئيس الحكومة خيار أخر سوى المناورة مع الدولة العميقة؟ ألم يكن من الأجدى أن يقدم استقالته وبالتالي الحفاظ على شعبية الحزب التي ستزداد حتما بهذا القرار؟
إن هذا التساؤل سيكون صحيحا في دولة أرست قواعد الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة وسيادة القانون، أما و أن الحال في المغرب عكس ذلك وأن سؤال طبيعة السلطة لازالت محط شذ وجذب ،فسيكون هذا التساؤل غير ذي معنى.
كما أن أصحاب هذا التساؤل لا يستحضرون المعطيين السابقين اللذين يشيران إلى أن القوى المضادة للإصلاح تنتظر بشوق ارتكاب هذا الخطأ للانقضاض على هذه التجربة و العودة إلى نقطة الصفر وبالتالي السيطرة على المشهد السياسي بشكل كامل. فوجود بنكيران على رأس الحكومة يجعل جزء من المشهد غير خاضع لهم وهذا ما يزعجهم ويجعلهم في حالة ارتباك.
إن التساؤل الحقيقي الذي يجب طرحه هو عن مدى توفر الضمانات التي تجعلنا نقتنع أن الانتخابات التي ستقام بعد استقالة الحكومة ستكون نزيهة، والتساؤل الأكثر عمقا ما الضمان الذي بين أيدينا لعدم تعرض حزب العدالة والتنمية للتضييق والحل في نهاية المطاف، والنخب اليسارية و اليمينية مستعدة لتوفير المبررات لذلك.
وعليه أرى أن عبد الإله بنكيران استطاع أن يفشل مخطط الدولة العميقة في هذه المرحلة، و المطلوب منه الآن أن يفرض منطق الإصلاح على حكومته وأن يفعل بقوة الدستور ولا يستسلم إلى الأعراف المخزنية التي تسعى أن تكون أعلى من الدستور نفسه ، وأن تكون له الجرأة السياسية في اتخاذ إجراءات تعيد للمواطن الثقة في التجربة، وأن لا يتراجع أمام اعتراضات أنصار الدولة العميقة عن كل إجراء يتخذه، كما حدث مع مصطفى الخلفي عندما طرح مشروعه الإصلاحي لقنوات الإعلام العمومي. كما عليه أن يستحضر معطى أن الثورة المضادة في مصر لم تستطع لحد الآن أن تحسم المعركة لصالحها في ظل قيام قطاع واسع من الشعب المصري ضدها، والذي أطلق حركية نضالية سلمية مبهرة استطاعت أن تربك حسابات الثورة المضادة، ويمكن مع الوقت أن تطيح بها ، وهذا ما يجعل حركية القوى المضادة للإصلاح في المغرب محدودة، لن تستطيع المغامرة حتى الإطاحة النهائية بالتجربة المغربية،لأن ذلك يعني الدخول في المجهول،وهذا ما يوفر هامش حركة لرئيس الحكومة يجب أن يستغله جيدا
أحمد العثماني
العيون الشرقية
2 Comments
wallahi gharib amrokom.
i will never trust you.I know you(party) during my university experience.look Mr what ur party is doing in the local council.is it that you ll bring development and walfare to the oujdi people?????????????????????????ur place isn t in governing but rather in preaching