سعد الدين العثماني : هل سيفلح الدكتور النفساني في معالجة علل الدبلوماسية المغربية ؟؟؟
سعيد سونا
ـ هل ستستمر الدبلوماسية المغربية في استراتجية صنع الفعل بدل تكتيكات رد الفعل؟
ـ ماهي اللمسة النوعية للدكتور النفساني سعد الدين العثماني في تحريك الدبلوماسية المغربية ؟
لعل المتتبع الحصيف لدينامية الدبلوماسية المغربية في العقد الأخير، يقف على الطفرة النوعية التي حققتها الدولة المغربية في مجال تعاطيها مع المحيط الدولي ، رغم أن الأمر يتعلق بانقلاب جذري على السياسة التي اتبعها المغرب طيلة حكم المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه ، وهذا ليس بالأمر الهين عند فقهاء العلاقات الدولية .
ولهذا دعونا نطرح مقارنة بسيطة بين استراتجية المرحوم الحسن الثاني ، والملك محمد السادس في تعاطيهما مع المجتمع الدولي وانعكساتها على الوضع الداخلي وقضية الصحراء المغربية
الحسن الثاني بين دبلوماسية ردود الأفعال ومحاولة البحث عن مجد دولي زائل على حساب وضع داخل على حافة السكتة القلبية :
وهنا لابد أن نمر على تحقيب بسيط لتعاطي الدولة المغربية مع مستجدات المنتظم الدولي، فالثابت في كل هذا أن المغرب ظل ولايزال يجنح سبيل الحلول السياسية والسلمية في معالجة بؤر التوتر في العالم، مع مايتفق ومقتضيات القانون الدولي ، ولابد من الإشارة على أن المغرب لعب بدهاء شديد في عدم هرولته إلى الريادة على العالم العربي، التي بقيت بين الثلاثي ـ مصر ـ السعودية ـ وحاليا قطر مع امتلاكها لسلاح إعلامي جعل وزير الخارجية القطري يقول يوما :
إذا كانت إيران تلهث وراء السلاح النووي فدولة قطر لديها قنبلة نووية تدعى الجزيرة …
فالمرحوم الحسن الثاني كان ذو نزعة إعلامية ….معتبرا ان المغرب قوة دولية توافقية لحل النزاعات الدولية ، حيث لعب ورقتين خاسرتين تتمثل في تجاوبه مع عملية السلام المزعومة بين فلسطين وإسرائيل، إلى الحد الذي جعله ينساق وراء مجد دولي زائل ، على حساب وضع اقتصادي غير سليم وتراكمات إجتماعية هيكلية، ……. أما الورقة الثانية فتتمثل في الخطأ الإستراتيجي القاتل الذي جعل المغرب يستنزف جميع قواه من أجل لملمة سوء تقدير الحسن الثاني للصراع مع جبهة البوليساريو، عندما قبل بالإستفتاء وحق تقرير المصير، مما أغضب رموز الحركة الوطنية ولعل أبرزهم عبدالرحيم بوعبيد بصرخته التي لازال صداها حتى الأن عندما اتصل بالحسن الثاني مخاطبا إياه : هل يستفتي المرء الأخر عن شبر من بلاده؟؟؟ لكن الحسن الثاني تابع عناده حتى اصدم بأن تلميع صورة المغرب تنبني أساسا على إخرجه من مديونيته ووضعه الداخلي المتأزم ، الذي وصفه الملك الراحل بالسكتة القلبية وحينذاك استنجذ بزملاء عبد الرحيم بوعبيد لإخراج المغرب من أزمته تحت مسمى (التنافق التثاؤبي ) عفوا التناوب التوافقي …
تحت شعار تازة قبل غزة : محمد السادس بين دبلوماسية صنع الفعل والإنكباب على الشروع في إصلاحات داخلية على جميع المستويات:
ـ في البداية لابد أن نشير أن هناك مستويات حديثة تشتغل وفقها الدبلوماسية العصرية ، وهي من الشروط الموضوعية التي دفعت العاهل المغربي لإحداث ثورة جذرية ورديكالية على مستوى اشتغال الدبلوماسية المغربية ، وخاصة قضية الصحراء .
ـ إن تفعيل الدبلوماسية المغربية يقتضي الإشتغال على عدة مستويات ، وموزاتها بتنويع مصادرها العصرية .
إليكم مستويات اشتغال الدبلوماسية المغربية في العقد الأخيرـ قضية الصحراء نموذجا :
ـ الدبلوماسية الرسمية وتنقسم إلى شقين :
1ـ دبلوماسية الملك كما ينص على ذلك الدستور بصفته رئيسا للدولة
2ـ دبلوماسية وزارة الخارجية بين دورها الروتيني الذي يعتكف على متابعة عمل السفراء والتنسيق بينهم ، وبين تلميع صورة المغرب وتقوية العلاقات مع دول العالم، حتى يكون المغرب قوة دولية لديه قدم راسخة في المستجدات الدولية ، وهنا لابد أن نشير أن هامش المناورة لوزير الخارجية يبقى في حدود التعليمات الملكية
ـ الدبلوماسية الموازية :
ـ وتتمثل في دبلوماسية البرلمان المغربي بغرفتيه ، من خلال لجنة الخارجية وكذا مبادرات الفرق البرلمانية في التحرك دوليا، وتكثيف الجهود لترويج النموذج الديموقراطي المغربي ، والدفاع عن قضية الصحراء المغربية …
ـ دور المجالس البلدية في خلق مجموعة من الشركات مع المدن العالمية ، وتوقيع اتفاقيات توأمة بين مدن المغرب ومدن المعمور لتفعيل دور المنتخبين .
2ـ المساحة الكبيرة والهامش الواسع الذي أصبح منوطا بالمجتمع المدني في قلب الطاولة على خصوم الوحدة الترابية ، عبر التحرك دوليا بأليات عصرية تأخذ بعين الإعتبار أدبيات المجتمع الدولي لتسفيه طروحات خصوم المغرب ، باعتبار المجتمع المدني حجة قوية على ديموقراطية الدول في العرف الدولي ، ولهذا أعطى الدستور المغربي للجمعيات مكانة خاصة باعتبارها قوة اقتراحية وتصحيحية …
ـ دبلوماسية المخابرات المتمثلة في جهاز ـ لادجيد ـ الذي يترأسه الرجل الصامت بالمملكة ياسين النصوري صديق الملك الذي يشتغل في صمت وهدوء وبفعالية كبيرة.
ـ خلق مايسمى » بلوبينك » على مستوى مؤسسات صنع القرار ، وتجلى ذلك بقوة في اللوبيات التي تشتغل لصالح المغرب في أمريكا والإتحاد الأروبي…
ـ وأخير وليس أخرا دخول مفهوم جديد إلى مطبخ الدبلوماسية المغربية، ويتمثل في ضرورة تقوية الجبهة الداخلية، وذلك بتفعيل الدبلوماسية المغربية حتى يبقى الإجماع المغربي الصخرة التي تنكسر عليها كل المؤمرات الخارجية .
وفي هذا السياق يمكن للمرء أن يسجل ملاحظات مهمة جعلت المغرب يتفوق على نفسه ويسجل نقاط مهمة لصالحه :
ـ الملاحظة الأولى تتجلى في عزوف العاهل المغربي وترفعه عن مهاترات القادة العرب، وعدم سعيه للبحث عن الزعامة العربية …وتجلى ذلك في غيابه عن كل القمم العربية والدولية، في مقابل تمثيله في شخص شقيقه مولاي رشيد أو رئيس الحكومة ووزير الخارجية ، مما جعل المغرب يلقب في دواليب الجامعة المغربية ببلد التوافق بين الدول العربية ، الذي يساهم بصمت وتجرد في دعم القضية الفلسطينية، باعتبار العاهل المغربي رئيسا للجنة القدس ، إظافة إلى تأسيس وكالة بيت مال القدس التي يترأسها وزير الأوقاف ، اضف إلى ذلك أن أخر وفد طبي غادر غزة إبان العدوان الغاشم للكيان الصهيوني ، كان الوفد الطبي الذي أرسله الملك في صمت وبدون أي بهرجة إعلامية تتاجر بالقضية الفلسطنية كما تفعل دول عربية كقطر والسعودية ومصر…
ـ انكباب العاهل المغربي على فتح الأوراش التنموية الكبرى على المستوى الداخلي ذات البعد الإستراتيجي ، وإطلاق مجموعة من المبادرات الإجتماعية ، كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وخلق مرافق اجتماعية كبرى ذات بعد انساني ،ا ضف إلى ذلك المصالحة مع الماضي لتكريس دولة حقوق الإنسان، عبرتأسيس هيأة الإنصاف والمصالحة وجبر الضر للمتضررين من سنوات الجمر والرصاص ، إطلاق ورش الجهوية المتقدمة كورش يسعى لتكريس دولة عصرية أكثر ديموقراطية تسهر على توزيع عادل للثروات على مختلف الجهات …وتوجت هاته الإصلاحات العملاقة، بدستور جد متقدم أفرز انتخابات نزيهة بشهادة المنتظم الدولي .
ـ لكن الملاحظة التي لايمكن أن يتجاوزها في العلاقات الدولية ،هي انتقال الدبلوماسية المغربية من تكتيكات رد الفعل، إلى اللعب في معترك الخصم عبر صنع الفعل…
فالدبلوماسية في عهد الحسن الثاني كانت تنتظر حتى توجه إليها ضربة على مستوى الحرب الدبلوماسية مع الجزائر والبوليساريو، لتقوم برد فعل يتمثل في صياغة بيان تنديدي جعل المغرب يتلقى الضربة تلوى الأخرى ، ليخندق نفسه في حالة الدفاع وردود الأفعال ، بدل تسجيل النقاط في معترك الخصوم الأمرالذي جعل المغرب يفقد الشيئ الكثير في قضية الصحراء المغربية …والإرتكان لخطابات المؤامرة الإنهزامية …
لكن في العقد الأخير انتفضت الدبلوماسية المغربية وغيرت من استراتجيتها وذلك عبر دينامية كاملة وشاملة ، حيث عمدت لتلميع صورة المغرب الأكثر ديموقراطية ، على صعيد الحريات وحقوق الإنسان، وتمكين المرأة من الولوج لمؤسسات الدولة …مما جعل الجميع ينوه بالنموذج الإصلاحي الديموقراطي المغربي ،وأصبح المغرب رائدا في هذا المجال ليتم تتويج هاته المسيرة التي خلخلة الميكانزمات التي جعلت المغرب على مرمى حجر من الدخول في نفق مسدود، لكن دول الإتحاد الأروبي صفعت كل المتربصين بالمغرب، بتمكينه من الوضع المتقدم ووصفه بالشريك الغير العادي ، كل هذا نتيجة اشتغال الدبلوماسية المغربية على الأليات الحديثة التي ذكرناها أعلاه .
ـ ولم يكتفي المغرب بهذا بل باغث البوليساريو والجزائر بخطوة نسفت كل الدسائس التي كانت تحبكها الجزائر، مسخرة ثروتها البترولية للتصدي للمد الإصلاحي القوي للمغرب ، لكن كل مؤامرتها تكسرت على صخرة ومتانة الجبهة الداخلية للمغرب عبر توسيع الهامش الديموقراطي ، وخلق توازن بين السياسة الدولية والخارجية ، مما جعل مقترح الحكم الذاتي في إطار الجهوية الموسعة كمقترح سياسي يفحم كل الأسطونات المهترئة التي كانت تروجها الجزائر على الصعيد الدولي …
ـ مقترح الحكم الذاتي نجحت الدبلوماسية المغربية بمختلف مستوياتها الرسمية منها وغير الرسمية ، في ترويجه بطريقة تحمل الكثير من الحرفية ، جعلت العالم يضغط على الجزائر لكي تكف على التشويش على دولة أكثر ديموقراطية في التعاطي مع مستجدات الساحة الدولية …
لمسات وزير الخارجية الجديد الدكتور سعد الدين العثماني بخبرته في الطب النفسي لمحاولة معالجة علل الدبلوماسية المغربية :
ـ يأتي تعيين الدكتور سعد الدين العثماني كوزير للخارجية المغربية ، في سياق ترأس حزب العدالة والتنمية للحكومة الحالية ، وفي إطار المبدأ الذي بموجبه تم تقسيم الحقائب الوزارية على شركاء حزب المصباح في الأغلبية الحكومية ، حيث تم تقسيم الهيكلة الحكومية إلى وزارات سيادية ، واقتصادية ، واجتماعية .
ووفق هذا المعطى سلمت وزارة الخارجية لحزب العدالة والتنمية في شخص الدكتور سعد الدين العثماني ، الرجل المبتسم في أشد الأزمات، مستعينا بخبرته في علم النفس ، التي جعلت منه شخصية تتمتع بثقافة إنصات جد متميزة ، كما يشهد له بأنه متحدث لبق يتكلم بهدوء وأريحية بدون اللجوء إلى قاموس العنف اللفظي …
كما أنه يتميز بنفسه الطويل وبقدرته الفائقة في تصريف الأزمات، بطريقة جعلت الكل يجمع على أن المغرب عثر أخيرا على قوة دبلوماسية في شخص سعد الدين العثماني الرجل الذي لايعترف بالأزمات ، ولاينحني للكبوات…
فهل سينفع الطب النفسي في معالجة علل الدبلوماسية المغربية ؟
الأحداث والبدايات تقول نعم ، فالزيارة الناجحة التي قام بها الد كتور سعد الدين للجزائر كأول دولة يزورها بصفته وزيرا للخارجية المغربية ، تحمل ما أشرنا إليه سابقا ، فليس هناك عداوة دائمة في قاموس الدبلوماسيين المهرة ، خطوة الرجل ذو الكاريزما الطاغية ، فاجأ بها الجزائر في عقر دارها بعدم تطرقه لقضيتي الصحراء وفتح الحدود، بذكاء حاد أحرج الجزائر أمام المنتظم الدولي برسالة مفادها أن المغرب له من الإرادة لتفكيك عقدة العلاقات المغربية الجزائرية، شريطة تجاوب الطرف الأخير الذي وجد نفسه شاردا في حالة هستيرية وهو يتلقى الضربة تلوى الأخرى من الجانب المغربي …
ـ كما يسجل المتتبعين التحركات المكوكية التي قام بها سعد الدين العثماني لمجموعة من الدول المؤثرة في مراكز صنع القرار ، مما ضخ دماءا بخلفية بسيكولوجية في أداء الدبلوماسية المغربية، لاشك أنها ستعود بالإيجاب على تطوير علاقات المغرب مع محيطه الدولي، حتى يتفرغ عاهل البلاد لإستكمال الأوراش التي تروم فتح كل القنوات والأبواب ليكون المغرب قوي بمناعته الداخلية ، ومنفتح على محيطه العالمي بما لا يؤثر على خصوصيته المتفردة .
فالكواليس تتكلم على رضى العاهل المغربي على الجهود التي يقوم بها سعد الدين العثماني في كسب أصدقاء جدد للمغرب ، وتذويب سوء الفهم مع العديد من دول المعمور
فالدول القوية هي من تعيش بعافية داخلية وبنجاعة على المستوى الدولي
Aucun commentaire