أي مدرسة لمغرب المستقبل؟: مقاربة عبر مدخل التوجيه التربوي
أية مدرسة لمغرب المستقبل؟
مقاربة عبر مدخل التوجيه التربوي (*)
بقلم، عبد العزيز سنهجــي/ مفتش منسق مركزي لمجال التوجيه التربوي/ المغرب.
إن الحديث عن مدرسة المستقبل، في زمن استحقاقات القرن 21 ورهانات العولمة، ليس حديثا عن نسق تربوي معزول عن البناء الاجتماعي العام، وإنما حديث في العمق عن مؤسسة تتفاعل بنيويا وتتكامل وظيفيا مع مختلف الأنساق السوسيواقتصادية والمهنية والثقافية والسياسية… ولن يكون هذا الحديث مفيدا وإجرائيا، في اعتقادنا، إن هو لم يستحضر التطور الحاصل في أدوار ووظائف وآليات اشتغال المدرسة، عبر الوقوف على سيرورات التحولات التي طالت وظائف وأدوار المدرسة في الماضي والحاضر. حيث انتقلت هذه الوظائف من التلقين والشحن بالمعارف إلى وظائف أكثر تنوعا ودينامية، تنخرط في محاولات إيجاد حلول ناجعة لتحديات إكساب التلميذ مناهج تحصيل المعرفة، وتعزيز مهاراته الحياتية، وتوسيع خبراته، وتطوير جاهزيته للشغل وتحقيق الذات والعيش المشترك مع الآخر، من أجل مجابهة مصاعب الحياة في ظل متطلبات العولمة. و لا يخفى على المتتبع المهتم الأهمية البيداغوجية والتربوية والسياسية لممارسة تمرين السفر في المستقبل بحثا عن ملامح ومواصفات المدرسة الجديرة بهذا المستقبل، وذلك باعتباره تمرين يطلق العنان لملكات التخيل والتأمل والاستشراف والتفكير بمنطق البدائل والسيناريوهات. إن انخراط في تمرين من هذا القبيل، هو انخراط في التخطيط لمستقبل التربية انطلاقا من معطيات الحاضر، هذا المستقبل الذي تعددت بشأنه المنظورات والآراء والأبحاث التي تناولت بالدراسة والتحليل ملامح وأسس وأدوار مدرسة المستقبل، حيث غالبا ما تأتي هذه الآراء مركزة على بعض العناصر التي تهم المقاربة أو النموذج البيداغوجي أو الكتاب المدرسي أو طرق التقييم أواستراتيجيات التعلم أوكفايات المدرس… أو تكون منحازة لبعض الأدوار على حساب أخرى. و في هذا الصدد، يمكن التمييز بين مجموعة من الأطروحات الفكرية، حيث يؤكد الطرح الأول على أن لا سبيل لإصلاح المجتمع إلا عبر المدرسة، وهو طرح متحمس في دعواته لتغليب دور المدرسة في إنجاز وحسم التغيير الاجتماعي، بحكم أن المدرسة تتحكم في معادلات وميكانيزمات التغيير الاجتماعي، وهكذا، فأصحاب هذا الطرح يضخمون دور المدرسة ويحملونها أكثر من طاقتها. وفي مقابل هذا الطرح يبرز طرح معاكس ينكر على المدرسة قدرتها على إحداث التغيير الاجتماعي، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن المدرسة، في إطار التنشئة الاجتماعية، تعمل على إعادة توليد المجتمع من خلال معاودة إنتاج نفس النمط الاجتماعي السائد بعلاقاته ونخبه وتراتبياته وتمايزاته الطبقية. ولا سبيل في نظرهم لإصلاح المدرسة إلا عن طريق إحداث تغيير في بنيات المجتمع. في حين، برزت اتجاهات أخرى لعل أشدها تطرفا ذلك الذي يدعو إلى موت المدرسة وزوالها، عبر تخليص المجتمع منها وإقامة نظام من التربية والإعداد يتجاوز إطار المدرسة، ويتم في ساحة مؤسسات المجتمع المختلفة .
إن كل من الأطروحات المتداولة سالفا، لا تسعفنا في الفهم العميق والمتوازن لأدوار المدرسة المتعلقة أساسا بإعداد الأفراد للحياة بشكل شامل ومتوازن، وحتى بالنسبة للذين يعتبرون المدرسة محافظة فلا يجوز، في اعتقادنا، أن يرفضوا وظيفتها التطويرية من خلال هامش الحرية الذي تحتوي عليه ومناطق الإفلات الاجتماعي التي توفرها للأفراد. وعليه، فإن مدرسة المستقبل يجب أن تكون وبالضرورة أداة للإبداع وللتجديد والتطوير وصناعة المستقبل وتوفير شروط ومناخ التغيير والتقدم الاجتماعيين، ولن يتحقق لها ذلك إلا بترسيخ ذلك الوعي السياسي النقدي المطلوب لدى مختلف مكوناتها، والقيام بأدوارها الحاسمة في اتجاه تحرير طاقات واختيارات الأفراد والجماعات، وتحقيق التوازن المطلوب بين حاجيات الفرد وحاجيات المجتمع، في أفق تجسيد التماسك والتضامن واستمرارية المجتمع.
إن انخراط الخطاب الإصلاحي سواء في بعده الرسمي أو غير الرسمي في الترويج لهاته الأطروحة أو تلك، فوت على الجميع فرصة الإمساك بالمعالجة الشاملة والمتعددة الأبعاد للمسألة التربوية، وأفقد هذا الخطاب طرحه النسقي الاستراتيجي المتماسك وأدخله في دائرة التبسيط والاختزال للقضايا الجوهرية والإشكاليات المعقدة التي ينبغي التركيز عليها، داخل إطار يحدد، بشكل صريح، المرجعيات الفلسفية والتربوية والاجتماعية ويرصد المبادئ والضوابط الموجهة لكل تفكير في شأن مستقبل التربية.
إن التأسيس لمنظور إصلاحي لمدرسة المستقبل لا يجوز أن يقفز على أعطاب وإكراهات الحاضر، وإنما يتطلب نوعا من الترصيد والتطوير عبر استيعاب وتجاوز الاختلالات التي تم رصدها في الواقع وفق مختلف التشخيصات والتقويمات المؤسساتية، والتي أفضى جلها إلى خلاصات تؤكد أن المغرب يعمل بمدرسة استنفذت جل أغراضها، ولم تعد قادرة على مسايرة التغيرات الداخلية و تحديات وتحولات القرن 21، بالإضافة إلى تبدد ثقة المجتمع إن لم نقل فقدانها في منتوج وخدمات وأدوار المدرسة. إن خلاصات من هذا القبيل لهي اعتراف رسمي بفشل المدرسة في إيجاد المواطن المطلوب وفي توفير الخدمات الأساسية التي يجب أن تقدم للساكنة المدرسية في زمن برزت فيه صيغ جديدة للتربية والتعليم والعمل، وأصبحت فيه التعلمات تقاس بدرجة وظيفيتها ونفعيتها ومدى إدماجها وتطبيقها في الحياة العامة. إنه اعترافصريح أيضا بفشل المدرسة في وظيفتها التوجيهية. وعليه، وجب التفكير بمقاربة مغايرة والاشتغال بمنهجية مختلفة عن السابق، ومن هنا تبرز أهمية اعتماد منطق ومدخل المقاربة الموجهة للتفكير في مدرسة المستقبل. إن التفكير في المستقبل بمدخل التوجيه هو تفكير بمنظور تطوري وتنموي، يقطع مع الأطروحات السكونية والديكارتية، وينخرط ضمن جيل البرديكمات الحديثة، التي ترى في » المدرسة الموجهة » أحد المداخل الإستراتيجية لإعادة النظر في النسق المدرسي شكلا ومضمونا. وما يميز هذا المفهوم، هو غنى مدلولاته الإبستيمولوجية من خلال ما يولده من أفكار وتصورات وأساليب وتدابير للتغيير المخطط في المجال التربوي. ولا تكمن أهميته فقط في توجيه الممارسة التربوية بشكل متبصر ومنسجم مع منطق العصر المتسم بالتحولات المتسارعة في كل المجالات والأصعدة، وإنما أيضا في إعمال الفكر التربوي الموجه لهندسة الفعل التربوي وقيادة وتدبير الإصلاح الذي يستشرف مستقبلا أصبح التغيير قاعدته والاستقرار استثناؤه.
إن المدرسة الموجهة تشتغل على تجسيد فكرة مفادها أنه في صلب النجاح المدرسي والحياتي يوجد التوجيه التربوي، وفي قلب التعلمات تبرز الميولات والرغبات، وفي مساحات الأنشطة المدرسية تتبلور القرارات والاختيارات والقناعات، وضمن آليات اشتغال المدرسة يترسخ الحس التوجيهي. ولا تشكل هذه المدرسة بديلا للتلميذ في الاختيار،بل على عكس ذلك، تعتبر التلميذ مسؤولا عن اختياراته المدرسية والمهنية والحياتية، وتلزم أطرها بالمهمة التوجيهية، ضمن كل مساحات الاشتغال والتدخل والفعل، وتحرص على القيام بأدوار الإعداد والتأهيل والتحفيز لإيقاظ الإمكانات الذاتية والموضوعية المساعدة على توفير فرص النجاح المدرسي بكل أبعاده. من هنا، تصبح الأدوار المتعلقة بتلقين المتعلمين أنماطا من المعارف والخبرات والمهارات الفكرية متجاوزة لصالح أدوار توجيهية أكثر عمقا ودلالة تجعل من التوجيه وظيفة من الوظائف الأساسية للمدرسة، وذلك من خلال تطوير قدرات التلميذ على الفعل والمشاركة والتجريب والفهم لما يعتمل داخل المحيط الاجتماعي العام، ومساعدته على النماء الشخصي والاجتماعي والمهني في أفق تسهيل اندماجه في حاضر يستشرف المستقبل. إن تجسيد الوظيفة التوجيهية للمدرسة يتطلب ترسيخ ثلاثة مبادئ أساسية:
المبدأ الأول: يتعلق بإدماج قضايا وانشغالات خدمات التوجيه التربوي في المنهاج الدراسي بكل مستوياته ومكوناته، من خلال الحرص على ترسيخ هذه الخدمات في سيرورات التربية والتكوين وفي آليات اشتغال المدرسة، وفق سياسة موجهة تراهن بالأساس على تنمية منظومة من كفايات حسن التوجيه بالنسبة للتلميذ،سواء ذات الطبيعة السيكو اجتماعية أو التنظيمية، ليجد له في نهاية المطاف موقعا في سياق اجتماعي متحول باستمرار سواء كمواطن أو عامل أو إنسان؛
المبدأ الثاني: يتعلق بالشراكة والتعاون بين مختلف الفاعلين التربويين والاقتصاديين والاجتماعيين عبر إرساء وضبط نسق تشاركي حقيقي سواء داخل الفضاء المدرسي أوخارجه، وخاصة مع أولئك الذين لهم دور استراتيجي في بلورة الهوية المهنية والاجتماعية والنفسية للتلميذ، لكي يتسنى استثمار مزايا هذه الشراكة في خلق ذلك المنحى التعبوي المنشط لانخراط الفاعلين في إنجاز مهامهم وتطوير سبل التعاون وتحسين جودة الخدمات التربوية ومد التلميذ بما يلزم من موارد ومصادر داعمة في بلورة قراراته الآنية أو المستقبلية؛
المبدأ الثالث: يروم هذا المبدأ تحقيق تعبئة شاملة لإمكانات وقدرات التلميذ، لجعله قادرا على الفعل والتأثير والمشاركة في وضعيات واقعية محسوسة ومعاشة، باعتباره فردا منخرطا في مشروع مستقبلي يستدعي موقفا محفزا للذات ومن أجل الذات، ويتطلب في نفس الآن بناء علاقة مغايرة مع الذات والمحيط الاجتماعي العام، في أفق التأسيس لسيرورة دينامية تفاعلية مستمرة بين التلميذ ومحيطه، تراهن على تحقيق التناغم إلى أقصى حد ممكن بين تلك الذات وذلك المحيط. فبناء المشروع يعتبر قبل كل شيء بناء طريقة لفهم واستيعاب الفرص، ويبقى استثمار الفرص التي يتيحها المحيط، والتطلع إلى النجاح المستمر، وتحمل المسؤولية في النتائج والأفعال، من أهم البواعث التحفيزية للتلميذ ومن المؤشرات الدالة على الاندماج الفاعل في الحياة المدرسية والمهنية والاجتماعية.
إن إرساء هذه المبادئ يتطلب إيجاد إطار للربح المتبادل يضمن انخراط جميع الفاعلين التربويين والاجتماعيين والاقتصاديين ويعبؤهم في انسجام وتعاون وتكامل تام حول التلميذ، من خلال جعل هذا الأخير في قلب التفكير والفعل التربوي. وهكذا تصبح خدمات التوجيه التربوي وفق هذه المبادئ بمثابة البوصلة الموجهة لكل التفاعلات والعلاقات، ناظمة لكل الأنشطة والتدخلات والسلوكات، يتم تصريفها وفق فريق حامل ومتشبع بثقافة التوجيه، ممتد داخل المدرسة وخارجها. ولتجسيد الوظيفة التوجيهية للمدرسة، يمكن استخدام مجموعة من الاستراتيجيات، لعل أهمها:
الإستراتيجية المستقلة: من خلال هندسة وبناء جزء من مشروع وبرنامج التوجيه التربوي بشكل مستقل ومنفصل عن المواد الدراسية؛ حيث يتم تنفيذ هذه البرامج من خلال إدماجها في مشاريع المؤسسة، وبرامج عملها ومختلف الشراكات التي تقدم عليها، ومن خلال نشاطات مرتبطة بقطاعات العمل والإنتاج الصناعي والزراعي والخدماتي…، ومن خلال أعمال ومشاريع مرتبطة بالحياة المدرسية وبالبيئة، ويصلح هذا المدخل لتزويد التلاميذ بمهارات أداتية وكفايات مستعرضة مستمدة من محيط المدرسة المباشر وغير المباشر.
الاستراتيجية المندمجة: تنطلق هذه الاستراتيجية من فرضية مفادها أن لكل مادة دراسية بعدين متكاملين:أحدهما نظري يغطي المفاهيم والمعارف والمعلومات، والثاني تطبيقي يعنى بالمهارات الأدائية والنشاطات العملية والوظيفية. وبموجب هذا المدخل تصبح المواد الدراسية مسرحا لنشاطات تشكل معبرا لتوجيه التلاميذ وتنمي لديهم قابليات العمل والتكيف مع المحيط الاجتماعي، وتعطيهم مهارات الاندماج الاجتماعي وخبرات العمل مفهوما وتوجها وممارسة، ليحصل الاستئناس بقيم المجتمع الموجه نحو العمل، ومن تم استدماج ذلك في النسق الشخصي والحياتي للتلميذ، مما يستدعي الإبداع والتنوع والتجديد في أساليب الاشتغال وهيكلة المواد الدراسية بمنطق الأقطاب أو الحقول المعرفية وتنويع استراتيجيات التعلم و التقييم وعدم التقييد بنظام الفرصة الواحدة، والحرص على الربط بين مختلف المواد من خلال ترسيخ الكفايات الممتدة عبر وضعيات حياتية ملائمة، تستحضر مختلف أوجه تقاطع وتكامل المواد فيما بينها.
الاستراتيجية الموازية: يتم وفق هذه الاستراتيجية استثمار الأنشطة الموازية التي يجب أن تتسم بالمرونة وتعتمد المبادرة والإبداع قصد تنمية الحس التربوي الموجه، ومن الأمثلة لهذه الأنشطة نخص بالذكر: تأسيس النوادي العلمية والمهنية والأدبية والمسرحية…، الزيارات الاستكشافية الميدانية، تنظيم لقاءات وحوارات مع بعض المهنيين سواء داخل المؤسسة أو في وسط العمل، مراسلات مع العمال والموظفين ومختلف التنظيمات والمؤسسات، تقديم الآباء لشهاداتهم حول تجاربهم المهنية، ملاحظة العمال في أوساط العمل، تداريب داخل مؤسسات أو مقاولات، ندوات من تنظيم مهنيين أو قدماء التلاميذ، تنظيم زيارات للمؤسسات التعليمية والمهنية والخدماتية، تنظيم أبواب مفتوحة ومعارض مهنية قارة ومتنقلة، إنجاز مونوغرافيا مهنية حول شخصيات معروفة أو آباء التلاميذ، تنظيم حوارات جماعية حول تيمات مهنية معينة…
وحتى ننعت مدرسة ما بكونها موجهة، لا بد أن تعيد النظر في بنيتها المعمارية وشكلها الهندسي، لتجعل منها بنية وظيفية تسهل التواصل والتفاعل والانفتاح على خصوصيات وحاجات وأنشطة محيطها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ولا بد أيضا أن تعتمد الاستراتيجيات السالفة بشكل تكاملي، و أن تعبر صراحة عن مهمتها التوجيهية وتدمج العناصر الضرورية لكل فعل توجيهي في مشروعها البيداغوجي التربوي، وتعيد النظر في مهام وأدوار الفاعلين بداخلها وشركائها، عبر إعادة صياغة المواقع والمهام والعلاقات تجسيدا للقيادة الجماعية والمسؤولية الفردية تيسيرا للتدبير التشاركي المندمج.
إن تجسيد النفس التربوي التوجيهي داخل المدرسة، لن يكتمل إلا بدفع كل من الأستاذ والتلميذ لإبداع تجربة فريدة ومحفزة من أجل التعلم الجماعي والتعاوني والتضامني، تخرج الأستاذ من موقعه التقليدي لتجعل منه مستشارا ومصاحبا لسيرورة التعلم، وتدفع في اتجاه تحويل لموقع التلميذ من المتلقي السلبي إلى موقع الشريك الاستراتيجي والفاعل الأساسي في بناء معارفه وهويته عبر سيرورة تطورية ونمائية تتجسد عن طريق الملاحظة والفهم والتجربة والاحتكاك بالواقع، وتكتمل من خلال التوظيف المبدع لكل من تكنولوجيا الإعلام والتواصل و المصادر والموارد المادية والرقمية والإمكانات الذاتية والموضوعية سواء داخل المدرسة أو خارجها. وهكذا نعوض ذلك السؤال المؤرق المتجسد في « ماذا سنعمل بالتلميذ »؟، بسؤال آخر أكثر أهمية ودلالة يتعلق، بكيفية مساعدة هذا التلميذ ليجد له طريقة ومنهجية لبلورة مشروعه الشخصي بأبعاده المدرسية والمهنية والحياتية، من خلال تعبئة وشراكة حقيقية بين جميع الفرقاء التربويين والاجتماعيين والاقتصاديين المعنيين بقضية التوجيه، وذلك من خلال تجسيدهم للأبعاد التوجيهية للمدرسة، وحرصهم على التقيد بمنهجية تشاورية وتشاركية لتحديد وانتقاء أنشطة موجهة تتموقع في مساحات الإدماج والاندماج سواء داخل المؤسسة أو خارجها، وتوفيرهم لكل ما يلزم من الموارد والوسائل والمصادر الكفيلة بإنضاج وعقلنة اختيارات التلميذ وتطوير أساليب اتخاذ القرار لديه.
إن هذه الفلسفة التربوية التوجيهية المتحدث عنها آنفا، هي بالضبط ما تصبو إليه المدرسة المنخرطة في المستقبل، ويطمح المنظور الاستشرافي الحديث لخدمات التوجيه التربوي إلى تحقيقها وترسيخها في المنظومات التربوية المتقدمة. وعليه، نعتقد أن المرونة والتعدد والوظيفية التي تطبع مجالات هذه الخدمات، يمكن أن تكون تلك الحلقة المبحوث عنها، والتي بإمكانها أن تشكل طريقا سالكا نحو المستقبل، و تساهم في هندسة اللبنات الأساسية لمكونات النموذج الإصلاحي المؤطر لمدرسة المستقبل.
إن الرهان على الحس التربويالموجه في مدرسة المستقبل هو رهان على مدرسة مستوعبة لتحولات المستقبل، منتجة للمعنى ولقيم المواطنة وللتوزيع العادل للمعرفة،وهو رهان في العمق على الاتصال بالحراك الاجتماعي وبنبض الرأي العام، وعلى تجسيد التصالح بين المكونات الداخلية للمدرسة وبين هذه الأخيرة ومحيطها الاجتماعي العام. وإذا كان التوجيه التربوي كما أسلفنا، بحكم طبيعته، عمل تشاركي بامتياز، فهو أيضا غاية كل تعليم وكل إعداد وتأهيل، ولن أشدد كفاية على ضرورة الاعتراف له بدور حاسم في ربح رهانات وتحديات المستقبل. فمتى سيتم استيعاب درس التوجيه التربوي عبر مأسسة آلياته وخدماته ضمن إطاره المؤسساتي والبيداوغوجي والسوسيوثقافي والاقتصادي… ليقوم بأدواره كاملة في توجيه المنظومة التربوية نحو الفعالية والنجاعة؟ أو لم يحن الوقت بعد لممارسة تمرين الإصلاح التربوي انطلاقا من مدخل التوجيه التربوي داخل مجتمع يتطلع إلى جعل المواطن فاعلا في التنمية ومستفيدا من عوائدها؟.
الرباط، في 28 فبراير 2013
– (*) ألقيت هذه المداخلة في المناظرة الثانية حول « أية مدرسة لمغرب المستقبل؟ »، المنظمة من طرف مركز الدراسات والأبحاث في منظومة التربية والتكوين، بشراكة مع جامعة السلطان مولاي سليمان، وبدعم من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، وذلك أيام 23 /24 فبراير 2013، ببني ملال.
2 Comments
مقال قيم .لكن الاترى معي الاخ عبد العزيز ان الامر يتطلب من بعض ممن مهامهم التوجيه وعلى علاقة بالتلاميذ مباشرة هم بدورهم يحتاجون الى ضمير مهني،والاختيار بين ممارسة التوجية والاستثمار في التلاميذ عوض الاستثمار في مجالات شخصية
حياك الله الأستاذ السنهجي
والله لو عملت الوزارة بتصوراتك لتمكنت من إرساء نظام للتوجيه عادل وهادف
وإننا نعتز كأطر التوجيه بإسهامتك ومبادراتك القية
وفقك الله ومتعك بالصحة والعافية