التجني على المسلمين بسبب خلفية سياسية دليل قاطع على الحقد عليهم
التجني على المسلمين بسبب خلفية سياسية دليل قاطع على الحقد عليهم
محمد شركي
دلني أحد الفضلاء مشكورا مأجورا على مقال نشر على موقع وجدة سيتي تحت عنوان : » الاهتمام المبالغ فيه بالجانب الشكلي في الدين الإسلامي دليل قاطع على الجهل بقيمه » لصحابه السيد محمد الحنفي من بن جرير. وهو مقال تضمن التجني على جهات متعددة صنفها صاحبه كما يلي : أئمة الصلاة ،والمؤذنون، وخطباء الجمعة، والوعاظ ، وعامة المصلين ، وأصحاب العباءات واللحى المسترسلة ، والمجالس العلمية ونعتهم بالمؤسسات المخزنية ، والأحزاب الإسلامية التي نعتها بذات التوجهات » المؤدلجة » للدين من أجل الوصول إلى السلطة . ووصف في آخر مقاله الجميع بالجهل والأمية والتعصب و ما سماه » أدلجة الدين » .
بدا لي في بداية الأمر ألا ألتفت أصلا إلى هذا المقال لتفاهة مضمونه وفجاجة شكله ،ولكن واجب الدفاع عن حرمة المسلمين تقتضي الرد عليه بما يكشف حقيقة خلفيته وهي التعصب والحقد . بداية أنبه إلى أن صاحب المقال بالرغم من حرصه في نظره على عدم الكشف عن خلفيته السياسية إلا أنه بدا كصاحب الخوخ الذي سأل غيره عما في جعبته من خوخ . وربما غاب عنه أن أحد منظري الأسلوبية قال قولة شهيرة مفادها : » الأسلوب هو الرجل » وهذا يعني أن الأسلوب يدل على صاحبه وصدق من قال :
ومهما تكن عند امرىء من خليقة //// فإن خالها تخفى على الناس تعلم
وإذا خفي الإنسان عن الناس فإنهم يعرفونه من خلال أسلوبه . ومعرفة الأساليب تعتمد على المعاجم الدلالية الذي يستخدمها أصحابها . فلفظة » أدلجة » ولفظة » « المتمسلمين « ، ولفظة » المؤسسة المخزنية » ألفاظ تدل على حقل دلالي يحدد هوية صاحبها . وقبل أن أتناول هذه الهوية بالحديث لا بد من التنبيه إلى سوء استعمال بعض هذه الألفاظ معجميا . فلفظة » أدلجة » لفظة موضوعة لا وجود لها في اللسان العربي ،لأن فعل أدلج مصدره الإدلاج ، كما أن فعل ادلج ـ بفتح وتضعيف الدال ـ مصدره الادلاج ـ بكسر الدال وتضعيفها ـ ومعناه سارالليل كله أو آخره . والدلجة ـ بفتح الدال وضمها ـ هي الاسم من فعل أدلج. والدلج والدلجان والدلجة هي الساعة من آخر الليل . والمدلاج هو المعتاد على الإدلاج . والمدلجة هي كناس الوحش أي بيوتها ،وتجمع على أكنسة وكنس ـ بضم الكاف والنون ـ وفي الذكر الحكيم (( الجواري الكنس )) وقيل هي النجوم إذا غابت أو حمر الوحش والظباء إذا دخلت أكنستها . ولا وجود للفظة » أدلجة » إلا في استعمال الذين يكنسون في وجوه المتدينين أي يستهزؤون بهم. والغرض من استعمال عبارة » أدلجة الدين » عند أصحاب الحساسية المفرطة من الدين يراد به وصف المتدينين بصفة « الظلامية » ،وهي صفة تطلق على عصور الظلام أي الجهل ، وعند هؤلاء يدخل العصر الإسلامي ضمن هذه العصور . وقد صارت عبارة » ظلامية » تطلق على مذهب الذين لا يستحسنون تعليم عامة الناس ، أي دعاة التجهيل . ووصف المسلمين أو الإسلاميين بالظلاميين إنما يكون من طرف غير المتدينين أو العلمانيين ،لأنهم يعتبرون مرجعيتهم أصح من مرجعية المسلمين ، ويستأثرون بصفة العلم دون غيرهم كما يخيل إليهم .
وقد يصف هؤلاء المسلمين بلفظة » متمسلمين » ويقصدون بها التشكيك في صدق إسلامهم ، وهو استعمال لغوي غير صحيح أيضا ، لأن تمسلم في اللغة العربية إذا سمي مسلما ، وهو فعل أخذ من لفظة مسلم ، تماما كما يؤخذ فعل تمسكن من لفظة مسكين، خلافا لقياس صاحب المقال المختل الذي زعم أن متمسلمين على وزن متدينين. فباعتبار معجم المقال المهيمن يبدو أنه يحيل على حقل العلمانية الحاقدة على الإسلام . ويتأكد هذا الحقد من خلال ما تضمنه المقال من اتهامات مجانية لكل من له علاقة بالإسلام من قريب أو من بعيد . ولقد أكثر صاحب المقال الخلط والخبط ،فأثار قضايا في العقيدة فوق ما يطيق وما يستطيع ، وما لا ينبغي له حيث جعل الاستدلال على وجود الله عز وجل عن طريق ما سماه المعرفة الإيمانية التي لا تحتاج في نظره إلى دليل ، في حين أن الاستدلال على وجوده بما يوجد في الواقع هو استدلال غير علمي . ولعل الرجل لا يميز بين معرفة الله عز وجل ذاتا وصفات ، علما بأن الخالق جل جلاله عرف ذاته لخلقه بآثار أفعاله ، فعرفوه من خلالها معرفة يقين وعلم ، وهو أقوى استدلال على وجوده خلاف ما زعم صاحب المقال . ويعتبر صاحب المقال أن ممارسة الإسلام عند كل الفئات التي سبقت الإشارة إليها عبارة عن ممارسة فاسدة ومنحرفة ومبالغ فيها ، وهو ما سماه الجوانب الشكلية في الدين الإسلامي من قبيل المبالغة في زخرفة المساجد التي زعم أنها تبنى بأموال غير مشروعة من طرف تجار المخدرات ، ومن قبيل اللباس الذي جعله خليجيا ، ومن قبيل غطاء الرأس الذي شبهه بقلنسوة أحبار اليهود والنصارى ، ومن قبيل اللحى الطويلة التي شبهها بلحى السيخ ، ومن قبيل مكبرات الصوت التي تستخدم لرفع الصوت بالآذان وترهب الناس ، ومن قبيل الوقوف للصلاة وكيفية وضع اليدين أثناءها .
فهذه أمور شكلية بالنسبة لصاحب المقال يعتبر التمسك بها جهلا وتخلفا وسوء فهم للدين الذي أصله في نظره الإيمان الذي هو منبع القيم النبيلة، والتي تعطي المجتمع المتطور اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا. و » أدلجة » الدين في نظره هي التشبث بما يعتبره جوانب شكلية من الدين وهو تشبث يفضي في نظره أيضا إلى الوقوع في الشرك بالله من خلال تقديس المساجد المزخرفة المبنية بالمال الحرام ومن خلال تقديس الأئمة والمؤذنين والخطباء والوعاظ والمجالس العلمية أو المجالس المخزنية كما سماها ، وكذا تقديس العباءات الخليجية والقلنسوات الشبيهة باليهودية والنصرانية ، وتقديس اللحى الشبيهة بالسيخية ، وتقديس أشكال الوقوف ووضع الأيدي في الصلاة ، وتقديس الآذان عبر مكبرات الأصوات، وهو عمل إرهابي في نظر صاحب المقال لأنه يقلق راحة الذين لا تعنيهم الصلاة في شيء . وتنكشف عقدة صاحب المقال عندما يذكر الربيع العربي الذي أوصل أصحاب التوجهات » المؤدلجة للدين » إلى مراكز صنع القرار حيث خرجت المظاهرات من المساجد في البلاد العربية باستثناء المغرب لأن المساجد فيه تتحكم فيها المؤسسات المخزنية ،ويقصد بها المجالس العلمية على حد زعم صاحب المقال . فهذا القول يحيل على العقدة المكبوتة في لا شعور صاحب المقال الذي لم يستسغ وصول الإسلاميين إلى مراكز صنع القرار بعد الربيع العربي الذي أطاح بالأنظمة الفاسدة. وهذه مقولة كل العلمانيين الذين كانوا يتمنون أن تكون ثمرة الربيع العربي لصالحهم ،لأنهم هم المتنورون الذين تشع منهم الأنوار بينما غيرهم تصدر عنه الظلمات . وأخيرا يصدر صاحب المقال حكمه الذي لا يقبل استئنافا بأن شكليات الصلاة لا علاقة لها بالإيمان ، ولا يمكن أن تفضي إلى القيم النبيلة التي تحقق تطور المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، والتي لن تكون حسب هوى صاحب المقال سوى القيم العلمانية التي لا تعنيها الجوانب الشكلية في الدين ، والتي يعتبر أصحابها أكثر فهما من غيرهم لهذا الدين .، كما أثبت صاحب المقال ذلك بحججه الدامغة في اعتقاده ، والذي خلط وخبط بين مختلف فنون الكلام دون أن يقول شيئا تماما كما يفعل الذي يحدث ويخلط كما يقول العامة واستسمح القراء الكرام على هذا التشبيه . ولعله لا يعي أنه ربما كان ضحية جهل مركب كما يوحي بذلك مقاله عند تدقيق النظر .
Aucun commentaire