على الحكومات المحسوبة على الإسلام ألا تستجيب لأي نوع من أنواع الضغط أو الابتزاز مهما كان مصدره حفاظا على مصداقيتها مع الشعوب المراهنة عليها
على الحكومات المحسوبة على الإسلام ألا تستجيب لأي نوع من أنواع الضغط أو الابتزاز مهما كان مصدره حفاظا على مصداقيتها مع الشعوب المراهنة عليها
محمد شركي
من المعلوم أن تجربة حكومات محسوبة على أحزاب إسلامية في الوطن العربي بعد الربيع العربي واجهت منذ الوهلة الأولى كل أنواع التشكيك والتخويف الذي انطلق من العواصم الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي كانت توفر الحماية للأنظمة الفاسدة سواء الزائل منها أو الذي لا زال متشبثا بالحكم، و المتحايل على الربيع العربي بشكل أو بآخر من أجل البقاء . فالغرب صدم صدمة كبرى بمفاجأة سقوط وتداعي أنظمة عربية فاسدة كانت تلبي كل رغباته وعلى رأسها السكوت عن دعمه اللامحدود للكيان الصهيوني المدلل . وكان من المتوقع أن يقلق هذا الغرب لفقدانه أنظمة عربية فاسدة كانت تخدم وتحمي مصالحه في الوطن العربي. ومن أجل تجاوز الصدمة المفاجئة حاول الغرب التظاهر بوقوفه إلى صف الشعوب العربية المنتفضة ضد أنظمتها الفاسدة صديقة الغرب ، وتحولت سياسته في الوطن العربي 180 درجة كما يقال ،حيث تنكر للأنظمة الفاسدة تنكر الشيطان لحزبه يوم القيامة ،وهي أنظمة كانت على رأس قائمة الأنظمة التي كان الغرب يفخر ويعتز بصداقتها . ولما كانت أخلاق الغرب كما عبر عنها الرئيس الأمريكي الدموي السابق بوش بدقة لا تقوم على صداقات دائمة ولا على عداوت دائمة ، وإنما على مصالح دائمة ، فقد اقتضت مصالحه الدائمة القبول مضطرا بتداعيات الربيع العربي ، ومنها وصول الأحزاب المحسوبة على الإسلام إلى مراكز صنع القرار ، وهي أحزاب كانت تحت المراقبة الدائمة للمخابرات الغربية ومخابرات الأنظمة العربية الفاسدة على حد سواء وكانت فكرة وصولها إلى سدة الحكم في حكم الطابو المحرم . وحين كان الغرب يسوق لحربه ضد ما يسميه الإرهاب كانت العديد من الأحزاب المحسوبة على الإسلام في حكم المشتبه بعلاقتها بهذا الإرهاب. ولا زلنا نتذكر كيف حاولت أحزاب علمانية في بعض الدول العربية ، و كانت في مراكز القرار يومئذ جاهدة لتوريط أحزاب محسوبة على الإسلام في تهم العلاقة بما سمي الإرهاب تنظيرا أو ممارسة . ومع هزة الربيع العربي القوية اضطر الغرب ومعه الأنظمة العربية الفاسدة ، والأحزاب العلمانية للتعديل من مواقفهم المجرمة والمتهمة للأحزاب المحسوبة على الإسلام ، خصوصا بعدما تأكدت من رهان الشعوب العربية عليها من أجل إسقاط الفساد . وقبل الغرب ومعه الأنظمة العربية الفاسدة مضطرين لا أبطالا خوض الأحزاب المحسوبة على الإسلام اللعبة الديمقراطية إلى جانب غيرها، وهي التي كانت في فترات سابقة ممنوعة منعا كليا من ذلك بسبب تهمة الإسلام . ولما أفرزت اللعبة الديمقراطية وصول الأحزاب المحسوبة على الإسلام إلى مراكز صنع القرار لم تعد عند بعض الأحزاب العلمانية التي كانت تعيش تحت عباءة الأنظمة الفاسدة ذات مصداقية ، إذ الديمقراطية الحقة عند الأحزاب العلمانية هي التي توصلها وحدها إلى سدة الحكم ، وإذا ما وصل غيرها خصوصا الأحزاب المحسوبة على الإسلام إلى هذه السدة، فإن الأمر يتحول إلى ديكتاتورية وفوبيا وما شابه ذلك. وأمام حجم هالة التخويف التي أحاط بها الغرب الأحزاب المحسوبة على الإسلام هو والأنظمة الفاسدة ، والأحزاب العلمانية الحربائية التي عاشت تحت عباءة هذه الأنظمة الفاسدة ، وهي اليوم تحاول التودد إلى الشعوب العربية بعدما عبرت هذه الأخيرة عن رغبتها في حكم الأحزاب المحسوبة على الإسلام ، اضطرت هذه الأخيرة إلى نهج أسلوب طمأنة الغرب والأنظمة العربية الفاسدة والأحزاب العلمانية للتخفيف من درجة الفوبيا لدى من يعانون منها في الداخل والخارج . وكلما زادت درجة طمأنة الأحزاب المحسوبة على الإسلام للغرب وللأنظمة العربية وللأحزاب العلمانية، ازداد تشكيك هذه الأخيرة في نوياها لأن العادة ألا تصدر مثل هذه الطمـأنة من الأحزاب المحسوبة على الإسلام . وبلغ الأمر حد خوض الأحزاب الإسلامية الحملات الانتخابية الرئاسية كما هو الحال في مصر بوعود تتعلق حتى بمعاهدات الاستسلام مع الكيان الصهيوني ، وهو ما يدخل ضمن طمأنة الغرب الحريص على الكيان الصهيوني المدلل الذي يضمن مصالحه الدائمة في منطقة الشرق الأوسط . وعلى غرار طمأنة الأحزاب المحسوبة على الإسلام الغرب بالاحتفاظ حتى بمعاهدات الاستسلام ،جاءت العديد من أساليب الطمأنة التي تمس العديد من المجالات والقطاعات . ولما كان رهان الشعوب العربية على الأحزاب المحسوبة على الإسلام بدافع عدائها للفساد والمفسدين ، والرغبة في محاربته وإزالته ، فقد وجدت الأحزاب المحسوبة على الإسلام نفسها مرغمة على إثبات أهليتها وأحقيتها بثقة هذه الشعوب من خلال الإعلان عن برامج الكشف عن ملفات الفساد وفضحها ، ومحاكمة المفسدين . وما كادت بعض هذه الأحزاب تعلن عن نيتها فتح ملفات الفساد حتى قامت دنيا المفسدين ولم تقعد ، وتم النفخ في عقدة الفوبيا من جديد وبشكل هستيري . وبلغ الأمر حد تجييش الشعوب عن طريق تضليلها ضد الحكومات المنبثقة عن أحزاب إسلامية من أجل زعزعة ثقتها فيها والتشكيك في كفاءتها . وصارت هذه الحكومات في وضعية حرجة للغاية ، وهو ما يعبر عنه المثل الشعبي المغربي بالقول : » اصعد لتأكل باكورة التين انزل من قال لك ذلك « فمن جهة تطالب هذه الحكومات بتسريع وتيرة فتح ملفات الفساد ، ومن جهة أخرى تنتقد لأنها بدأت عملها بهذه الملفات الساخنة التي كان لا بد ألا تفتح حتى لا ينكشف فساد المفسدين الذين كان الربيع العربي بسببهم . فالقضية إذن متعلقة بممارسة الضغط والابتزاز على هذه الحكومات من عدة جهات خارجية وداخلية من أجل إثبات أن الشعوب العربية في ربيعها لم تكن راشدة ولا موفقة حين راهنت على أحزاب محسوبة على الإسلام . فعندما تشرع الحكومات المنبثقة عن أحزاب إسلامية في معالجة ملفات فساد بعينها ثم تخضع للابتزاز مباشرة بعد ذلك مهما كان مصدره ، فإنها تضرب مصداقيتها في العمق والصميم أمام الشعوب التي راهنت عليها كما يرى العديد من المراقبين . فالفساد سيظل فسادا كما يقول المثل المغربي » الذئب هو الذئب حتى لو طبخته بالزبدة والزبيب « فلهذا لا بد أن تمضي الأحزاب المحسوبة على الإسلام في اقتحام أسوار ملفات الفساد بقوة وبعزيمة وبدون تردد. وخير لها أن تجبر على الاستقالة بالقوة وهي ترفض الخضوع للابتزاز من أن تضطر للاستقالة لأنها لم تستطع مسايرة طموحات شعوبها التي راهنت عليها، لأنها واعدتها بمحاربة الفساد ، والأحرار عند وعودهم . أجل جهات كثيرة تحلم بفشل وباستقالة الحكومات المنبثقة عن أحزاب إسلامية لتأكيد أن البيئة المناسبة للشعوب العربية هي البقاء تحت حكم الأنظمة الفاسدة ، لأنها شعوب في نظر هذه الجهات لا تستحق الحياة الكريمة . وأخيرا أقول للحكومات المنبثقة عن أحزاب إسلامية إذا كان لا بد من الموت فمن العار الفرار . والوقوف إلى جانب الشعوب في ربيعها أقسط عند الله عز وجل من الركون إلى ابتزاز الذين ظلموا ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
Aucun commentaire