من أجل تربية أكثر اهتماما بالخيال
الخيال واحدة من أسمى وأرقى الملكات
الإنسانية وأكثرها تهميشا ومظلومية
…الظاهرة الخيالية ظاهرة إنسانية
بامتياز فلا وجود له عند غيره من
الكائنات حتى أننا نستطيع ربطه
بالوجود وأن ننسج على غرار كوجيطو
ديكارت الشهير مقولة أنا أتخيل إذن
أنا موجود…
لا يحظى الخيال في واقعنا المعيش
بقيمة إيجابية ولا يتحدث عنه إلا
كمرادف للتفكير الذي يجانب الواقع
والحقيقة ، وترديد شخص ما لأفكار
خيالية تجعل أصابع الإستفهام موجهة
نحوه متهمة إياه بفقدان الصلة
بالواقع وربما في حالة الإكثار منها
الإصابة بالخبل والجنون …
ما يجهله الكثير منا هو العلاقة
الوطيدة بين الإبداع والخيال
،فالإبداع لا وجود له خارج مملكة
الخيال ..قبل أن يكتشف الإنسان
الطائرة ويطير في الفضاء ، سيطرت
فكرة الطيران الخيالية على تفكير
الإنسان لمدة طويلة وقادت « عباس بن
الفرناس » إلى صنع أجنحة وتجريب ما
إذا كانت قادرة على حمل جسده الثقيل
وترجمة حلم الطيران على أرض الواقع
…إنه لا يناقض العلم كما قد يظن بل
هو دليله ومرشده ولولاه ما وصل
العلم أبدا إلى تحقيق منجزاته
الباهرة …إضافة إلى استحالة تصور
وجود إبداع فني وجمالي دون خيال …إن
مملكة الخيال أوسع وأرحب من الواقع
،هذا الأخير الذي ترسم حدودة بإحكام
يبقى ضئيلا ومحدودا مقارنة مع الافاق
الرحبة واللامحدودة لعالم الخيال .
هل نربي أطفالنا على الخيال ؟ كلا .
فداخل الأسرة إن استثنينا بعض
الألعاب الخيالية التي يتقمص فيها
الأطفال أدوار شخصيات معينة ، فإن
سائر الأفكار الخيالية غالبا ما
تجابه بقمع واستهجان ،ويرغم الطفل
على الرجوع إلى « جادة الصواب »
والإكتفاء بتقليد و محاكاة النماذج
الفكرية السائدة وعدم تجاوز حدودها …
نكاد لا نجد أثرا للخيال في مدارسنا
…إنه مثال حي على قصورها وجمودها
وانغلاقيتها ، وتسببها بسبب تعطيلها
لملكات العقل الأسمى مثل الخيال ،
والإبداع والإبتكار …في شل وإعاقة
قدراتهم وحبسها بدل كشفها وتفجيرها….
تستقبل المدارس الأطفال
وهم في فترة نمائية يكونون فيها
أكثر قدرة على التخيل . فقبل عمر
6سنوات يكون خيال الطفل محدودا في
نطاق البيئة التي يعيشون فيها ، ويتجه
بعد هذه السن وحتى حدود التسع سنوات
نحو طابع أكثر تجريدا وتجاوزا للواقع
…ويتخذ أشكالا أخرى بعد هذه السن .
الطفل يحتاج إلى المخيلة كي يفهم
ويستوعب المعلومات والأفكار المختلفة
،مما يعني أن تنمية قدرات هذه
المخيلة هو تطوير للذكاء وتسريع
لوثيرة التعلم والتحصيل الدراسي …
إن تطوير وتحديث النموذج البيداغوجي
يجب أن يولي عناية فائقة للخيال ،أن
يكون غاية في حد ذاته وليس الإستعانة
به كوسيلة في نطاقات محدودة .على
المدرس أن لا يواجه إجابات تلامذته »
الغريبة » و »المجانبة للواقع » في نظره
بالتحقير ، وتعليم التلاميذ التفكير
في نطاق ضيق محدد سلفا ،ورفض مسبق
لإجابات وأنشطة التلاميذ الخارجة عن
هذا النطاق …تطوير خيال الطفل هو
اعتراف بذاته وأحد أهداف التربية
النبيلة ، من الواجب على المدرس أن
يضعه نصب عينيه ،والإهتمام به هو فتح
لنوافذ التهوية و التخفيف من الجو
المختنق داخل فصولنا الدراسية ، لكن
ذلك لا يعني أننا ننكر أن أزمة
الخيال التربوي هو أزمة منهاج دراسي
ككل …
Aucun commentaire