مباركة الانقلاب
مباركة الانقلاب؟
ظهر دعاة الديمقراطية بمصر العربية وهم يستعينون بالجيش للإطاحة برئيس منتخب ، بإرادة شعبية حرة ونزيهة ، بمظهر يثير الكثير من علامات الاستفهام .
– كيف اجتمعت الكثير من مؤسسات الدولة والمفترض فيها حماية اختيار الشعب ودعمه على تقويض هذا الاختيار وهدم أساسه ونقض بنيانه ؟ .
– لماذا يستعين أنصار الديمقراطية بأعداء الديمقراطية التاريخيين – العسكر– لوأد الديمقراطية الفتية بسبب خصومة سياسية ؟
– لماذا يضحي الديمقراطيون العرب بكل المبادئ التي يروجونها صباح مساء عند أول امتحان لهم ؟
– لماذا للعرب الديموقرطيين الحق وحدهم في الحكم دون غيرهم ؟
– وهل يمثلون فعلا الشعب ؟ وإذا كان نعم فلماذا ينقلبون على ارادته ؟
– لماذا يحكم أدعياء الديمقراطية العالم العربي منذ الاستقلال ، بدون ارادة شعبية ، ولا انتخابات حرة أو نزيهة ؟
– ألم يؤنبهم ضميرهم ولا أحسوا يوما أن هذه الشعوب تستحق اكثر مما هي عليه …؟
– لماذا تستقوي الاحزاب العلمانية العربية بكل القوى الخارجية للنيل من الخصم السياسي ؟
– لماذا نصفق للديموقراطية عندما تفرز صناديق الاقتراع طيفا معينا، ونرفضها إذا أفرزت نوعا آخر من الشعب ؟
– لماذا يتواطؤ الأبيض والأسود ويجتمعون على قلب رجل واحد لاسقاط التجارب الاسلامية الوليدة ؟
– لماذا لا نعطي لهذه التجارب فرصتها ، ما دامت التجارب الديموقراطية قد حكمت لسنوات عدة واوصلت الامة الى التخلف والتشرذم والتقهقر والانهزام في كل الميادين …؟
اسئلة عديدة تطرح نفسها بإلحاح ، بعد توزيع الحلوى الابتهاج والاحتفال الذي استقبل به ادعياء الديموقراطية في مصر الانقلاب العسكري على الديمقراطية الوليدة الفتية ، والتي كانت أمل الكثير من الشعوب العربية والاسلامية .
قد نفهم تواطؤ بعض الانظمة غير الديموقراطية في الخليج مع العسكر لاسقاط نظام شرعي أفرزته إرادة شعب حر ، ولكن ما يصعب فهمه هو تواطؤ الأحزاب العلمانية جمعاء اليمين منها واليسارعلى مباركة الجيش وتشجيعه على مواصلة توجهه غير الدستوري ، والايماء له بالتنكيل بالخصوم السياسيين لاضعافهم وشل قدرتهم بغض النظر عن المبادئ والمثل التي تروج لها هذه الأحزاب في أوقات الرخاء .
إن الأحزاب العلمانية في العالم العربي لا علاقة لها بالديموقراطية مع الأسف الشديد ، ولا تهمها الديموقراطية الا إذا كانت في جانبها ، أما إذا كانت في صالح الخصم السياسي فإنها تكفر بها وبنتائجها …
ومن الاستفهامات الكبيرة التي تشغل بال الكثيرين وتحتاج الى الكثير من المداد ومن التفكير والتأمل : موافقة الغرب الديموقراطي جدا ! على الانقلابات في كل الدول التي أفرزت نظاما يحمل قدرا من الاستقلالية عن الغرب ، وقدرا من الوطنية الصادقة وخدمة الشعب ، فقد حدث هذا ضد تشافيز ، وفي الجزائر ، وفي تركيا مرات عدة ، وفي فلسطين …
إن الأصل في الديمقراطية أن يحكم من أفرزته صناديق الاقتراع بغض النظر عن حزبه أوايديلوجيته ، لان الشعب هو مصدر السلطات وهو الذي يقرر من يحكمه ، ولا معقب لحكمه في الدنيا لا العسكر ولا امريكا ولا الفلول ولا دول الخليج …ولكن ما رأيناه في مصر أن الشعب اختار من يحكمه ، ثم بعد ذلك قام بعض الناس بمسرحية سيئة الاخراج ، قسمت فيها الادوار بين فرقاء لا يجتمعون عادة ، بين أحزاب ديمقراطية !؟ وجيش ، واعلام منحاز ، وقضاة فاسدين ، وبلطجة مأجورين ، وأموال السفهاء … الكل متفق على وأد الديموقراطية الفتية بمصر ، قبل أن تنمو وتقوى وتستوي على عودها فيصعب اقتلاعها ، لذلك تنادى هؤلاء في الظلام لخنق هذه المولودة التي لم تستكمل سنتها الاولى الا قبل أيام….
إن ما يحز في النفس ليس عدد القتلى والجرحى وذوي العاهات المختلفة – لان هذا عادي فالحرية لابد لها من ثمن – وإنما فقدان البوصلة بالنسبة لبعض المؤسسات التي تعمل ضد إرادة الشعب ، فالاعلام الذي يفترض فيه تبصير الناس وتوعيتهم وتثقيفهم ، يقوم بتضليل ممنهج تستعمل فيه كل الوسائل والاساليب غير الشريفة لشيطنة الخصم السياسي وتجريده من كل حقوق المواطنة ، يعمل بدون حيادية ولا موضوعية ، ينحاز انحيازا كليا لطرف دون طرف ، يصدر أحكاما قطعية قبل المحاكمة والاستماع للشهود …تحبك المكائد والدسائس ويتم تسويقها ، وإقناع الشعب بها على أنها الحقيقة المطلقة ، فينشئ قناعات ومواقف للشعب ضد الخصم السياسي ، رغبة في استئصاله كليا من المشهد .
أما القضاء الذي يفترض فيه البعد عن السياسة ، والانحياد والتجرد الكامل ، والتعامل مع الناس كل الناس بالقانون ، فقد أضحى واجهة من واجهات الصراع السياسي ، وعمل بكل جهده لتعطيل القانون ، وحل المجالس المنتخبة ، والحكم ببراءة المجرمين …وكل ذلك بتنسيق وتعاون وغطاء من رجال السياسة الديموقراطيين …وما كان هذا ليحصل لو أن أدعياء الديمقراطية تمسكوا بقوانين اللعبة المتعارف عليها دوليا وهي : احترام إرادة واختيار الشعب ، والقبول بالتداول السلمي على السلطة .
الملاحظ ومنذ الاستقلال الممنوح للعالم العربي والى ألان أن الأحزاب التي تضع نفسها في خانة الديمقراطية والمدنية والحداثة، هي التي حكمت وما زالت تحكم باسم الحداثة والمدنية ، وهي لا تتردد أبدا في الانقضاض على الديمقراطية إذا أحست أنها لم تعد في صالحها ، وهي التي تستعمل كل الوسائل الخسيسة والتي تتعارض مع كل المبادئ الكونية للإيقاع بالمنافس السياسي …وهي التي تستغل الديمقراطية لتحقيق أغراضها ومآربها الضيقة ، وهي التي وظفت ومازالت توظف مؤسسات الدولة وخيرات الدولة لخدمة أهداف وأغراض الحاكمين المتنفذين .
Aucun commentaire