صفقة شباط والهمة : الأمانة العامة مقابل فرملة العدالة والتنمية
سعيد سونا
لعل المتتبع الحصيف لمستجدات المشهد السياسي المغربي الذي خضع لنوع من الخلخلة التكتيكية ، دون المساس بالتوازنات الإستراتيجية التي يقوم عليها نظام الحكم ، يخلص لمحصلة ثابتة بكل القرائن والحجج مفادها أن أدوارا جديدة خلقت من أجل أشخاص مجبرون على تغيير تموقعهم السياسي وتجديد خطابهم السياسي بما يخدم المرحلة ، تلكم هي عقيدة السياسة فلاثابت تستقر عليه ، ولايوجد في معجمها ألفاظ شعرية من قبيل العدو والصديق …
فالمعلوم في علم السياسة أن التكتيكي ظرفي ووسيلة ، أما الإستراتجي فدائم وثابت وغاية ، فغياب الرشد السياسي تجعل من لم يقرأ ثوابت ويقينيات الحكم يهلل لما قد يعتقده نصرا بالمفهوم الفنطازي للنصر والهزيمة ، والخبير بتضاريس المخزن يدرك أن هزائمه ماهي إلا استراحة أو لبس ثوب جديد، لممارسة دور جديد أيضا …لكن دائما في تماهي مع فلسفة الحكم السرمدية التي لاتزول.
هي قراءة أكاديمية بعدما وضعت حرب المدينة والبادية أوزارها لصالح هاته الأخيرة ، وزادنا في كل هذا الحياد المهني والبكارة الأكاديمية التي تبتعد عن قراءة الأحداث قراءة اندماجية ، بدل استعمال أليات علم السياسة في تفكيك الأحداث بعيدا عن الشخصنة…
جميعا تتبعنا حرب الباسوس التي دارت رحاها بين ابن اللوبي الفاسي المتغلغل في أروقة الإدارة المغربية ومطابخ صنع القرار ، وبين المعسكر الذي حرق المراحل في نظر من أخذتهم الحماسة بطرح علمتنا دواوير الزمن السياسي المغربي أنه ألية عتيقة في تدبير الأزمات.
« تيار » حميد شباط يعتبر نفسه حامي الديموقراطية الإستقلالية والمنافر عنها ، كما يعتبر نفسه التيار المجدد والإبن الشرعي للإنتفاضة الإستقلالية في توازي مع مخلفات الربيع العربي الذي أصبح أب لكل حدث يجيد صعوبة في التموقع …
وبالتالي علينا أن نطرح الأسئلة التي فرضت نفسها علينا بإلحاح ونبدأ بأب الأسئلة :
ـ هل هناك من عاقل يصدق أن المخزن بعيد عن مؤتمرات جميع الأحزاب المغربية فمابالك بحزب القصر الذي لايمكن الإستغناء عنه في الحفاظ على تماسك المشهد الحزبي بالمغرب ؟ هذا السؤال يفتح الشهية على أسئلة أخرى :
ـ مالسر في الإنقلاب الفجائي لأبناء مدينة فاس والذي أوصلهم عباس الفاسي للإستوزار ، فالكل يعلم بأن غلاب وياسمينة بادو وأحمد توفيق حجيرة من أصول فاسية وهم أقرب لحزب المنصب منه إلى حزب الإستقلال فلن تتم التضحية بمستقبل سياسي من أجل خرافة حزبية بالمفهوم البراغماتي لشهوة السلطة، مع التذكير على أن مايزكي هذا الطرح هو أن المهندس الطرقي كريم غلاب الوزير السابق ورئيس مجلس النواب الحالي والثالث في برتوكول الدولة المغربية بعد الملك ورئيس الحكومة على الأقل ظاهريا ، لم يكن لتطأ قدماه هذا المجد السياسي لولا عباس الفاسي الذي تلقى الويلات من صقور الحزب ومن الصحافة الوطنية على خلفية عدم انتماء غلاب لحزب الميزان ، ثم ألم يحارب عباس الفاسي من أجل أن تحضى الوزيرة الضاحكة على ولاية وزارية ثانية بحقيبة ولو مفخخة نظرا لبعدها الإجتماعي العميق ووعورة مسالكها لإرتباطها بصحة المواطنين ؟ ثم ألا يعتبر توفيق حجيرة الفتى المدلل لعباس الفاسي ، ورجل الإسعاف والتوافقات ، فما سر هاته الغزوة التي لاتتوافق مع أي توافق ياتوفيق ؟؟؟
على فكرة عباس الفاسي لم يتفاجأ بما فعله هؤلاء ولايتعامل بمنطق الغدر والوفاء في السياسة ، فهو الخادم المطيع للقصر مهما كانت الصيغ فلطالما هذا الإنقلاب الوسيم يخدم حكومة الظل لامانع في ذلك ، فالغاية كل الغاية عند عباس هي مصالح القصر الحيوية ، فلذلك لاحظ الجميع أيات الحبور وهي تكتسح محيا الرجل وهو يسلم السلط لشباط وهو يعلم الغاية من هذا الفتح العظيم ، ولعله من أكبر مهندسيه رفقة رجل حكومة الظل القوي خدمة » للصالح العام » كما دأب على ذلك عباس الفاسي السفير والوزير والأمين ؟؟؟
إن عباس الفاسي يدرك كما هو متعارف عليه أان علاقة أل الفاسي بالقصر بنيوية وأن أل الفاسي رقم صعب يصعب تجاوزه وحتى ولو تعلق الأمر بفسح المجال لشخص أخر للمرور لهنيهة خدمة للمعسكرين ؟؟؟
طبعا كانت غضبة عبد الواحد الفاسي مفهومة فهو الزاهد في المناصب واستقالته من وزارة الصحة إبان حكومة التناوب تؤكد هذا ، لكن « عبيبيس » وما أدراك « ماعبيبيس » كما يلقبه الإستقلاليون ، وفريته الكبيرة على الرجل بعدما همس في أذنية قائلا : ترجل بقامة لاتنحني فالأمانة مضمونة بيدك فأنت رمز العائلة الذي لم تفقد بكارتك السياسية ، ولهذا فالأيادي الخفية تبدأ ظاهرة وهي تختفي تدريجيا إلى أن تصل إلى مهندس المشهد السياسي المغربي الداهية » الطوماهوك » فؤاد عالي الهمة ، والرسائل كثيرة والهدف واحد دائما …
الرسالة الأولى : إيهام الرأي العام الوطني والدولي بأن المخزن رفع يده عن الشأن الحزبي …فصعود من كان يبدأ صلاته بمهاجمة حزب الأصالة والمعاصرة وتحميلها المسؤولية حتى في حالة إصابة شخص من الأشخاص بالزكام قد يبعد الشبهة عن تدخل الهمة في طبخة مناضل القرب ، وإبعاد مناضل البعد يضيف أحد الظرفاء ، ثم أن الرسالة التي تسللت إلى وسائل الإعلام والتي تزعم أن الهمة حمل رسالة القصر للإستقلاليين بضرورة إختيار أحد القيادات الشابة ماهي إلى حركة أخرى لإبعاد الشبهة عن الصفقة الكبرى عن هذا الفيلم السوريالي
لقد كانت صفقة الهمة مع شباط ، بضرورة كف هذا الأخير من هجماته اتجاه البام وتغيير البوصلة اتجاه المصباح وانهاكه من داخل الحكومة وعرقلة مسيرته حتى لاتنجح تجربته افي انتظار هدوء الربيع العربي، وعودة التراكتور لحصاد غلة حكومة محاربة الفساد والمفسدين ، وفعلا تمت الصفقة وتفاجأنا كيف كان الكومندو الثلاثي ينتظر الإشارة لكي ينفذ أجندة الأيادي الخفية ، فكلنا تابع كيف صعق السيد شباط من سؤال السيدة جوهرة في حضرة برنامج ملف للنقاش عن السبب في هاته المهادنة الغريبة للبام …فهل هضمتم كيف التهم شباط لسانه في بضعة أشهر وبطريقة دراماتكية فمن كان يصف البام بالحزب الفاشي يصفه الأن بالحزب الشرعي الغني بالنخب الجديدة ؟؟؟
إنها إيديولوجية الفوضى المنظمة التي يتقنها فؤاد عالي الهمة ، وإنها برغماتية آل الفاسي في التعامل مع الثابت والمتغير.
والآن بعدما تعرفنا على غنيمة طرفي الصفقة ، بقي لنا أن ننتظر الأيام المقبلة لكي نتعرف عن الحضوة التي سيحضى بها كل من توفيق حجيرة وياسمينة بادو ، أما السيد غلاب فقد اطمئن على منصبه إلى غزوة قادمة قد تجعل المدينة تترك البادية من وراءها
عفوا إنها السياسة عندما تتكلم مغربي
Aucun commentaire