لا إكراه في الدين ولكن لا ردة بعد الإسلام
كثيرا ما يحاول البعض التذرع بقول الله عز وجل : (( لا إكراه في الدين )) من أجل المروق منه ، وارتكاب ما نهى الله عنه . فقول الله عز: (( لا إكراه في الدين )) ينطبق على الذين لم يدخلوا بداية فيه ، حيث لا يجبرون عليه ، وهو دين يحاور العقل من أجل إقناعه ، ولا يستميل العاطفة من أجل التأثير فيها . أما الذين يختارون الإسلام عن قناعة فلا يحق لهم بعد ذلك تبرير مروقهم منه بموجب آية : (( لا إكراه في الدين )) لأن الأمر في هذه الحالة سيتحول إلى عبث. فالإنسان في الإسلام يعرض عليه هذا الدين ، ويدعوه إلى الإيمان بالحكمة والموعظة الحسنة . والحكمة هي الرأي الصائب الذي لا هامش معه للخطأ ، والموعظة الحسنة هي الموعظة التي تدعمها الأدلة القاطعة التي لا ريب فيها ، وهذه الأدلة هي المؤشر على حسن الموعظة ، خلاف ما يعتقد البعض من أنها الطريقة اللينة في الدعوة فحسب ، ذلك أن الأسلوب اللين في الموعظة تحصيل حاصل ، إذ لا يقبل بشر مهما كان أن يدعى إلى أمر بأسلوب عنيف ، ولكنه أيضا لا يقبل الدعوة إلى هذا الأمر دون حجج أو براهين مقنعة . وبعد اقتناع الإنسان بالدخول في الإسلام بواسطة هذه الحجج والبراهين الدامغة ، لا يعقل أن يرتد ويضرب عرض الحائط الحجج والبراهين التي أقنعته بالدخول في الإسلام أول مرة بذريعة ألا إكراه في الدين ،ذلك أنه يواجه هو نفسه تناقضا صارخا مع نفسه ،إذ كيف يقتنع أولا بالإسلام ثم يرتد أو ينقض اقتناعه .والمنطق السليم ألا تنقض الحجة إلا بالحجة، وإلا تحول الأمر إلى ما يشبه السفسطة التي تثبت الشيء ونقيضه ، وتوقع العقل في العبث . ولقد أصبح المروق من الدين يأخذ عدة أشكال عندنا ، وأشهرها تعطيل أحكام الشرع عن عمد وسبق إصرار من قبيل تعطيل العبادات وأشهرها الصلاة ، والزكاة ، والحج .وفي السنين الأخيرة بدأت الدعوات المتجاسرة على تعطيل الصيام أيضا جهارا نهارا .
فكثير من الخلق لا يؤدي فريضة الصلاة التي لم يرخص فيها لأحد حتى في حالة المرض. وكثير من الخلق لا يزكي مع بلوغ ماله النصاب ودوران الحول عليه . وكثير من الخلق لا يؤدي فريضة الحج مع توفر الاستطاعة . وقليل من الخلق يطالب بالإفطار في رمضان. وحجة كل هؤلاء قول الله تعالى : (( لا إكراه في الدين )) مع أن موقف الإسلام من المحسوبين عليه إذا ما عطلوا فريضة من الفرائض أن يستتابوا ، فإن لم يفعلوا شملهم قانون التعزير لأنه لا ردة بعد الإسلام، كما أنه لا إكراه في الدين . فهذه أشكال من الردة لا يجرؤ أصحابها على الردة باللسان ، ولكنهم يجرؤون عليها بالحال فيعطلون الفرائض الواجبة عمدا ، وهم يحسبون على العصاة الواجب استتابتهم بظاهر أقوالهم ، وإلا فهم مرتدون بالحال . وقد يعد المعطلون للفرائض مجرد عصاة إذا ما تعلق الأمر بالتعطيل تكاسلا . أما إذا ما كان وراء التعطيل عقائد مخالفة لعقيدة الإسلام فالأمر ينتقل من المعصية إلى الردة . فبعض الناس ينكرون أمورا من الدين بحكم معتقداتهم المخالفة لعقيدة الإسلام من قبيل رفض أنصبة الإرث بالنسبة للمرأة ، ومن قبيل الولاية في الزواج ، ومن قبيل تعدد الزوجات ، ومن قبيل لباس المرأة المسلمة إلى آخره … فهؤلاء لا ينطبق عليهم حكم شرب الخمر والزنا والميسر…معصية ، لأن شارب الخمر أو الزاني لا يفعل كل منهما ذلك حين يفعله وهو مؤمن ، ولكن لا ينتفي عنه الإيمان جملة، بينما المنكر عن عمد وسبق إصرار لحكم من أحكام الشرع الإسلامي ينتفي عنه الإيمان جملة وتفصيلا حتى يتوب إلى خالقه ، ويقر من جديد بما أنكر من شرعه . وإذا مات على إنكاره فحكمه حكم المرتد لا محالة . وكم من خلق عندنا يعلن في وسائل الإعلام وبتجاسر عن إنكاره لحكم من أحكام الشرع ، وأكثر من ذلك يتطاول على أمور الدين دون اختصاص ، ويركب غروره ، فيخيل إليه أن مبلغه من العلم في تخصص من التخصصات العلمية التي لا علاقة لها بالدين تخول له الخوض في أمور الدين أيضا، من قبيل إنكار أستاذ للفلسفة مثلا للباس المرأة الشرعي من خلال برنامج بدون حرج على قناة ميدي 1 سات . وليس هذا الأستاذ الحالة الوحيدة بل تعاقب على هذا البرنامج العديد ممن خاضوا في أمور الدين بجهل فاضح ، وأنكروا من الدين ما يستوجب فيهم حكم الردة والاستتابة . والذين يركبون قول الله عز وجل : (( لا إكراه في الدين )) يتجاهلون لا ردة بعد الإسلام كما نقل لنا ذلك التاريخ الإسلامي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث خاض الخليفة الراشد الأول رضوان الله عليه ما يسمى حروب الردة انطلاقا من نصوص القرآن ونصوص الحديث المانعة للردة. والغريب في أمر المتجاهلين لحكم الإسلام في الردة أنهم يرفضون الردة في العلمانية والديمقراطية… وما شابه من العقائد البشرية
. فالغرب العلماني بزعامة الولايات المتحدة ودول أوروبا لا يقبل الردة في علمانيته، بل هو يخوض حربا على غرار حروب الردة في صدر الإسلام من أجل تثبيت علمانيته . وما كل هذه الحروب خصوصا في البلاد العربية والإسلامية إلا من أجل علمنتها ، ومن أجل عولمة هذه العلمنة . والغرب يعتبر مرتدا عن عقيدته العلمانية كل من اختار غيرها منهاجا في حياته . ولقد قامت دنيا الغرب ولم تقعد بسبب نموذج إسلام طالبان في أفغانستان ، ولم تهدأ عين الغرب حتى جيش الجيوش لغزو أفغانستان بسبب ذلك . وإسلام طالبان بالنسبة للغرب عبارة عن ردة يجب أن تحارب قبل أن تسوق في باقي الأقطار الإسلامية . والغرب لا يدين تدين طالبان المحسوب على التطرف وحده ،بل يدين كل تدين حتى لو كان مما يسمى اعتدالا ، لأنه يتضمن أحكاما تعد في عرف العلمانية الغربية ضد حقوق الإنسان من قبيل الحدود كحد الزنا والخمر والسرقة ، ولباس المرأة ونصيبها في الإرث ، والولاية عليها في الزواج ، وتعدد الزوجات …. إلخ . فمع أن هذه الأمور لا علاقة لها بنموذج طالبان، إذ قد يصيب طالبان وقد يخطئون في التعامل مع هذه الأمور، فإن الغرب لا يميز بين طالبان ، وبين من يلتزم بما شرع الله عز وجل وفق الشروط المطلوبة شرعا . والعلمانيون عندنا وهم نسخ ليست طبق الأصل للعلمانيين في الغرب، بل هم نسخ أقبح يحاولون جاهدين تمرير الردة عن طريق المطالبة بالديمقراطية وحرية التفكير والتعبير . وهم يستميتون من أجل عدم وقوع الردة في العلمانية المسلحة بشعارات الديمقراطية والحداثة والحرية…. وما إلى ذلك من الشعارات، بينما يبيحون الردة في الإسلام ، ويتحولون فقهاء وإلى أصحاب فتاوى يؤولون قول الله عز وجل : (( لا إكراه في الدين )) حسب أهوائهم من أجل تبرير ردتهم ، وأحيانا بأساليب يسميها الإسلام نفاقا ، وهي إظهار عكس ما يبطنون،علما بأن العلماني الحقيقي أو القح يجب أن يكون خالص العلمانية ، ولا يخادع نفسه أو غيره بادعاء الانتماء للإسلام وهو لا يجيد وضوءا ولا هو يصلي، ولا هو يصوم ، والخمر لا تفارقه ، والزنا ديدنه ، إن لم يكن عمل قوم لوط دأبه …. ومع ذلك يتحول إلى عالم وصاحب فتوى ينكر الشرع كما هو حال الذين لا يجدون حرجا في برنامج بدون حرج على قناة ميدي 1 سات في غياب تام للوزارة الوصية عن الشأن الديني ، وفي تناقض صارخ مع كون الإسلام دينا رسميا في المغرب .
Aucun commentaire