الوطن يريد من الشعب ……
الوطن يريد من الشعب ……
محمد شركي
طالما رفع شعار عندنا ، وعند غيرنا من الشعوب العربية في ربيعها : » الشعب يريد …. » و لكن لا أحد فكر في رفع الشعار المقابل لهذا الشعار : » الوطن يريد … ». والمؤسف أن وطننا يقع عليه الظلم الكبير من طرف أبنائه، حيث نسي الكثير منهم في غمرة المطالبة بالحقوق ما عليهم من واجبات. فالإضراب حق من الحقوق المضمونة ، ولكنه لا يمكن أن يكون على حساب الواجبات المضمونة أيضا ، لأن العلاقة جدلية بين الحقوق والواجبات. فمن طالب بحق مادي أو معنوي ، فهو في الحقيقة يطالب بمقابل واجب يقوم به ، ويكفي هذا شهادة على إقراره بما يجب عليه ، وبمسؤوليته أمام الله عز وجل ، وأمام الوطن . وأمام انسداد آفاق الحوار البناء بين الكثير من المسؤولين عن تدبير القطاعات العامة تحديدا، شاعت ظاهرة الإضرابات المتواصلة أو شبه المفتوحة ، وتقلصت أيام العمل إلى يوم أو يومين في الأسبوع ، واستمر هذا الوضع غير الطبيعي مددا طويلة جعلت الإضراب الذي هو استثناء قاعدة ، والعمل استثناء. وأمام شيوع ظاهرة الإضرابات المتواصلة انفلتت الأمور شر انفلات ، وصار الموظفون لا يضبطهم ضابط قانوني أو خلقي حيث يحضرون أو يغادرون مقر أعمالهم متى شاءوا وأنى شاءوا في غياب الرقابة المطلوبة قانونيا . ولقد اختلط الحابل بالنابل والدارع بالحاسر كما يقال فيما يخص الفئات المضربة في القطاعات العمومية ، ولم يعد بالإمكان التمييز بين الإضرابات ولا بين الفئات التي تمارسها. ولا يكاد يمر يوم دون إضرابات أمام المرافق العمومية حتى أن الإضرابات فقدت نكهتها ومذاقها ، ولم تعد تعني شيئا عند المواطن العادي الذي صار يسأل عن أيام العمل من أجل قضاء مآربه. ولقد صارت هذه المآرب تقضى في أول أيام الأسبوع وآخرها . والخاسر الأكبر أمام هذه الوضعية هو الوطن . ومعلوم أن خسارة الوطن هي خسارة الشعب برمته. فكل دقيقة عمل تضيع ستصير في المستقبل سنوات من العجز الذي لا يمكن تعويضه . ولا يجب أن يفهم من كلامي هذا بأنه إدانة للمطالبة بالحقوق ، أو لممارسة حق الإضراب من أجل نيل هذه الحقوق ، بل هو تنبيه لواجب الوطن على الجميع سواء المسؤولين الذين يصمون الآذان أمام المطالبة بالحقوق ، أو ذوي الحقوق الذين يردون على صمم المسؤولين بالإضرابات المتواصلة أو شبه المفتوحة . فمن المعلوم أن للمطالب سقف غالبا ما يكون مرفوعا ، وبالحوار يتم التوافق على سقوف دون السقف المرفوع ، مع وعود ببلوغ السقف المرفوع بمرور مواعيد معلومة . وسيرورة الحوار بهذا الشكل تعني وجود الحوار البناء والمعقول بين المسؤولين والشغيلة . أما انسداد آفاق الحوار بين الطرفين فيعني تعريض مصلحة الوطن للضياع ، لأن تجاهل المسؤولين لمطالب الشغيلة ، ورد الشغيلة على هذا التجاهل بالإضرابات المتواصلة وشبه المفتوحة يعني أن الجميع يعبث بمصالح الوطن مع احتفاظ كل طرف بحق التذرع بذرائعه. والوطن اليوم ، وفي هذا الظرف بالذات يريد من الشعب كحد أدنى القيام بالواجب ، وكحد أعلى نكران الذات من أجل الوطن. فرفعة وازدهار الوطن إنما يعنيان رفعة الشعب وازدهاره . والحرص على المصلحة العامة فيه صيانة للمصالح الخاصة ، لأن الوطن عبارة عن سفينة يركبها الشعب ، وتمخر عباب البحر بالجميع ، ولا يمكن أن يحصل ذلك إلا إذا ساهم الجميع في حركة السفينة. أما إذا تقاعس البعض عن القيام بدوره في حركتها ، وقلدهم الباقي ، فإن هذه السفينة ستظل راسية في مكانها ، أو تتقاذفها الأمواج بغير وجهة معلومة ولا قصد ، أو ربما تسرب إليها الماء بفعل تخريب من يركبها ،فكان ذلك سببا في غرقها وهلاك كل من على ظهرها . وربما كانت أشكال الإضرابات التي تصون السير العادي للصالح العام هي الأجدى والأنفع خصوصا إذا ما لعب الإعلام النزيه ، وغير الموجه دورا فعالا في مصاحبتها باستمرار لفضح الأطراف الرافضة للحوار البناء والهادف من أجل أن تتكافأ كفتا الحقوق والواجبات في المرافق العامة . فهل سيسمع شعار « الوطن يريد من الشعب …. » ، أم أن الشعار الوحيد الذي سيظل مرفوعا هو فقط » الشعب يريد …. » علما بأن إرادة الوطن من إرادة الشعب .
Aucun commentaire