تنوع البضاعة في سوق الكتابة ظاهرة صحية ومؤشر على نهضة فكرية واعدة
تنوع البضاعة في سوق الكتابة ظاهرة صحية ومؤشر على نهضة فكرية واعدة
محمد شركي
لفت نظري مقال الأستاذ الفاضل السيد محمد سباعي حول سوق الأستاذ الفاضل السيد محمد عالم الذي سبق أن نشرت عنه مقالا على هذا الموقع وغيره بسبب سوقه وما عرضه فيها من بضاعة طريفة . ومما جاء في مقال الأخ سباعي تساؤل عن تأخر دخول السيد محمد عالم سوق الكتابة . ونظرا لعلاقتي بالأخ محمد عالم ،فهو أخ لم تلده لي أمي مع أننا نقف على ضفتين متقابلتين يفصلهما نهر جار إلا أننا نغترف من ماء نفس النهر . ولقد اكتشفته عندما جمعتني به ظروف العمل بنيابة جرادة ، واقتسمنا الطعام أول مرة في غابتها وكان عبارة عن دجاجة رومية المحتد، وخضنا في أحاديث مختلفة ، فوجدته يحمل نفس هموم الأمة التي كانت تشغلني خصوصا هموم التربية رافعة التنمية التي لا مندوحة للأمة عنها إذا ما رامت نهضة حقيقية ، ولم يكن بيننا فرق إلا في أساليب التعبير حيث كنت أعبر بلغة قريش ، وكان يعبر بلغة بونبارت مع أن هذه الأخيرة لم تؤثر في هويته الأصيلة العذراء التي لم تدنس عذريتها . وقلت له يومئذ : » إن الله عز وجل لم يجمعنا عبثا بل جمعنا لحكمة « ولقد راهنت عليه يومئذ ولما أدخل بعد سوق الكتابة على المواقع العنكبوتية التي لا مني فيها اللائمون كثيرا ، وصرت عند البعض بدعا من الخطباء الذين يحرم عليهم عرف فاسد لا مبرر له ولوج سوق الكتابة مهما كانت البضاعة ، وأحسب أن بعضهم ربما عد عرض بضاعتي في سوق الكتابة من خوارم المروءة التي لا تليق بخطيب يخطب ولا يحق له أن يكتب أو يشعر . ولقد آتيت خوارم المروءة في نظر بعض المتشددين بالكتابة نثرا وشعرا ، ولم ألتفت إلى من عذل ولام . ولقد نصحت أخي الذي لم تلده لي أمي مرارا بدخول سوق الكتابة ، وكان يحس بنوع من الحرج نظرا لطبيعة شخصيته المتواضعة ، والتي تضيق بسرعة من الأضواء الإعلامية الكاشفة خصوصا في سوق الكتابة من كثرة تواضعه، ومن تواضع لله عز وجل رفعه . وكان راسخ الاعتقاد بأن بضاعته متواضعة حتى رفع الله تعالى من شأنها وأذن له أن يكتب بغير لغته الأم التي يستطيع أن يعبث بها كما يشاء . وكان دخوله سوق الكتابة أول المرة محتشما لا يتجاوز التعليق على بضاعة هذه السوق وباسم مستعار هو الفضولي . واستعماله لهذا الاسم المستعار بالضبط يدل على أنه كان يتهيب دخول السوق، لأن الفضولي هو الذي يقتحم ما لا يعنيه . وكان الأخ الفاضل الأستاذ عالم يعتقد أنه فضولي في تعليقاته مع أنها كانت في الصميم شأنه شأن المتسوقين الذين يفحصون البضاعة ويستطيعون التمييز بين غثها وسمينها في احتشام مع احترام أصحابها . وما زلت به حتى استدرجته إلى عرض البضاعة عوض الاكتفاء بالمساومة والدعاء لأصحاب البضاعة بالتسخير . وعرض أول مرة بضاعته بسوق الكتابة ، وكان صاحب قصب السبق في تسمية سوق الكتابة سوقا ، وقد حالفه التوفيق في ذلك بالرغم من استدراك أحد المعلقين عليه بأن تسمية سوق الكتابة سابقة في التاريخ عندما سمت العرب سوق الشعر عكاظا . ومع هذه الاستدراك يبقى الأستاذ عالم هو أول من سمى سوق الكتابة على المواقع العنكبوتية سوقا ،ولن يبخسه تعليق المعلق المستدرك حقه في ذلك في اعتقادي. ولقد تصورته أول مرة في سوق الكتابة عطارا مجازيا يبيع التوابل المجازية بملعقته المشدودة إلى عصا توصلها إلى أكياس التوابل ، وتوصل صاحبها إلى جيوب الزبائن وأكفهم ، كما هو حال العطار الحقيقي . ومعلوم أن توابل العطار الحقيقية تحدث فعلها في طعام الناس الذي لا يمكن أن يستغني عنها بالرغم من لحمه وخضره . وكانت بالفعل بضاعة الأخ عالم عبارة عن توابل تعطي الأطعمة الفكرية مذاقا ونكهة خاصة . والأخ عالم متسوق فراش شاطر يمارس عرض بضاعته بدهاء لا يخلو من مكر ، ويتصيد من يدخل سوقه ويقترب من بضاعته . فبمجرد أن تقع عين الفاحص بضاعته عليها يبادره بنوع من الاستفزاز الخفي الذكي ليزداد فحصا لها واقترابا منها . وسرعان ما يقع فاحص بضاعة الأستاذ عالم في حباله وشراكه،فيصدق تارة ظنه فيها ويكذبه طورا ، ولا يملك إلا أن يقول : » ماذا يريد صاحب البضاعة ببضاعته ؟ أشرا بمن في الأرض أم يريد بهم رشدا ؟ « ولقد ساوم كثير من المتسوقين سوق عالم ، وقضوا وقتا طويلا في فحص بضاعته ، وانصرفوا وفي أنفسهم شيء من هذه البضاعة ،والاستغراب يطاردهم أو يحاصرهم ، وتتعلق بأدمغتهم أسئلة طويلة عريضة ، والأجوبة عنها دونها بيد أو خرط القتاد كما يقال ، لأن صاحب البضاعة ينهج أسلوب الاستفزاز في عرض بضاعته ، ويثير فضول المتسوقين عن طريق أسلوب التشويق من أجل الاقتراب من سفرته أو بساطه أو ما يفترشه لعرض بضاعته ليتصيدهم كما تتصيد العنكبوت ضحاياها في شبكاها المنشورة في الأركان المنزوية . وأحيانا يبدو لي الأستاذ عالم كعارض بضاعة غريبة شأنه شأن واضع جلد الأرنب في كيس ، وهو يوهم الناس في السوق أن في الكيس مخلوق غريب سيحدث الناس عن عجائب آخر الزمان. إنها الكتابة الظريفة الممتعة التي تركب السهل الممتنع من أساليب لغة الأسياد كما سماها الأستاذ سباعي . ومن ضحايا سوق الأستاذ عالم الذين اقتربوا من بضاعته بدافع الفضول والاستفزاز الأستاذان الفاضلان الطيب زايد ومحمد سباعي ، وقد ساوما معا بضاعة الأستاذ عالم بعد فحصها وكلاهما خبير بسوق الكتابة لا يفوتهما أمر غث أو سمين فيها . ولقد كان الأستاذ عالم حين دخوله السوق أول مرة يغضب حين لا يساوم بضاعته أحد ، وكان يغضب من » الجمرد أو الجمرك « المسوؤل عن السوق ـ وأقصد به صاحب هذا الموقع ـ عندما يحول دون مساومة المتسوقين من ةخلال عدم نشر تعليقاتهم أو لنقل مساوماتهم ، وكنت أطمئنه بألا يقلق لأن الله عز وجل يسخر لكل شعير من يكيله كما يقول المثل الشعبي . ولم يمض وقت طويل حتى ساومه أكابر تجار هذه السوق ، لأنه استطاع أن يلفت أنظارهم إلى بضاعته الطريفة العجيبة . ولقد نصحته ألا يعير مساومة المتسوقين كبير أهمية ، لأن كثيرا من المتسوقين سوق الكتابة يتنزهون ولا يشترون وشعارهم : « اللي ما شرا يتنزه » والحقيقة أن التنزه في سوق الكتابة عبارة عن شراء واقتناء من حيث لا يشعر المتسوقون المتنزهون . والرابح الأكبر في نهاية المطاف هو سوق الكتابة التي لا زالت بضاعتها تتنوع ،وتتعدد تماما كما يحصل في السويقات التي تبدأ متواضعة ثم تصيرأسواقا كبرى ، ثم قد تنشطر بعد ذلك إلى سويقات أوأسواق متعددة ، وربما صارت مركبات أو أسواقا ممتازة ، وقد تضرم في بعضها النيران عمدا وعن سبق إصرار من أجل تغيير معالمها وتجديد بياتها التحتية ، فتتوسع ولكنها تفقد سحرها الأول وجاذبيتها . وتنوع بضاعة سوق الكتابة ظاهرة صحية لأنها تجمع بين مختلف البضاعات ومختلف العارضين لها على اختلاف مشاربهم ، وهي مؤشر على نهضة فكرية واعدة تتصارع فيها الأفكار والبقاء للأصلح ، وهي سوق يزهق دائما الحق فيها الباطل ، كما أنها تختلف عن السوق الحقيقية في كونها ليست شر البقاع كما جاء في الأثر، بل هي خير البقاع لما فيها من بضاعة فكرية لا تقدر بثمن . فهنيئا لسوق الكتابة ولتجارها وللمتسوقين بما فيهم المتنزهين وحتى للجمرد أو الجمرك.
Aucun commentaire