الرد على علماني يزعم أن في أعماق كثير من المؤمنين يوجد قدر من الشك في الغيب
الرد على علماني يزعم أن في أعماق كثير من المؤمنين يوجد قدر من الشك في الغيب
محمد شركي
القول بأنه » في أعماق كثير من المؤمنين يوجد قدر من الشك في الغيب يقابل بالتجاهل » عبارة عن تشكيك في إيمان المؤمنين قياسا على شك يوجد عند العلماني صاحب هذا القول . فصاحب هذا القول كشف النقاب عن طبيعة إيمانه هو ،والذي يلابسه الشك ، وحاول أن يعممه ذلك على كثير من المؤمنين ليوهم بأنه أمر طبيعي . ومعلوم أن القرآن الكريم هو مصدر تعريف وتحديد الإيمان لقوله تعالى : (( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا )) فليس من قبيل الصدف أن يستعمل الله عز وجل أسلوب القصر فيحصر الإيمان تحديدا في الذين يؤمنون دون أن يلابس الشك إيمانهم . فالذين قصدهم العلماني وزعم أنهم كثرة يوجد عندها قدر من الشك في الغيب لا يشملهم تعريف القرآن الكريم نظرا لوجود قدر من الشك أو الريب في إيمانهم . ويؤكد القرآن الكريم ضرورة انتفاء الشك في الإيمان بقوله تعالى : (( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم )) فالله تعالى سمى الإيمان بالأفواه دون القلوب تهافتا على الكفر وإسراعا إليه . والإيمان بالأفواه دون القلوب هو إيمان يخالطه الشك والريب . ومعلوم أن الغيب هو ما غيبه الله عز وجل في عالم الغيب المقابل لعالم الشهادة . ومن شروط الإيمان أن يؤمن الناس بعالم الغيب كما يؤمنون بعالم الشهادة لقوله تعالى : (( ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب )).ففي هذا النص القرآني ينفي الله عز وجل الريب عن القرآن الكريم الشيء الذي يعني أن ما جاء فيه من كلام عن الغيب لا يمكن أن يكون موضوع شك أو ريب كما زعم العلماني. والذي غاب من حساب العلماني أن الإيمان إرادة إلهية قبل أن تكون إرادة بشرية لقوله تعالى : (( وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله )) ، وهي آية تجعلنا نستحضر مثيلتها في قوله تعالى : ((وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله )) فالله تعالى جعل إيمان النفس وموتها بإذنه ، لهذا لا يمكن لنفس أن تموت بإذنها كما أنه لا يمكنها أن تؤمن بإذنها . وعلماني اليوم لا يختلف في شيء عن علماني الأمس يوم كان الوحي ينزل ويسجل أحوال الناس ، ذلك أن القرآن الكريم سجل لنا مقولة علمانيي الأمس في قوله تعالى : ((قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون )) فالسفه هو قلة الحلم أو الجهل مع رداءة الخلق ، وهو تهمة كان الذين لا يؤمنون يتهمون بها المؤمنين ، فعقب الله تعالى عليهم بأنهم هم السفهاء ولكنهم يجهلون ذلك . ومعلوم أن الذي يجهل بأنه يجهل يعتبر جهله مركبا . فالعلماني اليوم يتهم المؤمنين بالسفه عندما يتحدث عما سماه الإيمان العاطفي، وهو يقصد أنه إيمان لا يعتمد أدلة العقل بل هو مجرد اندفاع عاطفي ، ولكنه يجهل بأنه بحكمه هذا هو السفيه حقيقة. وسجل لنا القرآن الكريم أحوال الذين كانوا يشكون في إيمانهم بالغيب في قوله تعالى : (( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه )) . فهذه تحديات الذين يخامرهم الشك في إيمانهم بالغيب يطالبون بأدلة من عالم الشهادة كتفجير الينابيع والأنهار والجنان ذات النخيل والأعناب والكسف الساقطة من السماء كما يطالبون بأدلة من عالم الغيب من قبيل تجسيد الذات الإلهية المقدسة والذات الملائكية النورانية . ويخلطون بين أدلة عالم الشهادة وعالم الغيب حين يطالبون النبي بالرقي في السماء من أجل جلب كتاب ملموس يقرءونه ، مع العلم أن الله تعالى ذكر في كتابه الكريم أنه حتى لمس هؤلاء الكتاب لو أنزل من السماء بأيديهم لا يقنعهم حيث قال سبحانه : ((ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين )). وأكثر من ذلك يقول الله عز وجل : (( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون)) فهؤلاء لا تقنعهم أدلة سواء كانت من عالم الشهادة أم من عالم الغيب وهذه هي مشكلة العلماني الذي جزم بأن في أعماق كثير من المؤمنين قدر من الشك في الغيب لأن في أعماقه ما وصف به الله عز وجل أصحاب الشك الذين يقولون عن الحقيقة الملموسة بالأيدي بأنها سحر مبين ، ويرون أنفسهم وهم يعرجون في السماء أنهم مسحورون ، فإذن لا دليل يقنع العلماني الشاك في الغيب . والله عز وجل يفحم أصحاب الشك حين يطلبون دليلا من عالم الغيب بقوله سبحانه : (( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا )). فالرسول المقبول منطقا وعقلا بالنسبة للبشر يكون بشرا من طبيعتهم لا من طبيعة أخرى وإلا صار الأمر سحرا وصار البشر المتعاملون مع الملك الرسول يظنون أنهم قد سحروا .
فالحوار مع العلماني في موضوع الإيمان بالغيب يفضي إلى طريق مسدود لا محالة ما دام موقفه أمام الأدلة سواء من عالم الشهادة ومن عالم الغيب واحدا لا يتغير، فهو إما شاك ومرتاب ومكذب بالغيب بداية و دون دليل أو يبرر شكه وريبه أمام الأدلة المقنعة بأنه مسحور أو أن الأدلة عبارة عن سحر ، إذن هو متعصب لشكه في كل الأحوال، ولا ينفع معه برهان ولا دليل ، وهو نفسه يقر بذلك عندما يقول بالحرف : » الأدلة التي يقدمها شخص مؤمن على وجود الله لا تعد أدلة مقنعة لغير المؤمن » علما بأن الشخص المؤمن يعتمد بالضرورة على أدلة القرآن الكريم وهي أدلة الخالق سبحانه على ذاته المقدسة، وإذا كانت أدلته غير مقنعة ، فهذا يعني أدلة القرآن الكريم وهي أدلة الله عز وجل بالنسبة للعلماني غير مقنعة ، ولا توجد أدلة بعد أدلة القرآن الكريم أو أدلة الله عز وجل بمقدورها إقناع جامد على تعصبه حتى لو لمس الكتاب المنزل في قرطاس بيده ، أو حتى لو ظل يعرج في السماء .
وأخيرا أقول بالرغم من تهافت فكر هذا العلماني المتعصب ، فقد غضب بعضهم من مقال سابق نشرته عنه لأنهم أهل باطل يناصرون الباطل مع أنه زاهق أمام الحق بأدلة العقل الدامغة التي لا ينكرها إلا منكر متعصب .
Aucun commentaire