يَوْمُ اَلْقُرْآنِ بالسويد …
* د. عبد القادر بطار
بِدعوةٍ كَريمةٍ مِنْ أَخِي وَصَدِيقِي مُولايْ عَبْد الله يَعيش، رَئِيسِ الْمَرْكَزِ الثقَافِي الإِسْلاَمِي الْمَغْرِبِي فِي اسْتُوكْهُولْمْ، عَاصِمَةِ مَمْلَكَةِ السويد، شَارَكْتُ بِحَمْدِ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ فِي فَعالِياتِ اَلْمِهَرَجَانِ اَلْقُرْآنِي اَلثانِي اَلذِي اَحْتَضَنَتْهُ قَاعَةُ الإِمَامِ مَالِكٍ بِذَاتِ اَلْمَرْكَزِ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ 14 رَمَضَانَ الأَبْرَكِ 1433هـ موافق 2 غشت 2012 م وَقَدْ سَعِدِتُ فِي هَذِهِ الرحْلَةْ الْعِلْمِيةِ الْقُرْآنِيةِ الْمُبَارَكَةِ بِرُفْقَةِ الأَخِ الْعَزِيزِ الحَاج مُحَمد الْبَالِي، أَحَدَ الْفَاعِلِينَ الدينيينَ بِمَدِينَةِ إِسنْ بألْمَانْيَا، كَمَا سَعِدْتُ أَيمَا سَعَادةٍ بِالتوَاصُلِ مَعَ إِخْوَةٍ أَعْتَز بِصَدَاقَتِهِمْ فِي مَمْلَكَةِ اَلسوَيْدْ، وَهُمْ كُثْرٌ يَصْعُبُ تِعْدَادُهُمْ، وَتِعْدَادُ فَضَائِلِهِمْ، وَمَا يَقُومُونَ بِهِ مِنْ جُهُودٍ طَيبَةٍ فِي سَبِيلِ التعْرِيفِ باِلْإِسْلاَمِ وَمَكَارِمِهِ السمْحَةِ فِي هَذِهِ اَلْبِلاَدِ مِنْ أَرْضِ اللهِ الْوَاسِعَةِ.
يَأْتِي هَذَا الْيَوْمُ القُرْآنِي المُبَارَكُ فِي هَذَا الشهْرِ الْفَضِيلِ الذِي يُنَظمُهُ اَلْمَرْكَزُ الثقَافِي الإِسْلاَمِي اَلْمَغْرِبِي فِي استوكهولم كُل سَنَةٍ كَاقْتِرَاحٍ مِنا عَلَى الإِخْوَةِ أَعْضَاءِ اَلْمَرْكَزِ خِلاَلَ السنَةِ اَلْمَاضيَةِ، حَيْثُ سَارَعُوا جَزَاهُمُ اللهُ خَيْراً إِلَى تَبَنيهِ وَتَهْيِئ ظُرُوفِ نَجَاحِهِ، كَمَا تَلَقى رُوادُ اَلْمَرْكَزِ مِنْ أَفْرَادِ الجَالِياتِ اَلْمُسْلِمَةِ اَلْمُقِيمَةِ بِالسويْدِ، وَفِي مُقَدمَتِهِمْ أَفْرَادُ اَلْجَالِيةِ اَلْمَغْرِبِيةِ اَلْمُقِيمَةِ بِهَذِهِ الْمِنْطَقَةِ هَذَا النشَاطَ الدينِيَ الْمُتَمَيزَ بِقَبُولٍ حَسَنٍ، وَإِقْبَالٍ كَبِيرٍ.
وَقَدْ أَسْهَمَ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ الْقُرْآنِي عَدَدٌ مُهمٌ مِنَ اَلْقُراءِ وَالأَسَاتِذَةِ وَالْبَاحِثِينَ بِالْمَرَاكِزِ الإِسْلاَمِيةِ الْمَوْجُودَةِ فِي استوكهولم، فَضْلاً عَنِ الْقُراءِ الْمَغَارِبَةِ الذِينَ يَفِدُونَ عَلَى هَذِهِ الْمَرَاكِزِ مِنْ أَجْلِ التأْطِيرِ الدينِي لِمَغَارِبَةِ اَلْعَالَمِ خِلاَلَ شَهْرِ رَمَضَانَ الأَبْرَكِ.
بَعْدَ كَلِمَةِ الِافْتِتَاحِ التِي أَلْقَاهَا الْأَخُ اَلْفَاضِلُ، وَالصدِيقُ اَلْعَزِيزُ السيدُ عُبْدُ اللهِ يَعِيشْ، رَئِيسُ اَلمَرْكَزِ الثقَافِي الإِسْلاَمِي الْمَغْرِبِي فِي اسْتُوكْهُولْمْ تَعَاقَبَ عَلَى الْمِنَصةِ اَلْقُراءُ الأَجِلاءُ مِنْ أَجْلِ تِلاَوَةِ آيَاتٍ بَينَاتٍ مِنَ الذكِرِ اَلْحَكِيمِ، حَيْثُ أبْدَعَ هَؤُلاَءِ الْأَفَاضِلُ فِي تِلاَوَاتِهِمْ التِي كَانَتْ فِي غَايَةِ الروْعَةِ وَالْجَمَالِ مَعَ التأْثِيرِ الْحَاصِلِ فِي نُفُوسِ اَلْحَاضِرِينَ، لِمَا تَتَمَيزُ بِهِ مِنْ ضَبْطٍ وَإِتْقَانٍ وَتَفَننٍ فِي الأَدَاءِ، إِثْرَ ذَلكَ نَظمْنَا وَرْشَتَيْنِ لِتَصْحِيحِ التلاَوَةِ، تَحْمِلُ الأُولَى مِنْهُمَا اِسْمَ الْإِمَامِ وَرْشٍ، وَالثانِيةُ اِسْمَ الْإِمَامِ حَفْصٍ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى.
وَبِطَلَبِ مِنَ الإخْوَةِ فِي الْمَرْكَزِ الثقَافِي الْإِسْلاَمِي اَلْمَغْرِبِي فِي استوكهلم وَإِلْحَاحِهِمْ أَلْقَيْتُ مُحَاضَرَةً مُتَوَاضِعَةً بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ الدينِيةِ اَلْعَظِيمَةِ، تَنَاوَلْتُ فِيهَا بِالدرْسِ وَالتحْلِيلِ تَارِيخَ اَلْقُرآنِ الْكَرِيمِ، مِنْ حَيْثُ تَدْوِينُهُ وَمَوْضُوعَاتُهُ وَتَأْثِيرُهُ فِي اَلْحَياةِ الدينِيةِ الْإِسْلاَمِيةِ، لِكَوْنِ اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ كَمَا يَعْلَمُ أُولُوا الألَبْاَبِ هُوَ مِحْوَرُ اَلْحَيَاةِ اَلإِسْلاَمِيةِ كُلهَا، فَفِي أَحْضَانِهِ نَشَأَتِ اَلْعلُوُمُ، وَازْدَهَرَتِ اَلْحَضَارَاتُ اَلْإِنْسَانِيةُ، وَتَحَققَ التعَارُفُ اَلْكَوْنِي … كَمَا وَقَفْتُ عِنْدَ إِشَارَاتٍ وَتَنْبِيهَاتٍ تُهِم جَوَانِبَ مِنْ إِعْجَازِ اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ …
إن هَذَا الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ الذِي نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَحَفِظَهُ الْأَمَازِيغُ، وَفَسرَهُ اَلْفُرْسُ، وَأَبْهَرَ اَلْجِن وَالإِنْسَ سَيَظَل مُعْجِزَةَ الْإِسْلاَمِ اَلْخَالِدَةَ. وَإِن مِنْ حَق اَلْمُسْلِمِينَ اَلْيَوْمَ أَنْ يَحْتَفِلُوا بِالْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ، وَأنْ يُبَاهُوا الْعَالَمَ بِذَلِكَ، لأِنهُمْ وَحْدَهُمْ الذِينَ يَمْلِكُونَ كِتَاباً كَرِيماً عَظِيماً عَزِيزاً وَصَلَ إِلَى الْبَشَريةِ مِنْ أَقْوَى الطرُقِ وَأَوْثَقِهَا، يَحْفَظُهُ اَلْقُراءُ بِالسنَدِ اَلْمُتصِلِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ وَمِنْهُ إِلَى مَصْدَرِهِ رَب الْعَالَمِينَ.
وَقَدْ وَقَفْتُ بِشَيءٍ مِنَ الْبَيَانِ عِنْدَ مَفْهُومِ اَلْقِرَاءَةِ وَالروَايَةِ وَالطرِيقَةِ وَشُرُوطِ الْقِرَاءَةِ الصحِيحَةِ، كَمَا أَوْضَحَهَا الإِمَامُ ابْنُ الْجَزَرِي رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ « مُنْجِدُ اَلْمُقْرِئِينَ » وَقَبْلَهُ « النشْرُ فِي اَلْقِرَاءَاتِ اَلِعَشْرِ ».
وَنَظراً لِأَهَميةِ هَذَا الْيَوْمِ اَلْقُرْآنِي الذِي أَضْحَ سُنةً مُتبَعَةً فِي الْمَرْكَزِ الثقَافِي الْإِسْلاَمِي اَلْمَغْرِبِي فِي استوكهولم فَقَدْ عَمِلَ الْإِخْوَةُ الْأَفَاضِلُ فِي هَذَا الْمَرْكَزِ عَلَى نَقْلِ هَذِهِ التجْرِبَةِ التِي شَاءَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ تَدْخُلَ سَنَتَهَا الثانِيةَ هَذَا الْعَامِ إِلَى مَرَاكِزَ مَغْرِبِيةٍ أُخْرَى فِي استوكهولم، مِنْهَا الْمَرْكَزُ الثقَافِي الْإِسْلاَمِي الذِي يَشْرُفُ عَلَيْهِ أَخُونَا الْفَاَضِلُ الْفَاسِي، جَمَالٌ لَمْرِينِي، وَفقَهُ اللهُ لِماَ فِيهِ خَيْرُ لِلإِسْلاَمِ وَالْمُسْلِمِينَ.
وَبِفَضْلِ اللهِ عَز وَجَل، وَمَنهِ وَكَرَمِهِ، عَمِلْنَا بِمَعِيةِ بَعْضِ الْإِخْوَةِ الْغَيُورِينَ عَلَى كِتَابِ اللهِ عَز وَجَل، عَلَى نَقْلِ هَذِهِ التجْرِبَةِ إِلَى بَعْضِ الْمَرَاكِزِ الْإِسْلاَمِيةِ بِأَلْمَانْيَا، حَيْثُ سَيَكُونُ لَنَا يَوْمَهُ السبْت 23 رَمَضَانَ الأْبْرَك 1433 هـ موافق 10 غُشْتْ 2012 مَوْعِدٌ مَعَ يَوْمِ اَلْقُرْآنِ بِمَسْجِدِ اَلْمُوَحدِينَ بِمَدِينَةِ إِسنْ بِمِنْطَقَةِ دُوسْلْدُورْفْ بِأَلْمَانْيَا.
وَهَذَا النشَاطُ الْقُرْآنِي سَيُؤَطرُهُ ثُلةٌ مِنْ الْقُراءِ وَالْأَئِمةِ جُلهُمْ مِنْ خَريجِي مَعْهَدِ اَلْبَعْثِ الْإِسْلاَمِي لِلْعُلُومِ الشرْعِيةِ بِمَدِينَةِ وَجْدَةَ. وَهِذِهِ مُنَاسَبَةٌ نَسْتَحْضِرُ فِيهَا جُهُودَ أُسْتَاذِنَا الْعَلامَةُ فَضِيلَةُ الدكتور مُصْطَفَى بَنْ حَمْزَة حَفِظَهُ اللهُ، الذِي نَذَرَ حَيَاتَهُ لِخِدْمَةِ كِتَابِ اللهِ عَز وَجَل، وَقَدْ أَثْمَرَتْ تِلْكَ الْجُهُودُ الطيبَةُ التِي يَقُومُ بِهَا جَزَاهُ اللهُ خَيْراً، شُيُوخاً أَجِلاءَ فُضَلاَءَ يَتَمَيزُونَ بِالتمَكُنِ فِي الْعُلُومِ الشرْعِيةِ، وَالصدْقِ فِي الْعَمَلِ، وَالْحِكْمَةِ فِي التبْلِيغِ، والْإِخْلاَصِ فِي الْقَوْلِ، فَكَانُوا بِذَلِكَ خَيْراً عَلَى الْجَاليَاتِ الْمُسْلِمَةِ الْمُقِيمَةِ فِي أُورُوبَا، وَعَلَى أُمتِهِمْ وَوَطَنِهِمُ اَلْغَالِي بِشَكْلٍ خَاصٍ.
إِننَا نُؤْمِنُ إِيمَاناً رَاسِخاً أَن سَعَادَةَ أُمتِنَا الإِسْلاَمِيةِ، وَأَمْنَهَا الروحِي وَسُؤَالَهَا الْوُجُودِي وَالأَخْلاَقِي لاَ يُمْكِنُ أَن يَتَحَققَ خَارِجَ فَضَاءِ كِتَابِ اللهِ عَز وَجَل. كَمَا نُؤْمِنُ إِيمَاناً قَوِياً وَرَاسِخاً أَن رَبْطَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ دَعَامَةٌ قَويةٌ فِي اَلْحِفَاظِ عَلَى هُويتِهِمُ الدينِيةِ وَالْوَطَنِيةِ.
وَقَدْ اِقْتَرَحْتُ عَلَى الْإِخْوَةِ فِي الْمَرْكَزِ الثقَافِي الْإِسْلاَمِي اَلْمَغْرِبِي فِي استوكهولم تَخْصِيصَ الْمُلْتَقَى الثالِثِ لِيَوْمِ الْقُرْآنِ خِلالَ السنَةِ الْمُقْبِلَةِ لِلْحَدِيثِ عَنِ الْإِعْجَازِ الْعِلْمِي فِي الْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ، يُدْعَى لَهُ بَعْضُ كِبَارِ الْبَاحِثِينَ وَالْمُتَخَصصينَ، لِيَكْشِفُوا عَما يَنْطَوِي عَلَيهِ كِتَابُ اللهِ الْعَزِيزِ مِنْ حَقَائِقَ عِلْمِيةٍ كَوْنِيةٍ صَادِقَةٍ، وَبَرَاهِينَ عَقْلِيةٍ سَاطِعَةٍ.
نَسْأَلُ اللهَ الْعَلِيَ الْقَدِيرَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ خُدامِ كِتَابِهِ، وَمِنْ مُقْتَفِي سُنةِ نَبِيهِ مُحَمدٍ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصلاَةِ وَأَزْكَى التسْلِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَب الْعَالَمِينَ.
د. عبد القادر بطار، دكتوراه الدولة في الفكر الإسلامي والعقيدة، خريج دار الحديث الحسنية، أستاذ العقيدة والمذاهب الكلامية بجامعة محمد الأول بوجدة.
Aucun commentaire