Home»National»ضرورة نهوض أهل العلم المخلصين بتصحيح طرق الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

ضرورة نهوض أهل العلم المخلصين بتصحيح طرق الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

0
Shares
PinterestGoogle+

ضرورة نهوض أهل العلم  المخلصين بتصحيح طرق الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

محمد شركي

تقع مسؤولية توجيه الناس إلى سواء السبيل في دينهم ودنياهم على أهل العلم. ومن الأمور التي يحتاج الناس فيها إلى توجيه أهل العلم هل طرق الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث انتشرت بعض البدع الدخيلة على الإسلام في هذا الشأن ، واختلف الناس في ذلك، حيث أثارت احتفالات الابتداع ردود أفعال مضادة  لها أخذت تنادي بإسقاط الاحتفال بالمولد جملة وتفصيلا. وبين احتفالات الابتداع ، وردود أفعالها تأتي احتفالات اللعب ، واللهو ، والعبث ، وقلما تكون الاحتفالات موافقة للشرع. ومعلوم أن لفظة احتفال تعني الاهتمام . والاهتمام لا يكون إلا بعظائم الأمور. ولا يوجد أعظم من أمر نبي الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن رب العزة جل جلاله جعله قدوة للناس أجمعين ، فقال في حقه  : (( لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )). ومعلوم أنه لا يتأسى ولا يقتدى إلا بالنموذج ، والله عز وجل أثبت النموذجية لرسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : (( وإنك لعلى خلق عظيم )) . وهذا الوصف يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وفقه الله عز وجل لتطبيق تعاليم القرآن الكريم ، وهذا ما جعل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول :  » كان خلقه القرآن  » ،فهذا يعني أنه هو الذي ترجم القرآن الكريم إلى سلوك ، أو هو الذي وفق في أجرأة القرآن الكريم . ومن هنا كان الاحتفال به أو الاهتمام به من صميم التدين ،إذ لا يمكن التعامل مع رسالة القرآن الكريم دون نهج أسلوب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تطبيقه وتفعيله . ولا يمكن أن يقتصر الاحتفال بجزء من حياة الرسول الأعظم فقط ،كما يظن الذين لا يعنيهم حسب زعمهم من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى فترة ما بعد البعثة. ومن نافلة القول أن حياة الرسول الأعظم لا ينفصل بعضها عن بعض ، فمولده تضمن من الآيات ما يؤكد نبوته قبل أن يوحى إليه. والجاحد بآيات مولده وصباه وشبابه منكر ومشكك في نبوته ومكذب بها سواء قصد أم لم يقصد . ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالحدث العادي بل اقترن بعظائم الأمور. ومن هذه الأمور أن مولده كان علامة من علامات قرب الساعة لقوله صلى الله عليه وسلم :  » بعثت أنا والساعة هكذا  » وأشار عليه السلام إلى سبابته والوسطى. وبعثته لم تكن لو لم يكن مولده . فلو لم توجد سوى هذه الدلالة، لوجب على الناس الاحتفال بمولده لأنه اهتمام بقرب نهاية العالم ، وهي نهاية تؤثر مباشرة في سلوك الناس ، ذلك أن الذين يؤمنون ويقرون بها  لهم سلوك يختلف عن سلوك الذين لا يؤمنون  بها . والناس منذ أن وجدوا على سطح هذا الكوكب نوعان : نوع يؤمن ببداية العالم ونهايته ، ونوع لا يؤمن بذلك ، وعلى خلفية الإيمان بالبداية والنهاية أو إنكارهما تختلف ممارسة الناس للحياة. ومعلوم أن كل يوم يمر على مولد الرسول الأعظم الذي اقترن بنهاية العالم يعتبراقترابا من النهاية . وهذا أمر يعني أصحاب خلفية الإيمان بالنهاية ، ويفرض عليهم الاحتفال بالمولد لاقترانه بحدث نهاية العالم العظيم . ومما له علاقة بعظمة حدث المولد الشريف أيضا أن الرسول الأعظم ، وهو إسوة البشرية في دين الله عز وجل قد اكتسب الكمال من كمال رسالة القرآن الكريم ، ومن كمال الدين فيها لقوله تعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) . فأكمل إنسان على الإطلاق في تاريخ البشرية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه صاحب أكمل دين وأتم نعمة . وإن بعض الناس ليتجاسرون جسارة قبيحة على صفة الكمال التي خص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فينسبونها زورا لشيوخ من البشر العاديين ، حيث يسمونهم الشيوخ الكمل ، مع أن الكمال استأثر به رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره من البشر. وآية هذا الكمال النبوي الذي لا ينبغي لغيره  ما وصفه به رب العزة في القرآن الكريم في قوله جل من قائل : ((  يا أيها النبيء إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا )) . فهذا الوصف يؤكد صفة الكمال في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو كمال النبوة والرسالة والبشارة والإنذار والدعوة بإذن من الله عز و جل ، والسراجية ـ إن صحت النسبة ـ . والذين يدعون الكمال أو ينسبه لهم غيرهم لا حظ لهم من هذه الأوصاف ، ولا إذن لهم بذلك من رب العزة جل جلاله . ومعلوم أن لفظة سراج استعملها الله تعالى لوصف الشمس في قوله تعالى : ((  وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا )) ، وفي قوله تعالى أيضا : (( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا )) . ومعلوم أن السراج يشع منه الضياء ، بينما  يقتبس منه النور. لهذا نسب النور للقمر ، ونسب الضياء للشمس. وسراجية الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم تعني أنه  يوجه البشرية ، وعنه تقتبس البشرية ، تماما كما يقتبس كوكب القمر المظلم نوره من نجم الشمس المضيء . ولهذا لا يحق للذين يدعون الكمال من الشيوخ أو يصفهم غيرهم بذلك التجاسر على هذه الصفة في غياب السراجية فيهم . وحقيقة هذه السراجية  كما  أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى : (( وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم )). ولا يمكن أن يدعو إلى صراط مستقيم إلا المؤهل لذلك بصفة السراجية، لأن وضوح الصراط يكون بالضياء . والدعوة إلى الصراط المستقيم تتطلب خبرة ، والخبرة هي العلم بما خفي من هذا الصراط ، ولا تتوفر هذه الخبرة إلا للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، لأن الله تعالى أذن له  بها ، ولم يأذن لغيره بذلك. فالذين يدعون  أنهم ورثوا السراجية عنه كاذبون، لأن الله لم يأذن لهم بما أذن له . وقد يقول قائل : إن العلماء ورثة الأنبياء ، وقد ورث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم  علماء . فهذا صحيح ، ولكن لا علاقة له بما يدعيه بعضهم من  وراثة الكمال أو السراجية . فكل ما يمكن أن يرثه العلماء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو توجيه الناس إلى كتاب الله عز و جل ، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم المترجمة لهذا القرآن الكريم عمليا وسلوكا وأجرأة . أما ادعاء  ما دون ذلك مما خص به الرسول الأعظم ، فمحض باطل يستهدف العوام والسوقة لتضليلهم  بأنه بإمكان البشر العادي أن يحوز درجة السراجية ودرجة الكمال  التي خص بها الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم . ولقد بلغ الغرور ببعض الجهلة أن زعموا بأن أميتهم عبارة عن محاكاة لأمية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علما بأن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة لإفحام منكري نبوته ورسالته . ولا يمكن أن يتخذ الناس بعده الأمية كرامة من الكرامات على حد زعمهم الكاذب . وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضع حد لكل تجاسر على مكانته وكماله وسراجيته . يقول عليه السلام : «   إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا ، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكان منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله به الناس ، فشربوا منها ، وسقوا ، وزرعوا . وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ، ونفعه بما بعثني الله به  فعلم وعلّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به « .  فهذا الحديث  يجعل الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم  من الخلق بمثابة الغيث من الأرض . ولهذا لا يحق لأحد ادعاء كمال الرسول الأعظم عليه السلام ، أو ادعاء صفة الغيثية  ـ إن صحة هذه النسبة أيضا ـ . فالذين يزعمون أنهم شيوخ كمل، أو يصفهم غيرهم بذلك ، ويجمعون حولهم الناس في زوايا ، أو في جماعات  ، وطوائف يدعون الغيثية ، وينزلون أنفسهم منزلة الرسول الأعظم ، ويحج إليهم الناس  خصوصا في مناسبة المولد الشريف لتكريس احتفالات البدع الضالة المضلة ، والتي لا سند لها في كتاب أو سنة ، وإنما هي محض أهواء نهى الله تعالى رسوله  ومن آمن به عنها  في قوله تعالى : (( فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم )) . فالاستقامة هي الترجمة الصحيحة والكاملة والتامة للقرآن الكريم  على سلوك وفعل في الحياة من طرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والدعوة إليها من اختصاصه بأمر وبإذن من الله عز وجل . وكل من ادعى هذا الاختصاص أو الإذن فهو مفتر وكاذب ، ومخادع للعوام والسوقة . وربما  لجأ بعضهم إلى الخداع والمكر لتضليل هؤلاء عن طريق استعمال بعض المحسوبين على الثقافة والعلم من أصحاب المصالح المشبوهة طعما لاصطياد العوام والسوقة ، و لادعاء المصداقية الكاذبة والمزورة ، حيث يقول العوام والسوقة ، إذا ما كان هذا حال المثقفين وأصحاب العلم فما بالنا نحن لا نصدق بما يقبلون عليه  ، وهم أهل خبرة  وأهل علم  مع أنهم مجرد انتهازيين ووصوليين  وأصحاب مصالح مكشوفة ؟  والتحدي الذي يجب أن يطرحه العلماء  المخلصون على أصحاب هذه الدعاوى الباطلة هو إثبات  ما يدعونه بنصوص القرآن وما صح من سنة دون اللجوء إلى التأويلات المتعسفة التي تلوي بأعناق الآيات والأحاديث لاستغلالها بشكل مكشوف ومردود على أصحابه . فمن رضي بأن يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم  بمنزلة الأرض من  الغيث  كما جاء في الحديث ، فله أن يختار من طوائف الأرض الطيبة أو الأجادب  أو القيعان ، ولا يحق له أن يتجاسر على منزلة الغيث الخاصة بالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم . ومن علامات التجاسر على صفات الرسول الأعظم في العقائد الضالة المنتسبة زورا للإسلام شيوع الألقاب  التي يستعظم أصحابها أنفسهم من قبيل قولهم:  الشيخ الكامل ، وآيات الله العظمى وولي الله ،وسماحته … وغير ذلك من الألقاب التي  تستغفل العوام والسوقة لاستغلالهم. ومن العار أن تدعي طوائف الأرض الألقاب الفخمة أمام الغيث ، ومن السفه أن  يدعي القمر المقتبس نوره  ضياء الشمس السراج . وتلعب بعض وسائل الإعلام السفيهة دورا كبيرا في تسويق  البدع والضلالات بمناسبة المولد الشريف ، وتقصد أوكار الضلالات لنقل ما يجري  فيه من خرافات وخزعبلات ، فترى المبتدعين  يزعقون ، ويرفعون عقيرتهم  بما لم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  من أقوال، ويترنمون ، ويتمايلون في شطحات ، وقد يتطرف بعضهم فينهشون لحوم الأنعام الحية ، ويبتلعون ما لا يبلع من مسامير وزجاج ، ويلتهمون النيران ، ويشربون الحميم ، وتخترق أجسادهم الإبر والمدى ، ويزعمون كذبا وزورا أن كل ذلك مما ورثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن كراماتهم الكاذبة ، ويأتون من الدجل ما يسترهبون به أعين العوام والسوقة . ومعلوم أن الإسلام يستهدف دعوة الناس  إلى الربانية  ، ولا يسمح حتى للأنبياء والرسل باستعباد الناس لقول الله تعالى : ((  وما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب  والحكم والنبوءة ثم يقول للناس  كونوا عبادا لي من دون الله  ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيئين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون )) . فلا يحق لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس كونوا أتباعا أو مريدين لي .وما دام الله تعالى قد أمر الرسل صلواته وسلامه عليهم ، ومنهم خاتم المرسلين  صلى الله عليه وسلم أن يقولوا للناس كونوا ربانيين  بتعلم القرآن الكريم ، وبدراسته على طريقة ونهج سيد المرسلين ، إذ لا يمكن العلم بالقرآن الكريم إلا بدراسته بسنة سيد المرسلين ، وهذه هي الربانية ،  فلا يمكن أن يكون بعدهم من يستعبد الناس بادعاء ما ليس له بحق . ولقد بلغ الأمر  ببعض الضالين تخصيص البشر بالسؤال  كما يسأل رب العزة ، من قبيل قولهم :  » يا سيدي فلان  » أو :  » يا علي  » أو  » يا حسين  » أو  » يا فاطمة الزهراء  » وما شابه ، وهم يستغيثون بمن لا يغيثهم، ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، ولا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا . وهذا السلوك  يعني اتخاذ الأنداد لله تعالى ، وهو ما ذمه القرآن الكريم في قوله تعالى : (( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله )) . ومن علامات استبدال حب الله عز وجل بحب الأنداد كثرة ورود ذكر الأنداد على ألسنة الضالين حيث لا يذكر الله عز وجل ، ولا رسوله كما يذكر هؤلاء الأنداد. ومعلوم أن محبة الله عز وجل اقترنت بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول )) . فمحبة الله تعالى تتجلى في فعل اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد وضحت الآية الكريمة دلالة الاتباع ، وهي طاعة الله عز وجل ، وطاعة الرسول صلى اله عليه وسلم ، ولا يكون ذلك إلا بالعودة إلى الكتاب والسنة  ، والتأسي برسول الله في ترجمة القرآن الكريم إلى سلوك يغطي كل نواحي الحياة . ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل أعلى لا  يمكن أن يبلغ أحد درجة أجرأته للقرآن الكريم ، ولكن الناس أمروا أن يحاكوه عسى أن  يحصل لهم ما يطيقون من استقامة لا يمكن أن تصل درجة استقامته عليه السلام ، خلاف ما يزعم المتجاسرون على كماله وسراجيته وغيثيته من الذين يبيعون آخرتهم بعرض الدنيا الزائل ، ويرضون بقول الناس  ، ويوم القيامة يقال لهم قد قيل  فادخلوا النار .  وأخيرا أكرر على  العلماء الصادقين المخلصين  أن ينهضوا بتصحيح الانحرافات بمناسبة الاحتفال بالمولد الشريف خصوصا بعد استفحال  بعض هذه الانحرافات التي تستغل السلطة والنفوذ والمال  لتكريس البدع والضلالات .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *