محاولة تشويه الأحزاب المحسوبة على التيارات الإسلامية والفائزة في الانتخابات بين مؤامرة خارجية وتصفية حسابات داخلية
محاولة تشويه الأحزاب المحسوبة على التيارات الإسلامية والفائزة في الانتخابات بين مؤامرة خارجية وتصفية حسابات داخلية
محمد شركي
لا يستطيع أحد أن ينكر قلق قوى خارجية كانت مستفيدة من استشراء الفساد السياسي في البلاد العربية إبان اندلاع الثورات العربية التي أسقطت أنظمة كانت تقدم أكبر خدمة لهذه القوى الخارجية ، كما أنه لا يستطيع أحد أن ينكر أن قوى داخلية في الوطن العربي لها حسابات مع الأحزاب المحسوبة على التيارات الإسلامية بسبب اختلاف الرؤى والتصورات والمرجعيات ، وأن هذه القوى الداخلية سنحت لها الفرصة لتصفية هذه الحسابات مع هذه الأحزاب .
وأمام الثورات العربية الضاغطة لم يكن بد من قبول القوى الخارجية والداخلية على حد سواء للمسلسلات الانتخابية التي جاءت بنتائج مخيبة لآمال القوى الخارجية التي فقدت الأنظمة الفاسدة الصديقة ، و التي كانت تخدم مصالحها بكل تفان ، وكذا لآمال القوى الداخلية التي كانت تتعامل مع الأنظمة الفاسدة ، ولا ترى بأسا في ذلك ، وكانت في نفس الوقت تحلم بالفوز في الانتخابات لتحل محل الأنظمة الفاسدة المنهارة .
ولم تمهل الأحزاب المحسوبة على التيارات الإسلامية للحكم على خوضها تجربة الحكم وتدبير الشأن العام ، بل سارعت القوى الخارجية إلى ترويج التخويف من قناعاتها ، في حين سارعت القوى الداخلية للتشكيك في نواياها وفي قدراتها وكفاءاتها .
فحصول الإسلاميين في مصر على نصيب الأسد في الانتخابات التشريعية ، وهو ما يرشحهم لحكم البلاد أفزع الفزع الشديد القوى الخارجية بسبب جوار مصر مع الكيان الصهيوني الذي كان النظام المصري النافق يوفر له الأمن والسلام الكبيرين باعتبار الجبهة المصرية أخطر جبهة على الكيان الصهيوني . فالقوى الخارجية تتوجس من حكومة إسلامية في مصر من شأنها أن تتنكر لمعاهدة كامب دافيد ، وتحرم الكيان الصهيوني من الأمن والسلام المجانيين على الجبهة المصرية . وضباط المجلس العسكري أصابهم الرعب بسبب فوز الإسلاميين ، لأن ذلك سيفضح تآمرهم مع القوى الخارجية التي تخصص لهم ريعا مقابل أمن وسلام الكيان الصهيوني . واشتدت نقمة القوى الداخلية المعروفة بالقوى الليبرالية على الإسلاميين ، وصاروا يسوقون للتهم ضدهم منها تهم مصدرها القوى الخارجية ، وتهم من صنع داخلي . وهذه القوى الليبرالية التي تعايشت مع النظام النافق ولم تبد من قبل رفضها له ،حاولت اليوم ركوب ثورة الشعب المصري لتصل إلى سدة الحكم ، وتخلف النظام الزائل . وهي تحاول كذلك أن تظهر المرونة للقوى الخارجية نكاية في الإسلاميين . والقوى الخارجية تنشط بشكل كبير في مصر من أجل أن تحافظ على مصالحها من خلال تمكين من يقوم بالدور الذي تريده من حكم مصر، الشيء الذي يعني وجود مؤامرة خارجية مكشوفة من أجل التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية التي من شأنها أن تكرس الحكم في المؤسسة العسكرية ، وهو ما يعني السطو على الثورة الشعبية في مصر .
وفي المغرب حاولت القوى الخارجية التظاهر بقبول وصول الإسلاميين إلى مراكز القرار مع وجود نوع من التحفظ عليهم ، مع أن الإسلاميين في المغرب حاولوا طمأنة القوى الخارجية والداخلية على حد سواء للتقليل من مخاوفها من خلال تجنب التغييرات الراديكالية . أما القوى الداخلية التي كانت تدير شؤون البلاد إدارة حكم عليها الشعب بالفساد ، فإنها تجندت لتصفية حساباتها مع الحزب الإسلامي الفائز في الانتخابات التشريعية ، والذي وصل إلى حكم البلاد. ومقابل تظاهر القوى الخارجية بقبول الحكومة الإسلامية في المغرب والتعايش معها ،تصر القوى الداخلية المحسوبة على اليسار وعلى نوع من اليمين المصنوع صناعة لغرض منع وصول الإسلاميين على خلق مشاكل لهذه الحكومة من خلال أساليب تحريك الشارع للتعبير عن رفض كل ما يصدر عن هذه الحكومة . وقد وجدت هذه القوى الداخلية ذرائع شتى للتعبير عن رفضها لوصول حزب إسلامي إلى سدة الحكم بدءا بمشكلة انتحار زوجة قاصرة إلى مشكلة الزيادة في أسعار الوقود ، و ما بين ذلك من استفزازات مختلفة . وأصرت هذه القوى الداخلية على إحراج الحزب الإسلامي الحاكم في كل المحطات والمجالات من خلال تنظيم التظاهرات والمهرجانات المسيئة للمشاعر الدينية في المغرب . وينتظر أن تتصاعد وتيرة خلق المتاعب للحزب الإسلامي الحاكم من طرف القوى الداخلية خصوصا اليسارية لغرض تصفية الحساب معه .
أما في تونس فلا زال بركان الصراع بين التيار الإسلامي الفائز في الانتخابات الأولية ، والتيار العلماني الخاسر في حالة فوران ما قبل مرحلة الانفجار وإلقاء الحمم الحارقة . ومعلوم أن القوى الخارجية تتوجس من حكم الإسلاميين في تونس ، ولكنها لا تظهر نفس القلق منهم كما تظهره من إسلاميي مصر ، ومع ذلك فعينها على الأوضاع في تونس خصوصا بعد ظهور ما يسمى السلفية التي صارت فزاعة القوى العلمانية الداخلية ، وهي بدورها تخوف القوى الخارجية منها .
أما في اليمن فالقوى الخارجية متورطة في التدخل في شؤونه بذريعة محاربة الإرهاب . فالوضع في اليمن سهل على القوى الخارجية استغلال ذريعة محاربة الإرهاب حيث توجد جماعات مسلحة كانت لها حاسبات سابقة مع النظام اليمني الذي تم تغيير قيادته دون تغيير هياكله . والقوى الداخلية في اليمن وهي قوى النظام السابق تحاول إجهاض الثورة اليمنية من خلال الترويج والتسويق لفزاعة تنظيم القاعدة الذي صار يطلق على كل تنظيم إسلامي . وفي اليمن يوجد تطابق في وجهات النظر بين القوى الخارجية والقوى الداخلية فيما يخص وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم .
أما في سوريا فقد اضطرت القوى الخارجية للتظاهر بالوقوف مع الشعب السوري ضد النظام المرفوض بسبب ثورة الشعب ضده ، مع أن هذا النظام كان قبل الثورة السورية يحظى بتقدير هذه القوى الخارجية التي كانت تستقبل قيادته بالبسط الحمراء . ومشكلة القوى الخارجية هو التوجس من وصول الإسلاميين في سوريا إلى سدة الحكم ، وهذا ما يجعل هذه القوى تتردد في مساندة الشعب السوري في ثورته خوفا على وقوع الكيان الصهيوني بين فكي حكومتين إسلاميتين مصرية وسورية من شأنهما تغيير الوضع المستتب لهذا الكيان منذ عقود . أما القوى الداخلية في سوريا فهي في الحقيقة قوى طائفية تستعين بالطائفية في المنطقة في لبنان والعراق وإيران ، وهي طائفية لها مصالح مكشوفة . وإلى جانب القوى الداخلية والإقليمية توجد قوى خارجية ذات مصالح تتمثل في روسيا والصين وهما نظامان لا يتعطفان مع الشعب السوري كما تدعي ذلك قوى خارجية أخرى .
أما في ليبيا فقد اختلط فيها الحابل بالنابل، لأن القوى الخارجية بتدخلها العسكري خلطت كل الأوراق ، ونفخت في كل النعرات الطائفية من أجل قطع الطريق عن وصول حكومة إسلامية إلى سدة الحكم بعدما كشف النقاب عن وجود قوى إسلامية وازنة في ليبيا على إثر سقوط النظام الفاسد ، و التي كان لها الدور الكبير في الصراع المسلح ضد مرتزقة النظام النافق .
ولا تغفل عين القوى الخارجية عن الإسلاميين في كل البلاد العربية والإسلامية ، وهي على صلة وثيقة بكل قوى داخلية أو إقليمية معادية لهم من أجل سد الطريق عن وصولهم إلى سدة الحكم . وأكبر مؤامرة تواجه بها القوى الخارجية الإسلاميين هي النفخ في النعرات الدينية والقومية من أجل منع نجاح أية تجربة إسلامية سياسة ممكنة . والأيام المقبلة ستكشف عن هذه المؤامرة بشكل جلي .
Aucun commentaire