الغرب بزعامة الولايات المتحدة يصر على قطف زهور الربيع العربي قبل أن تفوح منها الرائحة
من المعلوم أن عبارة » الربيع العربي » مقتبسة من قاموسنا اللغوي والثقافي العربي إذ تقول العرب : ربع الرجل ،إذا ولد له وهو في شبيبته تمثلا بما يحصل في فصل الربيع ، وهو فصل يحيي الله عز وجل فيه الأرض بعد موتها . وبالفعل لقد مرت الأمة العربية بفترات موات طويلة سواء بعد ضعف الخلافة العثمانية ،أو خلال فترات الاحتلال الغربي في القرن التاسع عشر ، أو بعد استعادة استقلالها الصوري ، وبقائها تحت الاحتلال من كل نوع . وبعد فترات قحط طويلة كلها استبداد ،وظلم ، وفساد مكن للاحتلال الصهيوني في بلادنا ، وأعاد من جديد الحملات الاستعمارية الغربية بذريعة محاربة الإرهاب ، وهو مصطلح طبخ في كواليس اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ، ودول أوروبا الغربية ،وخلط بين المقاومة العربية والإسلامية الشريفة النظيفة ، من أجل استئصال شأفة الاحتلال الصهيوني المستنبت في قلب الوطن العربي والإسلامي وبين الإجرام . ولقد حرص الغرب بشقيه الرأسمالي والشيوعي قبل انهيار هذا الأخير على تقسيم الوطن العربي والإسلامي طمعا في ثرواته ، وأدير من أجل ذلك صراع مسرحي بين الشقين ، واتخذ كل شق أنظمة تابعة له في الوطن العربي والإسلامي . وحكمت الشعوب العربية والإسلامية بيد من حديد وبالنارفي ظل هذه الأنظمة المصنوعة والمطبوخة طبخا يخدم الغرب بشقيه في نهاية المطاف . وسامت هذه الأنظمة الفاسدة المستبدة شعوبها الخسف أكثر مما سيمت خلال فترات الاستعمار الغربي في القرن التاسع عشر. وبعد قحط فترات من الاستبداد حول البلاد العربية والإسلامية إلى يباب شاءت إرادة الله عز وجل أن يحين وقت الربيع العربي والإسلامي مع جيل لم يستسغ الفساد والظلم والاستبداد . وكانت انتفاضة الشباب العربي من وحي الانتفاضات الفلسطينية التي أسقطت أقنعة العدو الصهيوني ، وأقنعة الغرب ، وأقنعة الأنظمة العربية الفاسدة . وكانت الانطلاقة من تونس حيث كانت تجارب الغرب لصناعة الأنظمة البوليسية المستبدة في كل الوطن العربي لقمع شعوبه . ومعلوم أن العنف يولد العنفوان ،لهذا كانت الانطلاقة من البلاد التونسية التي كان الاستبداد فيها قد طفح كيله . ومباشرة انقل الربيع العربي من يباب تونس إلى يباب أرض الكنانة ، وقفار ليبيا ، وصخر اليمن ، وربوع الشام ، وباقي ربوع الوطن العربي شرقا وغربا . وأمام عنفوان الربيع العربي لم يجد الغرب بزعامة الولايات المتحدة بدا من التخلي عن الأنظمة العربية الفاسدة التي صنعها صناعة خاصة من أجل أن يحصل له التمكين في البلاد العربية . وسارع الغرب إلى التظاهر بتبني الربيع العربي ، والحقيقة أنه إنما قصد قطف زهوره ، قبل أن يفلت منه زمام التحكم في الوطن العربي ، وتنهار أسطورة دولة إسرائيل التي لم ينجح الغرب في استنباتها في بيئة غريبة عنها بالرغم من السلاح والنار، والجدران الإسمنتية ،والخرسانة المسلحة ، والخيانة ،وما لم يسبق تجريبه من خبث غير مسبوق ، ومن كيد عظيم . وأوعز الغرب إلى أنظمته الفاسدة بالصمود أمام عنفوان الربيع العربي ، ورخص لهم استعمال الأسلحة ضد الشعوب العربية ، وهي أسلحة كان يحرمها عليهم ضد الكيان الصهيوني ضد رغبة الشعوب العربية المعانية من آثار النكسات،وهزائم الجيوش العربية الذليلة أمام العدو الصهيوني . وكانت هذه هي خطة الغرب من أجل حمل الربيع العربي على الاضطرار إلى اللجوء إليه أمام انفراد الأنظمة المستبدة به . وكان للغرب ما أراد حيث وصل إلى زهور الربيع العربي وجعلها رهن إشارته ، وفي قبضة يده. وهكذا هيأ الغرب ظروف سقوط الأنظمة الفاسدة بعدما تأكد من أنها ساقطة لا محالة ، واستبق الأحداث قبل أن تصير الأمور إلى الشعوب العربية ، وتختار حكامها منها وإليها، فيفقد الغرب الساحة العربية ، وهي بقرة حلوب. وهيأ الغرب فرار من شاء من الحكام المستبدين بثروات إلى الربوع العربية الواقعة تحت سيطرة الجيوش الغربية الحامية لمصادر الطاقة ، وفيها الأنظمة التي لا ترفع رأسا أمام إملاءات الأجندة الغربية . وهيأ الاعتقال لمن شاء من الحكام المستبدين من أجل حبك المسرحيات الهزلية ، كما هو الشأن في أرض الكنانة، التي أسقط فيها برأس النظام ، وأبقي على النظام برمته كما كان. ولا يستبعد أن يكون الرأس الساقط لا زال يدبر شؤون أرض الكنانة ، ويسخر من براءة شعبها المسكين . والمؤشرات على ذلك شهادة مشير الرئيس في الرئيس الذي يتمدد على سرير المحاكمة امتداد الدلع، وهي ظاهرة لم يشهدها التاريخ مثلها ، ونجله يرفع أصبعه بإشارة ساقطة إثر شهادة المشير في أبيه على طريقة عديمي الأخلاق ضد شعب ضحية برمته . وهيأ الغرب مسرحية القط والفأر لديكتاتور ليبيا الذي اختفى اختفاء جن سليمان هو ونجله الوقح وعديم الأخلاق كمثيله المصري ، واللذين تعلما الوقاحة في قصور الاستبداد ، وكانا قاب قوسين أو أدنى من وراثة الاستبداد والفساد ، والحركات الشاذة التي تعلماها في ماخورات القصور المنتنة. فالغرب الذي استطاع الوصول إلى من سماهم رموز الإرهاب في جبال باكستان ، وصخور اليمن أعجزه معرفة اختباء الجرد أبي الجرذان في ليبيا . وهيأ الغرب تطبيب فاسد اليمن في أوكار الخليج حيث قواته الجاثمة على شبه الجزيرة البائسة ، كما هيأ عودته من جديد ليعيث في اليمن فسادا . وسكت الغرب عن كل فساد في الوطن العربي يخدم مصالحه . وكل ذلك من أجل قطف زهور الربيع العربي . وصارت المجالس العسكرية ، والمجالس الانتقالية والوسطاء من الأنظمة الفاسدة التي لا زالت قائمة أدوات ووسائل الغرب للالتفاف على الربيع العربي . وطاف سماسرة الغرب بالبلاد العربية لاشتراط نوع الأنظمة التي سيسمحون بها بعد الربيع .ولا زال الغرب يتذرع بمحاربة الإرهاب خصوصا في البلاد العربية التي أزهرت فيها زهور الربيع .والغرب يحرص على أن يلصق بالربيع العربي تهمة إيواء الإرهاب ، ومشاركة هذا الإرهاب فيه ، من أجل الوصول إلى قطف أزهاره بيسر وسهولة عن طريق الالتفاف الذكي والخبيث .وهكذا يستغل الغرب مرة أخرى ذريعة محاربة الإرهاب من أجل تحويل الحراك العربي عن مساره الذي يتمثل في محاربة الفساد والاستبداد، علما بأن الذي خلق ما يسمى الإرهاب هو هذا الفساد وهذا الاستبداد . فكيف يزعم الغرب أن للربيع العربي علاقة بالإرهاب، مع أن هذا الربيع كشف تهافت خرافة الإرهاب ، وأثبت أن التغيير إنما يكون بالتظاهر السلمي لا بحمل السلاح ، وسحب البساط من تحت أقدام الأنظمة المستبدة ، ومن تحت أقدام الغرب على حد سواء . والمضحك والسخيف أن نفس الحراك العربي مرة يتهم باحتضان الإرهاب ، ومرة ثانية يتهم بأنه يطبق الأجندة الغربية . فالحراك السوري يتهمه النظام السوري المستبد بأنه ينفذ الأجندة الغربية . والحراك الليبي تحوم الشكوك الغربية حول احتضانه لما يسمى الإرهاب ، وفي نفس الوقت يتهم بتنفيذ الأجندة الغربية عند الموالين للنظام الفاسد الساقط .إن الغرب تعامل مع الربيع العربي على أساس أنه ربيع أغرار دون سن الرشد ، لهذا سلط عليه عناصر من نفس الأنظمة الفاسدة لتتولى أمره التي يرفضها الربيع العربي ، ليظل الوضع على ما كان عليه ، ولتظل الساحة العربية رهن إشارة الغرب ، وليظل الحلم الصهيوني قائما في قلب الوطن العربي النابض . وهذا نجح الغرب في تشكيك أبناء الوطن العربي في ربيعهم . فلا زال مشير النظام المصري المنهار هو نفس المشير في الربيع العربي . ولا زال عجوز النظام التونسي هو عجوز الربيع العربي . ولا زال جرد ليبيا يصول ويجول ، ويخوض حربا على طريقة رعاة البقر في الصحراء . ولا زال الحاكم العشائري في اليمن يحتمي بعشيرته . ولا زال ابن ا الدكتاتور السوري يتصرف في سوريا باعتبارها الضيعة التي خلفها له أبوه كما يشاء . ولا زالت دار عربان على حالها ، وأعتقد أن الربيع العربي كان مجرد حلم عابر،لأنه ربيع بلا زهور ، أو بزهور سارع الغرب إلى قطفها قبل أن تفوح منها الرائحة .
Aucun commentaire