إلى المجلس الأعلى للتعليم: حتى لا نخطئ الموعد مرة اخرى
إلى المجلس الأعلى للتعليم: حتى لا نخطئ الموعد مرة اخرى
د.فؤاد بوعلي
منذ الإعلان عن إحياء المجلس الأعلى للتعليم والآمال معقودة على ما ستخلص إليه الجلسات التشاورية التي فتحها مع الهيئات المؤسساتية والجمعوية. وفي بلاغه الموزع على الصحافة والإعلام، رسم خارطة للطريق تروم تأهيل المنظومة التربوية من خلال تشخيص موضوعي ودقيق ومتقاسم من قبل الجميع وتقديم مقترحات توافقية وواقعية من أجل رد الاعتبار للمنظومة التربوية وإعادة تأهيلها.
قد لا نختلف كثيرا حول أمرين أساسيين: أهمية التعليم في مسار التنمية واستقلالية القطاع عن كل المزايدات الإيديولوجية والسياسية. فالميدان أكبر من مجرد حسابات نخبوية أو قناعات ذاتية بل هو ركن رئيس في كل إقلاع اقتصادي ومجتمعي إن صدقت النوايا، لذا فالإشارات الملكية إلى ضرورة الارتفاع بالقطاع عن كل التيارات والجماعات والحسابات الفئوية هو أمر وجب ترسيخه في كل البرامج المقترحة. كما أننا لا نختلف حول الواقع الكارثي للتعليم المغربي وما يعانيه على كل الأصعدة مما جعلنا نتخلف عن الركب العالمي. لذا فإن فتح هذا الورش الكبير ينبغي أن يؤطر بمبادئ أساسية حتى لا نخطئ الموعد مرة أخرى، وإن كنا قد تعودنا في الحالة المغربية على مسار طويل من الفرص الضائعة في كل المجالات ونتيه في التفاصيل وبعد مدة نعود إلى نقطة الانطلاق. مبادئ تجعل من خلاصات المجلس عناصر مرجعية تؤسس لمرحلة التغيير الحقيقي وليست اجترارا للأزمة وتسويفا للحل. فالمجلس الذي بعث بعد طول رقاد ومعه بعثت حالة من النقاش العمومي، التي تبدو في الظاهر صحية وجيدة، لكنها تخفي انقلابا على ثوابت الإصلاح الحقيقية يلزمه الاسترشاد بعناصر مؤطرة نختزلها في:
1) في القضايا الاستراتيجية يكون المجتمع هو الفيصل والقادة مدبرين للنقاش ومعالجين لمنهجيته. فالتعليم الذي طالما تغنينا بأهميته ومصيريته وكارثيته لا ينبغي أن يعالج في البيوتات المغلقة والمكاتب الفارهة وندوات المقربين مثل ندوة البيضاء، ولكن من خلال الاطلاع الميداني على المشاكل الحقيقية وإشراك الجميع. صحيح أن المجلس دشن موقعا للتواصل وبدأ في اللقاءات التشاورية مع بعض الجمعيات والفعاليات، لكن السؤال الذي يطرح هو: ماهي معايير الاختيار؟ وكيف التعامل مع مقترحات المواطنين؟ وهل فعلا سيتم التعامل معها كما يتعامل مع آراء ذوي القربى المعرفية والمصلحية؟
2) ربط التعليم بالتنمية اساس ضروري لنقل المجتمع نحو مجتمع المعرفة. فارتباط التعليم بالاقتصاد يمثل الجزء الأكبر من هذه المسألة. ذلك أن الشراكةَ (Partnerships) بين المؤسسات التعليمية والفعاليات الاقتصادية هي شراكةٌ أساسية وهامة في عملية التنمية. لكن أي تنمية لا تتحقق في غياب عمق هوياتي حقيقي وانتماء إلى ثوابت الوطن والأمة. وكل من رام قطع المجتمع عن عمقه وربطه الميكانيكي بالمركز سيجد نفسه أمام نماذج إنسانية مشوهة معرفة وانتماء. فلا وجود للوطن إلا داخل دائرة انتمائه الحقيقي.
3) هل نحن في حاجة إلى تشخيص جديد؟ وهل سنعيد نفس المسار التشخيصي الذي يقدم الحلول ويتوقف دون التنفيذ؟ إن المشكلة الحقيقية ليست في التوصيف بقدر ماهي متعلقة بإرادة التغيير والجرأة على إنجاز البرامج واختيار الأشخاص المناسبين للمواقع الحساسة بعيدا عن منطق الولاءات والانتماءات الضيقة التي تحكم عادة الاختيارات الفوقية. إن ما يعانيه التعليم من أعطاب ذكرت بعضها الكثير من التقارير، في الحكامة والجودة والموارد البشرية والمالية، ترتبط في جزء كبير منها بشمولية الأزمة التي تصيب الإدارة المغربية لكن في جزء آخر بعدم قدرة الفاعل السياسي على فهم جوهرية القطاع وحيويته. لذا فإنتاج نفس المشاريع بنفس الوجوه لن يغير في المسألة.
4) ركزت جل النقاشات على المسألة اللغوية. فالأصوات القريبة المبشرة بالعودة إلى الوراء بغية فرض اللغة الأجنبية والتي تتحرك في كواليس الإدارات للبدء في مسار من « المجزرة اللغوية » تحت مسمى الانفتاح سيجعلنا أمام خلخلة حقيقية من الصعب على المجتمع القبول بها. فمن الناحية المبدئية والعلمية كل الأبحاث تؤكد أن أساس التنمية قائم على تعميم الثقافة العلمية والتقنية بين شرائح المجتمع كافة وعدم حصرها في فئة قليلة، وهذا لا يتم إلا باللغة الوطنية. أما إذا استُخدِمت لغة أجنبية، فإن المعرفة تبقى مقتصرة على نخبة صغيرة، وتؤدي زيادة على التخلف إلى طبقية فجة في المجتمع. فالمجتمعات المتقدمة ليست هي التي تتوفر على العلم والتقنية والدخل الاقتصادي الهائل فقط وإنما هي أيضا المجتمعات التي تأخذ فيها اللغة والثقافة الوطنيتان أولوية الاستعمال على أي لغة وثقافة أجنبيتين. فمن « المداخل الرئيسة لتمكين المجتمع في عالم التنمية الذي يقوم أساسا على تدبير المعلومات ونشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها في جميع مجالات النشاط المجتمعي: في الاقتصاد والمجتمع المدني والسياسة والحياة الخاصة، مدخل اللغة باعتبارها أداة لإدراك هذه المعلومات والمعارف ونقلها والتفاعل معها. فاللغة باعتبارها وسيلة لربط الإنسان بالواقع، على العموم، وبتدفق المعارف والمعلومات فيه، على الخصوص، بعيدة كل البعد عن الحياد لاعتبارين متلازمين: اعتبار معرفة اللغة واعتبار لغة المعرفة ».
إن الدور التاريخي للمجلس باعتباره مؤسسة دستورية ذات وظيفة استشارية تستقي شرعيتها من وظيفتها وليس من شعبيتها ينبغي ألا ينسيه الأبعاد الحضارية لكل الاختيارات. فمن تصور أنه يمكن تحقيق التنمية بدون العربية فقد أضاع الطريق، ومن تصور أن الفرصة قد حانت للانقضاض على التوافقات المجتمعية وتقديم فروض الولاء للمركز الفرنكفوني بعناوين مختلفة فهو واهم, لأن المجتمع اختار قبل قرون ولا يمكنه التنازل عن اختياراته.
هذه تذكرة حتى لا نخطئ الموعد مرة أخرى.
Aucun commentaire