ليس باستطاعة جهة من الجهات في المغرب أن تزعم بأنها تستقطب الشباب
ليس باستطاعة جهة من الجهات في المغرب أن تزعم بأنها تستقطب الشباب
محمد شركي
من المعلوم أن الشباب هو رأسمال الأمة الذي يستثمر لضمان وجودها وبقائها واستمرارها. ومن نافلة القول أن كل إهمال لهذا الرأسمال البشري هو مغامرة وخيمة العواقب . ومع علم الجميع بهذه المغامرة الخطيرة لا توجد جهة رسمية أو غير رسمية تستطيع أن تزعم بأنها تستقطب الشباب في وطننا . وكل ما تستطيعه هذه الجهات على اختلاف مشاربها واهتماماتها أنها تستقطب نخبا ضئيلة منه فقط . أما السواد الأعظم من شباب هذا الوطن ، فهو خارج دائرة الاستقطاب . ولنبدأ بالجهة المسؤولة عن الدين وهي جهة تتكون من فئتين : الفئة الممثلة للتوجه الديني الرسمي أو العمومي ، والفئة الممثلة للتوجه الديني غير الرسمي أو الخصوصي ـ إن صح التوصيف ـ . أما التوجه الديني الرسمي أو العمومي ، فيلتمس في المؤسسات الدينية الرسمية وعلى رأسها المساجد . فهذه المؤسسات لا تستقطب الشباب كما يزعم البعض ،بل تستقطب نخبا منهم فقط ، والدليل هو نسب حضور الشباب الأنشطة الدينية وعلى رأسها الصلوات الخمس اليومية ، وخطبة الجمعة الأسبوعية ، وتستثى من ذلك خطب العيد ذات الطابع الاحتفالي ، لمجرد أن الاحتفالية خاصية من الخصائص المميزة للشباب المغربي في عدة مجالات كما سيأتي بعد قليل . فإذا ما أحصينا نسبة الشباب التي تحضر الصلوات الخمس ، وخطب الجمعة وجدناها نسبة ضعيفة جدا ،لأن المؤسسات الدينية الرسمية ،وهي المساجد لا تستهوي الشباب ، ولا تثير اهتمامهم . أما بالنسبة للتوجه الديني غير الرسمي أو الخصوصي ، والمتمثل في بعض الجماعات على اختلاف مشاربها وبغض الطرف عن استقامتها أو انحرافها ، فلا تستهوي أيضا إلا نسبا ضئيلة من الشباب مع استثناء التظاهرات الاحتفالية التي تستهوى قضاياها القومية أو الوطنية الشباب أكثر مما تعنيه الجهات التي تقف وراء تنظيمها . أما الجهة المسؤولة عن السياسة وهي الأحزاب ، فحظها من استقطاب الشباب المغربي كحظ الجهة المسؤولة عن الدين ، حيث لا يتجاوز شبابها المستقطب نخبا نسبها ضئيلة بالرغم مما تبذله هذه الأحزاب من جهود ، وما تنفقه من أجل استقطاب الشباب المتمنع عن كل استقطاب لا يثير اهتماماته . أما الجهة المسؤولة عن الشأن الاجتماعي والثقافي ، وهي الجمعيات ، فحالها لا يختلف عن حال الأحزاب السياسية في قضية استقطاب الشباب ، بالرغم من الضجيج الإعلامي الذي تلجأ إليه لإغراء الشباب بالالتحاق بها . وأما الجهتان المسؤولتان رسميا عن الشباب وهما وزارة التربية الوطنية ، ووزارة الشباب والثقافة، فحظهما من استقطاب الشباب سيء للغاية ، ذلك أن وزارة التربية الوطنية ، إنما يقصد الشباب مؤسساتها للدراسة مكرهين ، وحتى مؤسساتها ، فتنافسها المؤسسات الخصوصية التي تستقطب هذا الشباب في مجال الدروس الخصوصية أو دروس الاستعداد لاجتياز الامتحانات . وأما وزارة الشباب والثقافة ، فتكاد تكون وزارة بلا رصيد من رأسمال الشباب . فإذا كان هذا حظ الجهات المعنية بالشباب من استقطابهم ، فما الذي يستقطب هذا الشباب ؟ الحقيقة أن شبابنا يعيش خارج تغطية المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ، باستثناء نخب منه. ولهذا السبب كانت مفاجأة العالم الكبرى هي بحث الشباب العربي ، ومن ضمنه الشباب المغربي عن طريقة استقطاب ترضي اهتماماته وانشغالاته . ولقد وجد هذا الشباب في الفيسبوك ضالته ، حيث أصبح الفيسبوك الجهة القادرة على استقطابه أكثر من كل الجهات المعنية بشؤونه . ومن خلال تكتل الشباب بنسب عالية حول الفيسبوك تماما كما يفعل النحل يظهر أن الجهات الفاشلة في استقطابه لا تعي اهتماماته وانشغالاته ، وهي معنية بطرق استقطابه الفاشلة التي لم تعد ذات جدوى. ولما كانت من خصائص هذا الشباب الميل نحو الاحتفالية ، فإنه قد وجد ضالته في المجال الرياضي ليس على المستوى الداخلي ، بل على المستوى الخارجي حيث انقسم هذا الشباب إلى فئتين عظيمتين تناصر كل واحدة منهما فرقة من فرق البطولة الإسبانية : ريال مدريد وبرشلونة . فهذان الناديان الكرويان يستقطبان أكبر نسبة من الشباب المغربي نظرا للطابع الاحتفالي الذي تجرى فيه مبارياتهما . ولم تعد مجالات الفنون من مسرح وسينما تستهوي الشباب إلا ما كان منها ينزع نحو الاحتفالية ، أما الفنون الهادفة ، فلا يقبل عليها شبابنا ، لأنها لا تدخل ضمن اهتماماته وانشغالاته . أما التظاهرات الفكرية على اختلاف أنواعها فموضوع سخرية وتهكم بالنسبة لشبابنا الذي يراها أمورا غربية عن حياته ومجالات اهتمامه . ونظرا لميل الشباب نحو الاحتفالية، فإن كثيرا من الجهات تحاول تصيده عن طريقها من أجل ربط صلة بينه وبين ما تضعه من أهداف خاصة بها ، إلا أن هذا الشباب لا تستهويه سوى المظاهر الاحتفالية ، ولا يحفل بما وراءها من أهداف وغايات نصبت له كشراك . وخلاصة القول أن شبابنا أو رأسمالنا البشري لم يعد بيدنا ، بل صار خارج تغطيتنا الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية . وصار هذا الشباب في متناول غيرنا بسبب الثورة المعلوماتية التي حطمت الحدود الثقافية بين الأمم . وأصبح كل من يجيد طرق الاحتفالية المغرية يستطيع استقطاب شبابنا دون أن ينال منه شيئا ، لأن هذا الشباب إنما يقضي حاجته من الاحتفالية ، ثم ينصرف عما وراءها . وكل زعم تزعمه جهة من الجهات بأنها تستطيع استقطاب الشباب يكون مجرد تفاؤل مغشوش ، وزائد عن الحد. ولا بد للمختصين من بحوث جادة من أجل إيجاد حل لمعضلة انصراف الشباب عن اهتمامات المجتمع في كل المجالات ، وذلك من أجل إنقاذ الرأسمال البشري الذي يضمن وجود الأمة وبقاء ها ، واستمرارها . ولا بد من بحث السبل الكفيلة بعودة ثقة هذا الشباب في كل الجهات التي تخطب وده ، وتزعم استقطابه .
Aucun commentaire