صراع الدول الكبرى على شمال افريقيا هو السبب في اطالة عمر مشكل الصحراء المغربية
إن المتتبع من المواطن البسيط الى المثقف في بلدان » الاتحاد المغاربي » خصوصا في الجزائر والمغرب لم يستطع فك طلاسم مشكل الصحراء المغربية، ولا زال يطرح السؤال لماذا استغرقت هذه المشكلة هذه السنوات الطوال حتى اصبحت تنعت بأقدم مشكل في افريقيا؟ ولماذا لم يحسم لا بالسلم ولا بالحرب طوال عقود من الزمن؟
للإجابة على هذين السؤالين لابد من طرح هذا المشكل المفتعل في سياقه الزمني المرتبط اصلا بالتطور الدولي، وعليه فمشكل الصحراء المغربية يمكن تقسيمه الى مرحلتين رئيسيتين ، المرحلة الاولى وهي مرحلة ما اصطلح عليه بالحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي سابقا والذي ناب عليه النظام الجزائري البومدييني في شمال افرقيا مدعوما بالطبع بالنظام البائد للقذافي، ضد الولايات المتحدة الامريكية التي يمثلها المغرب في عهد الراحل الحسن الثاني وصراع هذه المرحلة يمكن ان نصطلح عليه « بحرب المواقع الجغرافية » ، فالنظام الجزائري في عهد بومدين بتوكيل من الاتحاد السوفياتي اراد فتح باب على المحيط الاطلسي وهذا يعني فتح باب على الولايات المتحدة الامريكية وخنق الحليف الاستراتيجي الا وهو المغرب، وبالتالي اخذ الزعامة في شمال افريقيا وهو ما لم يرق للولايات المتحدة الامريكية ومعها فرنسا على وجه التحديد، العضوين الدائمين في مجلس الامن.
في ظل هذا الوضع كان لابد للنظام العسكري الجزائري ان يضخ البيترودولار لشراء ذمم الدول المجهرية الافريقيةالجائعة ومعها كوبا وبعض دول امريكا اللاتينية للاعتراف بوليدتها الغير شرعية »الجمهورية الوهمية » على ارض مغربية الاصل جزائرية الانتماء، ولا داعي للدخول في تفاصيل هذه المرحلة وما خلفته من استنزاف للمغرب والجزائر معا ، لتنتهي كما يعلم الجميع في احضان الامم المتحدة وتبدأ معها الحرب الدبلوماسية القائمة لحد الان.
أما المرحلة الثانية الجديرة بالاهتمام هي مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفياتي ، ورحيل مهندس « الجمهورية الوهمية » هواري بومدين اين اعتقد الجميع ان مشكل الصحراء انتهى وما هي إلا مسالة وقت لترتيب الوضع ، لتطفو الى السطح اخطر مرحلة ويمكن ان نصطلح عليها « بحرب المواقع الاقتصادية » في ظل الازمة الاقتصادية العالمية وبروز القوى الناشئة خصوصا الصين روسيا البرازيل والهند، التي اصبحت تهدد اقتصادات الولايات المتحدة الامريكية وخصوصا القارة العجوز وعلى راسها فرنسا ، ففي ظل هذا الوضع الدولي الجديد ولفرملة هذه القوى الناشئة ، فلا مأمن لأمريكا واوروبا يقيهما من هذا الزحف سوى شمال افريقيا ، الضفة المقابلة لأوروبا، وما ابتكار الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي انشاء الاتحاد الاورو متوسطي بما فيه اسرائيل الا دليلا على ذلك، فهو بهذا الاقتراح يريد ان يضرب عصفورين بحجرواحد، حماية الاقتصاد الاوروبي من زحف الدول الناشئة وعلى راسها الصين ومن الناحية الثانية امريكا التي تسعى ايضا لنفس الهدف، هذه الخطة لم تنجح بالطبع لوجود الكيان الاسرائيلي فيه هذا من جهة ومن جهة اخرى وجود الولايات المتحدة التي اتخذت محاربة الارهاب الدولي كشعار لها لوضع القدم في شمال افريقيا وما تمويه هذه الاخيرة للجزائر بإعطائها العلامة الكاملة في محاربة الارهاب الاحجة للسماح لها في وضع هذه القدم وسد الطريق ايضا على اوروبا والعملاق الصيني الذي بدأت فرملته من السودان اثر فصل جنوبه عن شماله، وتجلت في التعاون المشترك بين الجزائر وامريكا بدءا من اجراء مناورات في قلب الصحراء وصولا الى طلب انشاء قاعدة « افريكوم « في جنوب الجزائر، وقد ازدادت هذه المرحلة سخونة في ظل الربيع العربي خصوصا في ليبيا اين استطاعت فرنسا سحب البساط من تحت اقدام امريكا والاطاحة بالقذافي وبالتالي ربح العلامة كاملة رغم المحاولات اليائسة في دعمه من طرف النظام الجزائري الذي استشعر الخطر القادم نحوه خصوصا من ليبيا بالضبط نحو الجنوب الجزائري اين توجد كل التوابل للظفر بالطرف الاكبر من الكعكة وهو البترول ومختلف انواع المعادن النفيسة التي تزخر بها منطقة الساحل والصحراء، وللوصول لهذه الغاية لابد من السرعة في كل شيء، بين امريكا واوروبا خصوصا فرنسا التي تعتبر المغرب العربي محمية طبيعية لها ولا يمكن لأمريكا ان تنازعها فيه، وبالتالي استطاعت بسرعة البرق اخراج ورقة مالي وحركة الازواد لضغط على الجزائر كي تسلم بأمر الواقع واقناعها أن موقعها الحقيقي هي اوروبا وليس امريكا، ولتطمين النظام الجزائري من عاصفة الربيع العربي العاتية، وقعت له على بياض في الانتخابات الاخيرة بنزاهتها وهي كذلك لأنها رتبت لها الفوز قبل ان تجرى بهندسة قانون الانتخاباتيسمح للحزب الحاكم باكتساح الساحة واقصاء الاحزاب المجهرية التي انشات لهذه الغاية مع اضفاء بعض الشرعية لما يسمى بالأحزاب الاسلامية التي خرجت من عبائتها بمنحها عددا من المقاعد وتركينها في الزاوية وهي التي راهنت على الربيع العربي.
في ظل هذا المخاض الذي تشهده المنطقة فورقة الصحراء المغربية لن تكون في منأى من هذا الصراع وحلها ليس بيد الامم المتحدة او المفاوضات العبثية بل هو في يد فرنسا وامريكا علما ان كلاهما لن يفرط في الصحراء لصالح المغرب ولن تقوم قائمة لهذه الجمهورية الوهمية والجزائر تعلم ذلك جيدا، وما تقرير »روس » الاخير الا لربح الوقت في انتظار من سيفوز بكعكة الجزائر وبالسرعة المطلوبة او اقتسامها بالتراضي بين امريكا وفرنسا .
من خلال هذا التحليل المتواضع يتبين ان العقدة لفك هذا اللغز يوجد في القرار الذي سيتخذه النظام الجزائري الموجود حاليا في وضعية لا يحسد عليها بحكم الضغط الخارجي والضغط الداخلي والبراكين التي بدأت تشتعل من حوله خصوصا في الجنوب، ولم يعد له الا سبيلا واحدا وهو ارضاء الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا معا، ولن يتأتى هذا الا عبر اتحاد مغاربي تحت مظلة اوروبا وامريكا لان كل الظروف مواتية لبعث هذا الاتحاد ولصد زحف الدول الصاعدة خصوصا الصين، اما روسيا فملعبها في سوريا، وفي اعتقادي هو ما يسعى اليه الرئيس الفرنسي الجديد هولند وسعيه للاشتراك مع الولايات المتحدة عكس الرئيس السابق ساركوزي الذي كان يحلم ان يكون نابليون الثاني في لفرنسا. اما اذا حدث العكس وركب النظام الجزائري رأسه وسبح ضد التيار فحتما سيكون مصيره النهاية لان كل اوراقه هي تحت طاولة اوروبا وامريكا جاهزة لإخراجها في الوقت المناسب وبأسماء كثيرة.
في انتظار ما سيقرره النظام الجزائري في الايام او الشهور المقبلة، فان قضية الصحراء المغربية مؤجلة مؤقتا وعلى المغاربة التحلي بالصبر ولا يجب الانزعاج من الامم المتحدة في شخص مبعوثها الشخصي « روس » او « بنكيمون » لان تقرير الاول وتصريح الثاني الاخيرين ما هو الا زوبعة في فنجان.
Aucun commentaire