أسلمة السياسة وأنسنة المناصب
طاقي محمد
إن جوهر المقاصد الشرعية للدين الإسلامي هو جلب المصالح للناس ودرأ المفاسد بما يتعلق تقرير المصلحة في الدارين كما عبر بذلك عنه المقاصدة في القديم والحديث. ويسعى التشريع عموما في مصالح العباد بما يوصل الخير والسعادة لهم.
ولقد بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام سيرته كنبي وعاش رسولا ومات قائدا، لأنه بعث نبيا في البدء أخفى رسالته إلى أن أذن الله له بالجهر يبلغها للناس، ثم انتهى بقيادة الأمة قدوة وأسوة وحنكة في التدبير والتسيير.
فالقرآن والسنة هما المشروع الفكري لكل سياسي مسلم، فلا يحيد عنهما إلا غافل أو جاهل. وبمضامين النصوص فيهما يتعامل كل من كانت عقيدته هي الإسلام. هذا الدين الذي يجعل من كل فرد مارس السياسة أو مقبل على ممارستها إلا أن يكون سياسيا خلوقا وسياسيا متواضعا وسياسيا ثقة وسياسيا وفيا وسياسيا مخلصا وسياسيا مضحيا وسياسيا نزيها.
فالسياسة بدون أخلاق كالبئر بلا ماء، وما من دلو أريد ملؤه صدح بالهواء كالعبيب بلا بربرة، فهو كالدلو بلا ماء. أما السياسة بلا نزاهة فهذا صنع من أتى بعجائب السوء والشرور.
فالسياسة أساسها حسن التدبير والحكم بالإنصاف والعدل في الأمور كلها وغربلة ما يليق من صالح الأعمال مع الصدق في التسيير. وهذا في الصلب دعوة ودولة.
فإذا كان الدين كله خص للاقتصاد جانبا من الأحكام المالية، وخص للقيم جانبا من الأحكام الأخلاقية، وخص للروح جانبا من الأحكام التعبدية، وخص للمجتمع جانبا من الأحكام الشخصية، وخص للسياسة جانبا من الأحكام التشريعية فهذا هو بناء تكامل الأحكام بموازاة تكامل التخصصات.
إن الذي ينكر تكامل أحد هذه المرتكزات يؤكد النقص في اكتمال الشرائع. وإن الذي يعمل بغير ما أنزل فيها من تعاليم يؤكد سوء الأدب. وهذا منتهاه الإنكار. وحاشا للتشريع الإسلامي أن يكون ناقصا، ومن أنكر جزءا منه في جانبه السياسي كمن أنكر كله. وإن سوء تدبير المسلمين في السياسة من سوء أعمالهم إزاء الفهم الناقص والتنفيذ البائس.
وإذا أحكمنا هذه المعاني فإن النتيجة الملحة تأخذنا إلى إعادة الاعتبار بما يسمى أسلمة السياسة مما شابها من علمنة وتفسيد وكفر، ولاشك أن السياسة اليوم غدت أداة للوصولية ومسعى كل انتهازي ومرأب كل فاسد، متأثرة بهذا التدنيس والتشويه وأصبغت عليها مفاهيم المسخ. فلا تكاد أن تجد من بياض العامة الذي يفهم الفهم السليم بأن السياسة هي الوعاء، ولا دخل للسياسة كنطاق وأداة ووعاء وهذه جميعها إذا ما أسيء استعمالها فإنها مفضية إلى النتائج المسيئة للفعل السياسي. وهنا يتم التمايز بين الفعل والآلية وكذا الفكر، وضرورة التلازم فيما بينها هي التي تحتم الالتباس.
فالسياسة فكر ثم فهم وعزم، ووراء الأفهام تنبثق الثمرة السيئة أو الثمرة الطيبة. لا غرو الآن أن نرى تدنيسا للفكر السياسي ثم الفعل السياسي وبعدها العزم والتطبيق، وسبب هذا كله هو القطيعة بين الأخلاق والسياسة باعتبارها فن الممكن والضرورة التي تبيح المحظور في مزاولتها.
وشأن التخليق السياسي هو المربط لشؤون أحوالنا وذلك بتقييد المناصب من خلالها، فلا سياسة ما لم تحكمها الأخلاق، ولعل مصائب ومفاسد السياسة من مفاسد القيم ومعضلات بيئاتنا الثقافية. مخطئ من يرهن التغيير بتغيير النظام السياسي، لأن البيئة التي صنعت النظام هي نفسها من صنيع المجتمع، والأساس نابع من جذوره الثقافية والأخلاقية وهو الذي يطبع المجتمع ويطبع الجو السياسي كذلك.
لكن ما لم نحدد داء المعضلات سنبقى نخبط خبط السمكة في الوحل لا هي تتنفس تحت الماء ولا هي حية فوق الطين.
Tagui19@hotmail.fr
1 Comment
jazaka alah koll khayr