هل رهان الشعوب العربية على الإسلام مجرد تقليعة عابرة ؟؟؟
هل رهان الشعوب العربية على الإسلام مجرد تقليعة عابرة ؟؟؟
محمد شركي
وأنا أتابع السجال الحزبي بين حزب الاستقلال ، وحزب العدالة والتنمية بمدينة وجدة على موقع وجدة سيتي ، وهما حزبان متحالفان حكوميا ، وخصمان محليا استوقفتني عبارة لرئيس المجلس الحضري لمدينة وجدة مفادها أن وصول الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية مجرد تقليعة عابرة ، بل جاء في كلامه ما يوحي أن هذه التقليعة ربما كانت أجندة أمريكية في الوطن العربي . وهذا الكلام لم يستعمله لأول مرة رئيس المجلس الحضاري و حده ، بل هو كلام سبق تسويقه واستهلاكه من طرف عدة جهات الله أعلم بما تخفي صدورها . فهل رهان الشعوب العربية على الأحزاب الإسلامية بالفعل مجرد تقليعة عابرة ؟؟؟ قبل مناقشة هذا الافتراض أود أن أؤكد بأنني لا أمارس السياسة ، ولست منخرطا في حزب من الأحزاب ، ولست منحازا لأحدها ، ولا أنا أنتمي لجماعة دينية ، ولا أنا منحاز لإحداها حتى لا يصنف موقفي تصنيفا حزبيا أو طائفيا . وكل ما يربطني بوطني هو الوطنية ككل المغاربة ، وبأمتي هو الإسلام ، والمسافة بيني وبين جميع أفراد الشعب المغربي واحدة ما لم تكن من أحدهم إساءة إلى الوطنية أو إلى الإسلام ، فحينئذ تتغير المسافة بيني وبينه بعدا حتى لو كان أشد الناس مني قرابة ورحما . في اعتقادي أن الشعوب العربية ورثت الإسلام عن سلفها الصالح ، واعتنقته قناعة لا تقليدا . ومعلوم أن الإسلام هو دين الفطرة ، وأن ما يعتري الفطرة من انحراف مرده العوامل الإنسانية كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : » كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه … » فالتهويد والتنصير والتمجيس ، وكل ما يقاس عليهما من تغيير يصيب الفطرة من فعل البشر المؤثر في خلق الله تعالى وصنعته . ولهذا إذا ما عاد الناس إلى الفطرة بعد انحرافات ناتجة عن فعل البشر لا يمكن أن يسمى ذلك تقليعة ، لأن التقليعة هي فعل البشر في خلق الله تعالى ، وليس العكس . ولهذا يسمى من يعود إلى الفطرة تائبا ، من فعل تاب يتوب إذا رجع ، ولا يكون الرجوع إلا إلى نقطة انطلاق . والشعوب العربية عندما ثارت على أنظمتها الفاسدة ، إنما كانت مدفوعة بدافع فطرتها السليمة التي تأبى الفساد .
وكان الإفساد تقليعة مارستها الأنظمة العربية الفاسدة بإيعاز من الغرب من أجل التأثير في فطرة الشعوب العربية ، ولهذا السبب لما بلغ الإفساد درجة معينة انقدحت شرارة ثورة الشعوب العربية . والأصل في الشعوب العربية أن تكون على الفطرة بمعنى أن يكون الإسلام هو خيارها ، والاستثناء هو أن تفسد فطرتها . وههنا أخالف رئيس المجلس الحضري لمدينة وجدة ، وهو ابن شخصية وطنية كان يقاوم المحتل الفرنسي دفاعا عن الفطرة التي كانت مهددة بالفرنسة التنصيرية ، ولهذا لا يقبل منه نعت رجوع الشعوب العربية إلى فطرتها أو توبتها بأنه مجرد تقليعة أو حمى عابرة ، وهو الذي تربى في بيت المقاومة ، وهو الذي صوت عليه أبناء مدينة وجدة تقديرا لمقاومة والده المرحوم الذي كانت مرجعية مقاومته فطرية أو إسلامية . ولو كانت مقاومته بغير هذه المرجعية لما احتضنها ساكنة الجهة الشرقية والمغاربة قاطبة، لأن كل من عزف على وتر الفطرة في الشعب استجاب له الشعب بتلقائية وعفوية . ولهذا عندما مالت الشعوب العربية ومن ضمنها الشعب المغربي إلى خيار الفطرة لم يكن ذلك مجرد تقليعة عابرة . صحيح ما قاله رئيس المجلس الحضري أن المدينة تعاقبت على تدبير شأنها أطياف حزبية ، وأنها ذهبت إلى حال سبيلها بعد حين ، وأن مصير كل حزب هو نفس المصير، إلا أن الأمة ستظل على فطرتها لا يضيرها من خالف الفطرة كائن من كان . ومن طبيعة الفطرة أنها لا تقبل أن تستغل عن طريق الانحرافات الحزبية أو الطائفية ، لهذا لا يفلح أبدا من يمارس الحزبية والطائفية باسم الدين أبدا ، لأن الناس بمجرد اكتشافهم استغلال فطرتهم ينفرون تلقائيا من المستغل ـ بكسر الغين ـ . وقد يكون ظهور حزب من الأحزاب المستغلة للدين مجرد تقليعة عابرة ، ولكن لن يكون الدين أبدا تقليعة عابرة ،لأنه الأصل الذي يعود إليه الناس بعد استثناءات فساد الفطرة لبعض الوقت. وأعتقد أن الشعوب العربية عندما راهنت على ما يسمى الأحزاب الإسلامية، إنما عبرة عن رغبتها الأصيلة في العودة إلى فطرتها التي فطرها الله عز وجل عليها . والشعوب العربية لم تراهن على الأحزاب الإسلامية طمعا في العطاء كما جاء على لسان رئيس المجلس الحضري الذي قال بالحرف : » إن ما حصل عليه حزب العدالة والتنمية من أصوات مرده ثلاثة أمور الدين ، والتقليعة ، والنوال « وتساءل من أين لهذا الحزب بهذا النوال أو الصدقة التي يوزعها على الناس ، وأعتقد أنه يقصد ما يروج بأن الحكومة الإسلامية التركية هي وراء تمويل الأحزاب الإسلامية في العالم العربي .
وإذا ما صحت الرواية ، فلن تكون الحكومة التركية بدعا من الحكومات التي تدعم من يواليها ، تماما كما هو حال الحكومة الإيرانية التي تدعم الأحزاب الشيعية ، وكما هو حال الحكومة السعودية التي تدعم الطوائف السلفية ، وكما هو حال الحكومات العلمانية التي تدعم الأحزاب العلمانية وهلم جرا . والشعب المغربي عندما اختار حزب العدالة والتنمية لم يختره طمعا في الصدقة والنوال ، بل لأن هذا الحزب خطب ود فطرته. فإذا ثبت للشعب المغربي أن هذا الحزب كان كاذبا في انتسابه للفطرة ، فإنه سيمضي حيث مضى كل حزب كذب عليه من قبل . لا أريد أن يفهم من كلامي هذا أنني أساند حزب العدالة والتنمية أو غيره ، بل أنا أناقش من يعتبر رجوع وعودة الشعوب العربية ومن ضمنها الشعب المغربي إلى فطرته مجرد تقليعة عابرة ، ثم تعود إلى تغيير فطرتها . وآمل أن يظل الصراع الحزبي بعيدا عن النيل من فطرة المغاربة عن طريق المزايدات . وأذكر بأن الناس عندما تكون الائتلاف الحكومي بين حزب العدالة والتنمية ، وبين حزب الاستقلال اعتبروا ذلك أمرا طبيعيا بحكم التقارب في المرجعية الدينية بين الحزبين ، وهي مرجعية إسلامية مع اختلاف في الممارسة الطقوسية . وإذا ما جاز لي أن أنصح الأخوين السيد عمر حجيرة ، والسيد عبد العزيز أفتاتي ، وكنت أهلا لذلك أقول لهما : أنتما معا مرغمان وبسلطة من وضع فيكما الثقة وصوت عليكما على الجلوس إلى مائدة الحوار الهادىء والبناء ، وتجاوز الخلاف بينكما ، وعليكما أن تطلعا على المواطنين بمؤتمر صحفي مشترك تعلنان فيه الصلح بينكما ، والعمل المشترك من أجل مصلحة المدينة . فإن لم تفعلا ، فلا خير فيكما معا ، وسيظل الوجديون على فطرتهم ، وستزولان من ذاكرتهم كما يزول الحلم المزعج .وأختم بقوله تعالى :(( إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتيكم خيرا )).
Aucun commentaire