رئيس مجلس رئاسة حزب « التقدم والاشتراكية »يدافع عن حزب « العدالة والتنمية
إسماعيل العلوي الأمين العام السابق ورئيس مجلس رئاسة حزب « التقدم والاشتراكية »يدافع عن حزب « العدالة والتنمية »، حليفه في الأغلبية الحكومية الذي يتلقى الكثير من الضربات حتى من حلفائه داخل الأغلبية وعلى رأسهم حزب « الإستقلال ».
وكتب الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية في مقال مطول على صفحات جريدة البيان، إن حزبه تمنى أن « تدخل الكتلة الديمقراطية في شراكة مع العدالة والتنمية الفائز بالانتخابات التشريعية عن جدارة واستحقاق من أجل بلورة برنامج حكومي مبنى بالأساس على ميثاق التزام يصادق عليه الحزب المحتل للمرتبة الأولى في المشاورة الوطنية الأخيرة ».
وخلص العلوي في مقاله إلى القول بأن « ترك حزب العدالة والتنمية لوحده في هذه المعركة المصيرية التي تتطلب تنزيلا سليما للدستور وبلورة ما لا يقل عن عشرين قانون تنظيمي يعد خطأ فادحا ».
وفي ما يلي نص المقال:
كثير من المتتبعين للشأن السياسي الوطني، مغاربة وأجانب، يتساءلون عن ماهية ودواعي تواجد حزب التقدم والاشتراكية ذي المرجعية الإيديولوجية الماركسية ضمن التحالف الحكومي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الدينية المعلنة؟ كيف يعقل للتقدم والاشتراكية الملتزم بمبادئ الحريات والمساواة بين الرجل والمرأة والذي لطالما أعاب على العدالة والتنمية ازدواجية الخطاب عندما كان في المعارضة في الفترة ما بين 2000 و2011 أن يتناقض مع نفسه في عدة مناسبات ويصل هذا التناقض حد التواجد حاليا ضمن الفريق الحكومي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية؟
للإجابة على هذا التساؤل المشروع يجب التذكير أولا بموقف التقدم والاشتراكية من وجود حزب ذي مرجعية دينية على الساحة السياسية منذ البدء. لقد كان التقدم والاشتراكية من بين الأحزاب المغربية القليلة، إن لم يكن الوحيد، الذي أعلن مند البداية بصفته هيئة سياسية متشبثة بالديمقراطية وبالدفاع عن الحريات الفردية والجماعية، عن موقفه السباق الذي لا يرى حرجا في وجود حزب ذي مرجعية دينية في الساحة السياسية شريطة أن يحترم المؤسسات الوطنية والديمقراطية التي تشيد في البلاد. ومنه، لم يكن المكون الإسلامي عنصرا محددا في تعامل التقدم والاشتراكية مع أي حزب أيا كان فبالأحرى العدالة والتنمية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العدالة والتنمية سبق له وأن ساند حكومة التناوب الأولى أثناء تشكيلها برئاسة السيد عبد الرحمان اليوسفي وطوال أزيد من سنة. وفي ما يخص المساس بالممارسة السياسية « العادية » ومحاولات تشويه العملية الديمقراطية، فهذا لم يكن من فعل العدالة والتنمية الذي كان إلى جانب التقدم والاشتراكية وجملة من الهيئات التي شجبت مظاهر الانزلاق التي شهدتها الساحة السياسية الوطنية في الفترة الممتدة بين 2007 و2008 وإلى غاية 2011.
لكن بفضل نضال وحماسة الشباب المغربي تم وضع حد لهذه الانحرافات وجاء خطاب تاسع مارس 2011 ليعيد الأمور إلى نصابها من خلال الإعلان عن دستور جديد تمت المصادقة عليه بالأغلبية الساحقة. هذا الدستور الجديد الذي لن يكتمل كقانون أساسي للبلاد إلا بالتصويت على القوانين المنظمة له، وعبر فهم الجميع لمبادئه الأساسية التي جاء بها والعمل على تطبيقها.
وبعد محطة الدستور جاءت محطة الانتخابات التشريعية التي أجمع الملاحظون على كونها أكثر انتخابات حرة في تاريخ المغرب، انتخابات كرست تفوق العدالة والتنمية لعدة أسباب نذكر من بينها أولا الظرفية الاستثنائية المتميزة بتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العالمية والتي لامس مداها اقتصادنا الوطني الذي عرف تباطؤا مقلقا على مستوى المبادلات وانخفاض مستوى تحويلات الجاليات المغربية وركود السياحية… وانطلاقا من هذه الاعتبارات فلقد ارتأى حزب التقدم والاشتراكية أن يتحمل مرة أخرى مسؤولياته.
فلطالما تمنى حزب التقدم والاشتراكية أن تدخل الكتلة الديمقراطية في شراكة مع العدالة والتنمية الفائز بالانتخابات التشريعية عن جدارة واستحقاق من أجل بلورة برنامج حكومي مبنى بالأساس على ميثاق التزام يصادق عليه الحزب المحتل للمرتبة الأولى في المشاورة الوطنية الأخيرة.
إن ميثاق الأغلبية يؤكد على الاحترام الصارم للحريات الفردية والجماعية وقبول الممارسات الديمقراطية من طرف سائر أعضاء الائتلاف الحكومي. تماما كما شدد البرنامج الحكومي على ضرورة ضمان معدل نمو اقتصادي مطرد و نشر أكبر قدر من العدالة الاجتماعية.
إن هذا الميثاق يشبه في خطوطه العريضة ميثاق الكتلة الديمقراطية ويسمح باستئناف التجربة التي انطلقت في عهد حكومتي اليوسفي واستمرت في عهد جطو والفاسي وفي مناخ أكثر تناسبا بسبب تراكم المكتسبات والاستفادة من الفترة ما بين 1998 إلى 2003 ومن ثم نتائج حراك الربيع العربي الذي طالب بالكرامة.
إلا أن البعض في المغرب كما في الخارج لا يفهمون واقع الأمور التي دفعت بالتقدم والاشتراكية إلى المشاركة في حكومة بقيادة حزب إسلامي والذي نفضل نعته بالحزب ذي المرجعية الدينية. هذا الموقف يكشف عن ثلاثة حقائق: أولا الجهل بالواقع السوسيو ثقافية للبلد، ثانيا عدم الاعتراف بقدرة العدالة والتنمية على احترام المواثيق، ثالثا غض الطرف عن تجربة الشعوب الأخرى.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ليس هناك في المرجعية السياسية لحزب يساري- هنا أو في مكان آخر- ما يجعل من التحالف مع حزب ذي مرجعية دينية تخطا أحمرا لا يمكن تجاوزه، إلا إذا كان الهدف هو الاحتماء وراء عقيدة دوغماتية لتعليل الاستسلام لقناعات جامدة لا تتزحزح والتي ترفض أن تأخذ بعين الاعتبار معايير الواقع الملموس.
ألم يجد الحزب الشيوعي الفرنسي نفسه في تكتل مع حركات ذات مرجعية دينية خلال مرحلة المقاومة؟ ثم مع حزب كاثوليكي بقيادة « جورج بيدو ». وفي إيطاليا ألم توشك التجربة في عهد » أل دو مورو » الذي اغتالته الأيادي المتطرفة أن تتمخض على حكومة مكونة من الشيوعيين والكاثوليكيين الديمقراطيين؟
البعض سوف يعللون موقفهم بكون الأحزاب الأوروبية ذات المرجعية الدينية تبرز علنا احترامهم للديمقراطية التمثيلية والمفوضة وأن هذا الاعتراف يمنحهم شرعية لا جدال فيها. لماذا يتم تقبل هذه الأحزاب في أوروبا الشرقية ولا يتم تقبلها هنا في المغرب؟ يجب التذكير بأنه في السياسة، وحده معيار الممارسة الملموسة هو المعيار المميز لأداء الحزب، ولحد اليوم يؤكد حزب العدالة والتنمية وفاءه للمؤسسات وللديمقراطية (التمثيلية والمفوضة). والأكثر من هذا فإن هذا الحزب وكسائر الأحزاب التي تعمل في إطار الشرعية والمؤسسات لا يعترض على « الديمقراطية التشاركية » بل يعمل جاهدا على ترسيخها.
غالبا ما تم نعت الشيوعيين بالدوغماتيين، والتساؤل الذي يطرح اليوم هو أين يوجد هؤلاء الدوغماتيين اليوم؟ إنهم ليسوا في التقدم والاشتراكية الذي بنى سياسته دائما على « التحليل الملموس للواقع الملموس ». وفي تقديره للوضعية الحالية للبلاد ينطلق من مجموعة من المسلمات الواقعية المبنية على تحليل علمي للمكون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لبلادنا…
على المستوى الثقافي وبسبب نظام تعليمي تقليدي مهيمن فإن الطبقة المتوسطة بقيت حبيسة هوية متشنجة تزداد تأزما بسبب التصرفات الإمبريالية للدول الغربية التي تحدث وقعا نفسيا ممزوجا بالإهانة اتجاه الحقوق المهضومة للشعب الفلسطيني والمساندة العمياء للسياسة الإسرائيلية والتدخل السافر في العراق وأفغانستان والتهديدات الآنية بضرب إيران.
إدا أضفنا إلى كل هذا ضعف النمو الاقتصادي وضغط النمو السكاني والتوتر القائم بين أقلية من المحظوظين وأغلبية من المعوزين والذي كان وراء انفجار الربيع العربي فهناك حاجة ماسة ومستعجلة لتجاوز كل هذه التناقضات حيث يبدو بلدنا مهيأ بفضل دستوره المتقدم وبفضل تمثيلية طبقاته الوسطى وشبيبته الطموحة. هناك حاجة إلى تقليص الفوارق الاجتماعية والاستفادة من التطور الاقتصادي الذي يتم استغلاله بالشكل المطلوب.
وهذا يعني، بأن المغرب وصل إلى نقطة لا مجال فيها لتأخير عجلة الإصلاحات السوسيو اقتصادية حتى ولو كانت هذه الإصلاحات قاسية لأنها شجاعة، ولكنها بالمقابل ستخلق الثروات وتسمح بالتوزيع العادل لثمارها. ولذلك فترك حزب العدالة والتنمية لوحده في هذه المعركة المصيرية التي تتطلب تنزيلا سليما للدستور وبلورة ما لا يقل عن عشرين قانون تنظيمي يعد خطأ فادحا.
أما عن المخاوف المشروعة المرتبطة باحتمال مساس حزب العدالة والتنمية للمكتسبات الديمقراطية والمس بالحريات التي انتزعت بفضل نضال مستميت أو بمبادئ التفتح والانفتاح اللذين تتحققا بفضل مجهود كبير فتجدر الملاحظة أنه وبعد سنة كاملة على تنصيب حكومة ابن كيران ليس هناك ما يشير إلى أي قلق ولم يبدر عنه أي تصرف يوحي بوجود مثل هذه المخاوف.
ثم إن هناك عنصرين هامين يبددان كل هذه المخاوف، يتجلى أولهما في الدستور الجديد وثانيهما في المؤسسة الملكية القوية بتجدرها التاريخي وبسلطاتها الأساسية التوجيهية والتحكيمية. ويمكن إضافة عنصر ثالث هو تواجد التقدم والاشتراكية ضمن الفريق الحكومي وهذا يخول له إمكانية الرقابة والحيطة والحذر والسهر على المكتسبات.
Aucun commentaire