32 – خروق في سفينة المجتمع : خرق التنكر لمرجعية الأمة في التشريع
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين
خروق في سفينة المجتمع
32 ـ خرق التنكر لمرجعية الأمة في التشريع
بقلم: عبد المجيد بنمسعود
إن الذي يضمن سلامة سفينة المجتمع المغربي ويقوي لحمة ركابها، ويشكل دعامة لأمنها وثبات سيرها في اتجاه تحقيق أهدافها الكبرى، هو استناد نظامها المجتمعي جملة وتفصيلا إلى العقيدة التي مثلت مرجعيتها على مر العصور، وامتزجت بدماء أهلها، الذين تشكل نسيجهم النفسي من مادة قيمها النفيسة، ومما أضفته عليهم آياتها البينات من صفاء في الروح، وأصالة في التفكير، وسمو في الذوق، وتحل بالنضج والحكمة في خضم التدافع الحضاري، وتوفيق في تدبير وإحكام العلاقات الاجتماعية على أساس من العدل والرحمة.
أما إذا وقع انحراف أو تنازع في شأن المرجعية التي يستقي منها أهل السفينة قوانينهم وتشريعاتهم، بحيث تتشكل داخل تلك السفينة جيوب من المعاندين لشرع الله، ممن يجعلون ذلك رسالتهم المرعية وقضيتهم الأولى التي تكتسي طابع النضال الاجتماعي والحقوقي ، وشعارهم المقدس الذي يستميتون في تجسيد مضمونه في واقع المجتمع، فإن ذلك يكون إيذانا بحدوث تصدع خطير في كيان سفينة المجتمع، يوشك أن يسوقها إلى وضع التضعضع والانهيار، عندما تتجمع عوامل الإجهاز عليها، خاصة إذا وجد المناوئون ثغرات يتسللون منها إلى من يحملون لواء الولاء لمرجعية الإسلام، فيحدثوا حالة من الارتباك في صفهم ، قد تسبب هبوطا في المعنويات، ومن ثم تأخرا في حسم المعركة لصالح انتصار مرجعية الأمة والتمكين لها في الأرض.
لقد ساءني ـ وأنا أقلب صفحات مجلة هسبرس الإلكترونية ـ مشهد مصور لإحدى لحظات المساءلة في مجلس النواب المغربي، تعلق بسؤال نائبة تنتمي إلى أحد أحزاب اليسار، وسبق لها أن تقلدت وزارة الأسرة والتضامن في الحكومة السابقة، سؤالها لوزير العدل والحريات، حول موضوع » عقوبة الإعدام »، ناعية على المغرب تصويته بالامتناع عن تأييد القرار الصادر عن منظمة الأمم المتحدة بشأن إلغاء عقوبة الإعدام، ومعبرة عن كون ذلك الامتناع قد شكل صدمة للمنظمات الحقوقية ولشبكة البرلمانيين والبرلمانيات الذين يخوضون نضالا موصولا من أجل تحقيق مطلبهم لإلغاء تلك العقوبة، ومفتخرة بكون مبادرة تلك الشبكة للمطالبة بإلغاء حكم الإعدام، قد حازت » شرف » التنويه بها خلال المؤتمر الخامس ضد عقوبة الإعدام، ومبدية أسفها عن كون المغرب قد تخلف عن صف تونس والجزائر اللذين صوتا لصالح القرار الأممي.
ولتكتمل الصورة بشكل ينم عن درامية المشهد وعبثيته، تضيف البرلمانية العتيدة في نبرة تنضح بالزهو، واستشعار قوة المرافعة ضد موقف المغرب من عقوبة الإعدام التي وصفتها باللاإنسانية، بأن ذلك الموقف » يتعارض ـ على حد قولها ـ مع دستور فاتح يوليوز 2011، في مادته العشرين، والذي يضع الحق في الحياة على رأس حقوق الإنسان، ويمنع المساس بالسلامة الجسدية » ولم تنس البرلمانية التي تزعم منافحتها عن حق الحياة، أن تسأل السيد الوزير عما إذا كان له علم « بالوضعية المزرية » التي يعاني منها أحد عشر ومائة من المحكوم عليهم بالإعدام، وعن » المسار المنتظر » بالنسبة إليهم.
وفي معرض رده على مساءلة البرلمانية الحالية، الوزيرة السابقة، تساءل قائلا » لماذا لا يوضع مقترح قانوني يعدل به القانون الجنائي ؟ وختم رده بإعرابه عن » تفهم البواعث النبيلة لكل من يطالب بإلغاء عقوبة الإعدام » .
وفي معرض تعقيبها على رد السيد الوزير لم يفت البرلمانية اليسارية أن تغتنم فرصة تساؤل السيد الوزير الإنكاري عن عدم وضع مقترح قانوني لتعديل القانون الجنائي، لتعبر عن موافقتها لذلك الاقتراح الذي صادف هوى من نفسها، وعن تمنيها أن يجد صدى عند الوزير بالاستجابة له في حالة صياغته وتقديمه له من طرف العصبة المعارضة لعقوبة الإعدام والداعية لإلغائها.
نخرج من هذه الواقعة التي تمثل عينة أو نموذجا مما يجري تحت قبة البرلمان الذي يمثل الشعب، بصورة بائسة تمثل اللاتكافؤ في اللهجة بين نزعة تسلطية للتيار المناوئ لشرع الله، لا يجد أصحابها غضاضة ولا حرجا في التعبير عن عدائهم الصريح لأحكام شرعية صريحة، وبين نزعة انهزامية يخجل أصحابها ـ ولو كانوا في دواليب السلطة ـ من التعبير عن ولائهم لأحكام الشرع الحكيم، والدفاع عنها باعتزاز أمام خصومها الذين هم أولى بالتواري والانهزام، لأنهم يأتون منكرا من القول وزورا، ويجترئون على حمى الأمة وجوهر كيانها ووجودها.
فبينما عبرت البرلمانية اليسارية بكل تبجح واعتزاز عن دعوتها الواثقة لإلغاء حكم الإعدام، محتجة على ذلك بأن في الدستور المغربي الجديد ما يعزز هذه الدعوة والدعوى، وهو كونه يضع الحق في الحياة على رأس حقوق الإنسان التي ينص على كفالتها ورعايتها، وجدنا السيد الوزير يرد على الدعوى المتبجحة برد باهت وضعيف، والحال أنه كان أولى وأحق من البرلمانية بالاستشهاد بالدستور، على اعتبار أنه ينص على أن المملكة المغربية دولة إسلامية، بما يقتضيه ذلك من ضرورة تطبيق أحكام الشريعة ونظمها، بما في ذلك النظام الجنائي الذي يتضمن فيما يتضمنه عقوبة الإعدام، فقد كان الوضع الطبيعي والسليم في تلك الجلسة البرلمانية أن تدان بعدم تأدبها مع الله عز وجل وشريعته الغراء، وتطأطئ رأسها خجلا، لا أن تترك لها فرصة الشعور بالزهو تحت قبة المفروض أن يصان فيها شرع الله لا أن يهان.
أما حق الحياة الذي تدعي البرلمانية اليسارية الدفاع عنه والغيرة عليه، فلتعلم بكل يقين، أنه لن يجد ضمانه صيانته وسياجه الصلب المتين إلا في ظل تطبيق شرع الله الأغر، ولتعلم أيضا هي ومن لف لفها، أنهم يبنون تصورهم على » منطق » سقيم، يفسح المجال واسعا أمام تكريس استباحة المئات من الأرواح العزيزة التي تزهق على مدار الأيام، من الرجال والنساء والولدان، والتي كان من الأكيد أن تحفظ وتصان، لو فعلت حدود الله التي تقضي بالقصاص، لأن القتل أنفى للقتل، ألم يقل الله عز وجل : » ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب » فحق من في الحياة تتولى البرلمانية اليسارية المطالبة بحفظه وهي تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام؟ هل هو حق القتلة أم حق المقتولين؟ أما سألت نفسها النائبة » المحترمة » عن عدد الأرواح التي أزهقها المحكومون بالإعدام المئتا وأحد عشر ؟ إنه على أقل تقدير نفس العدد من المقتولين والمغتصبين والمعتدى عليهم بأبشع صور البغي والعدوان.
لقد آن الأوان أن يفعل دستور الأمة الجديد في بنده الأسمى المتمثل في نشر لواء شرع الله الحكيم على شعب استحر فيه القتل في صفوف الصغار والكبار، والرجال والنساء، وعربدت فيه الجريمة بجميع أصنافها وأنواعها، إلى درجة انعدم معها الإحساس بالأمان، وعمت الناس فوبيا رهيبة، أورثتهم هما ونكدا دائمين. فشعب دينه الإسلام، لا يمكن لسفينته أن تبحر بأمان إلا بشراع نسيجها قيم الإسلام وحدود الإسلام.
Aucun commentaire