Home»National»مخادعة الله عز وجل والذين آمنوا خداع المخادعين لأنفسهم دون شعور منهم

مخادعة الله عز وجل والذين آمنوا خداع المخادعين لأنفسهم دون شعور منهم

0
Shares
PinterestGoogle+

مخادعة الله عز وجل  والذين آمنوا خداع المخادعين لأنفسهم دون شعور منهم

 

محمد شركي

 

من المعلوم أن التدين وتحديدا في دين الإسلام أبعد ما يكون عن الغش والخداع ، ذلك أنه قد تحوم الشكوك حول كل شيء إلا التدين، لأنه عبارة عن علاقة مباشرة مع الخالق سبحانه الذي لا تخفى عليه خافية ، وهو يعلم السر وأخفى ، ويعلم  خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، علما بأن الصدور هي الصناديق السوداء بلغة عالم الطيران التي تخفي أسرار التدين . ولقد دأب الناس على عدم الشك أو التشكيك في تدين بعضهم البعض ليقينهم بأن الناس قد يكذبون ويخادعون في كل شيء إلا في تدينهم لعلمهم  بأن سره عند خالقهم سبحانه . وبالرغم من هذه القناعة الراسخة  لدى الناس جميعا  يوجد نوع من البشر يرتزق بالتدين من أجل مخادعة الناس . وهذا النوع من البشر يفقد كل قيم أخلاقية ما دام قد جعل قضية تدينه وسيلة ارتزاق يطلب بها عرض الدنيا الزائل . وفي سياق الحديث عن فئة المنافقين  الذين كانوا يرتزقون بتدينهم من خلال إظهاره للناس ، وإخفاء ما يناقضه ، ذكر الله عز وجل  المخادعة والخداع فقال جل من قائل : ((  ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله و الذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا )).  فكثير من الناس  الذين يظهرون التدين لأغراض دنيوية ليس غير ينسحب عليهم هذا الوصف ، لأن الذي يؤمن حقا بالله تعالى وباليوم الاخر وهو يوم المساءلة والحساب  يكون تدينه صحيحا بحيث يصدر في كل أعماله عن هذه القناعة الراسخة ، ولا يعنيه البشر بقدر ما يعنيه رب البشر لعلمه أن مخادعة البشر ممكنة  وسهلة ، بينما مخادعة الله عز وجل مستحيلة. والذين يخادعون الله عز وجل من خلال  الانتساب إلى دينه ، ويخادعون المؤمنين من خلال إظهار التدين المغشوش  إنما يخدعون أنفسهم دون شعور منهم بسبب مرض قلوبهم الذي  زاده الله عز وجل مرضا . أما المرض الأول فهو مرض النفاق  الذي يفضي إلى  مخادعة الله والمؤمنين ، وأما المرض الثاني فهو عدم الشعور بهذا المرض ، وهو ما يمكن تسميته بالمرض المركب على غرار الجهل المركب ، ذلك أن الجاهل الجهل المركب  يجهل و في نفس الوقت يجهل أنه جاهل ، تماما كما أن المريض مرضا مركبا ، مريض ، وفي نفس الوقت لا يشعر بمرضه. وعندما يذكر هذا النوع من البشر قد يفكر كثير من الناس في نماذج المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط ، وكأن ظاهرة النفاق قاصرة على منافقي عصر النبوة ، والحقيقة أن كل من يرتزق بتدينه يدخل ضمن دائرة النفاق ما دام النفاق هو إبطان عكس  ما في الظاهر. فمن الناس من يرغب في إصابة الدنيا بشكل من الأشكال  عن طريق بيع أو تجارة أو وظيفة  أو غيرها، وهو لا يملك الأسباب التي تمكنه من غايته وهدفه فليجأ إلى التدين المغشوش ، ويبدي للناس  ما ليس فيه من ورع وتقوى ، ويتظاهر بالصلاح وهو في حقيقة أمره  مجرد طالب غرض من أغراض الدنيا لم يستطع الوصول إليه عبر أسبابه المشروعة . وقد ينخرط هذا النوع  من البشر في تجمعات  دينية  لا ترضى  بمستوى التدين الذي يرضى به عامة الناس من المؤمنين ، فتحاول التظاهر بتدين فوق العادة ، وتحيط تدينها بهالة من القدسية ، وتحرص على أن تظهر للناس هذه القدسية من خلال طقوس ، وممارسات  من أجل إقناعهم  بأنها ذات قدم راسخة في التدين . وقد يصل الأمر ببعض  هذه التجمعات حد التجاسر على فرض الوصاية على التدين بحيث لا يعتبر متدينا حقا إلا من  أخذ بطقوسها وإلا كان من الضالين . ومثل هذه التجمعات التي تبالغ في مظاهر تدين  ما فوق العادة هي البيئات المناسبة للمخادعين الذي يخادعون الله ورسوله  حيث ينخرطون فيها  بنوايا مبيتة  من أجل تحقيق مصالحهم الدنيوية المكشوفة والتافهة ، وهم يحسبون عليها ،لأنها تمرر طقوسها عبرهم . ومن خلال انكشاف  وافتضاح أمر هؤلاء المخادعين  تتهافت طقوس هذه التجمعات المتظاهرة بتدين ما فوق العادة. فكم من تجمعات تنتسب لما يسمى التصوف أو شبه التصوف ، علما بأن التصوف كما قال الشيخ متولي شعراوي رحمه الله  من المصافاة  والصفاء وليس من لبس الصوف  ، والمصافاة والصفاء نقيض التدين المغشوش  يخترقها  أصحاب المصالح الذين يطلبون بالانتماء إليها عرض الدنيا الزائل ، ويبالغون في تسويق طقوسها  ، ويتظاهرون بأنهم من أصحاب الأقدام الراسخة فيها ، وأنهم   فوق مراتب مريديها بأشواط بعيدة ، وقد يصلون إلى منازل الزلفى من شيوخها وحقيقة أمرهم أنهم مجرد مندسين  خططوا من أجل الوصول إلى مصالحهم  فوجدوا ضالتهم في  تجمعات التصوف  سواء كانت  تجمعات صادقة أم مدعية  ، واتخذوها مراكب ذلولة  من أجل الوصول إلى ما أرادوا الوصول إليه  . ولما كانت لهؤلاء الوصوليين مصالح دنيوية مكشوفة  فإنها لا تخفى على الناس  عندما تخالط مجال التدين الذي  لا يناسبها ، فسرعان من ينكشف أمر المرتزقين بالتدين  ، وينتبه الناس إلى خداعهم وهم يخدعون أنفسهم دون شعور منهم كما قضى الله عز وجل  في محكم التنزيل . ولا يقتصر الارتزاق بالتدين على المنتميين إلى  تجمعات  تدين ما فوق العادة ، بل  هنالك مرتزقة كثر  من نوع آخر . فقد  ينتسب بعض الناس  إلى بيوت الله عز وجل إمامة أو آذانا أو وعظا أو إرشادا أو خطابة  ، أو حتى نظافة وسدانة ، وليس  بينهم وبين هذه المهام في بيوت الله عز وجل إلا الخير والإحسان  كما يقول المثل العامي  ، وكل همهم هو عرض الدنيا  الذي لم يطلبوه من طرقه المعروفة والمشروعة ، وطلبوه عن طريق ركوب التدين المغشوش . وتوجد أيضا مؤسسات تشرف على الشأن الديني  تسرب إليها  كثير من المرتزقة بالتدين  من أجل مصالحهم الدنيوية متخذين خدمة الدين  مطية للتمويه على هذه المصالح المكشوفة . وسرعان ما يفتضح أمر هؤلاء لأن   واقع حالهم الذي تحكمه المصالح المكشوفة   ينطق بتدينهم المغشوش . ولا  تفوت مثل هؤلاء فرصة من فرص التظاهر بالتدين إلا ويستغلونها  أبشع استغلال . ولما كان  مرض هؤلاء مركبا ، فإنهم من كثرة مخادعتهم لغيرهم بتدينهم المغشوش   يخدعون أنفسهم  وتتكون لديهم قناعات مكذوبة بأنهم أهل تدين صحيح بالفعل ، وكأنهم يتناسون  أنهم إنما تسلطوا على المؤسسات المشرفة على الشأن الديني  وتسربوا إليها  من أجل الوصول إلى أهدافهم  وغاياتهم ومن أجل تحقيق  مصالحهم الدنيوية الخاصة . فبعض هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر يفضحهم شد الرحال إلى الديار الغربية في أوروبا  وأمريكا  كل رمضان بدعوى السفر من أجل الوعظ والإرشاد  ، والحقيقة أنهم إنما يرتزقون بالوعظ والإرشاد من أجل جمع زبالة المال المدنس في الديار الغربية . ولما كان هؤلاء لا يشعرون بالمرض الذي أصابهم لأن انعدام الشعور عندهم عقاب من الله عز وجل ،فإنهم يعودون بالسحت في جيوبهم وهم يموهون عليه بالحديث عن الأجواء الروحية الرمضانية في الدول الغربية ، ويبشرون الناس بأن الإسلام بخير  هناك ،  لأنهم كانوا هم سفراء الإسلام السفرة الكرام البررة . ومن نماذج  الارتزاق بالتدين أيضا  جيوش من الموظفين في مختلف  القطاعات العمومية  الذين  يتسترون وراء التدين المغشوش  من أجل  تحصيل مرتبات في آخر الشهر  وهم في الحقيقة  لا يستحقون منها  إلا  النزر اليسير باعتبار ما يقدمونه مقابلها من خدمة . فكم من هؤلاء لا شغل لهم في شهر الصيام سوى معانقة المصاحف  و المسبحات في مكاتبهم ، والهرولة إلى أقرب المساجد  قبل حلول مواعيد الصلوات فرارا من القيام بالواجب  في وظائفهم.  وهم يقرؤون القرآن  ولكنه لا يجاوز حناجرهم ، ويعبثون بالمسبحات ، ويرقصون شفاههم على وقع  عبثهم بها  وهم يحرصون كل الحرص على إظهار تدينهم المغشوش المخادع للناس والمموه على حقيقة ارتزاقهم بالتدين . فما أكثر من يخيل إليه أنه يخادع الله عز وجل والمؤمنين ، وهو في حقيقة أمره إنما يخدع نفسه  ، والمؤسف أنه لا يشعر بخداع نفسه ، لأن الله عز وجل  عاقبه  بذلك على مخادعته له وللمؤمنين  وفضحه في العاجل قبل فضيحة الآجل.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. mouwatin
    23/07/2012 at 17:37

    trés bon texte qui dit la réalité COntunuer mérci

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *