الوضع السائب يشجع الناس على الفوضى
من الأمثال السائرة في الناس قولهم : » المال السائب يعلم الناس الحرام » وقياسا على هذا المثل السائر يصح القول : » الوضع السائب يشجع الناس على الفوضى » وهذا هو واقع الحال منذ أن عرفت بلادنا الحراك الوطني الشعبي المناهض للفساد والمطالب بالإصلاح . فالحراك في حد ذاته حق ، ولكن استغلاله من طرف جهات عدة حوله إلى حق أريد به باطل. ولعل الذين يستغلون هذا الحراك من أجل مصالح شخصية ضيقة يسيئون إلى الأمة شر إساءة ، ذلك أن الأمة عندما خرجت إلى الشارع إنما حركها هدف نبيل شريف وعظيم وهو محاربة الفساد في كل أشكاله ، وإرساء الإصلاح بكل أشكاله . أما أن يركب الحراك من طرف بعض الجهات لتعويض فساد بفساد فإن ذلك يعد إجهازا على هذا الحراك. والملاحظ بعد تاريخ الحراك أن الوضع عندنا يسير بوتيرة سريعة نحو التسيب حيث صار شغل بعض الناس الشاغل هو التجمهر العشوائي ، وتعطيل المصالح العمومية ، والمبالغة في الإضرابات التي انتقلت من المستوى الوطني إلى المستويات الجهوية والإقليمية بل إلى مستوى زنقة زنقة وبيت بيت وفرد فرد على حد تعبير طاغية ليبيا. ففي كل يوم تقف طوابير مختلفة أمام هذا المرفق العمومي أو ذاك تريد إسقاط شيء ما . فإذا كانت الحراكات العربية الواعية قد رفعت شعار إسقاط أنظمة فاسدة ، فإن هذا المطلب قد ابتذل حين صار يرفع ضد كل شيء وصار استعماله ممجوجا يثير الغثيان فصار البعض يريد إسقاط كل شيء . وصارت كل الحراكات العشوائية الهامشية عبارة عن إفساد للحراك الوطني الذي حمل الجهات المسؤولة على التفكير في المشاريع الإصلاحية الكبرى بجد قياسا على جدية الحراك ووزنه وقيمته. أما عندما عمت الحراكات الهامشية ذات الطابع الفئوي أو الطائفي أو بعبارة أدق الحراكات المصلحية والانتهازية العبثية فالنتيجة الملحوظة هي الوضع السائب الذي أغرى الناس بالفوضى وشجعهم عليها. فبعض الناس دخلوا في إضرابات مفتوحة غير مبالين بالصالح العام المعرض للضياع بسبب ذلك .
وبعضهم الآخر استغل توجس الدولة من الحراكات فأمعن في نشر التسيب في الأماكن العامة كما هو شأن الباعة المتجولين على سبيل المثال لا الحصرمن أصحاب العربات التي تجرها الحيوانات أو التي تدفع بالأيدي ، والذين انتشروا في كل مكان ، وكل واحد منهم يظن نفسه بوعزيزي تونس مع أنه لا مجال للمقارنة مع وجود الفارق دون أدنى التفات إلى شعب كامل يعاني من انتشارهم العشوائي وعرقلتهم لحركة المرور حتى أن وسائل النقل العمومي والخصوصي على حد سواء لا تجد ممرات بسبب عرباتهم التي تسد كل المنافذ والشوارع ، وهو أمر يتسبب في تأخر وصول الناس إلى أعمالهم وإلى دراستهم بل قد لا تستطيع سيارات الإسعاف الوصول بالمرضى والمصابين إلى المستشفيات بسبب فوضى السير والمرور لأن السادة الباعة المتجولين يهددون النظام في البلاد . كما أن حركة الإضرابات المتواصلة ألحقت أضرارا كبيرة بمصالح الناس المعطلة خصوصا الإضرابات في قطاعات حيوية وحساسة ، إنها الفوضى بامتياز ، وإنه التسيب في أقصى حدوده. فما لمثل هذا الوضع قام الحراك الوطني ، وإنما قام من أجل الخروج من حالة التسيب التي فرضها الفساد الإداري إلى حالة النظام الذي يفرضه الإصلاح. أما استبدال فساد الإدارة بفساد المجتمع فهو بمثابة الاستجارة من النار بالرمضاء كما يقال. وأمام هذا الوضع المتردي لا بد أن يتدخل المسؤولين عن الحراك الوطني لتخليقه ، ومنع انحرافه نحو التسيب والفوضى العارمة التي لا معنى لها . ولا بد أن يكون الحراك حراكا حضاريا ومنضبطا ومسؤولا لا يسمح بالانتهازية والوصولية واللصوصية والغش والتهاون والسطو ، ولا يقبل الإضرار بالصالح العام ولا بتعطيل المصالح ، ولا يسمح بالتخريب والتدمير ، ولا يكون سببا في عنت الأمة يسبب لها المشقة اليومية. وإنه لمن المؤسف والمحزن أن تنتشر عصابات الإجرام التي تسطو على ممتلكات الناس جهارا نهارا تحت شعار الحراك الوطني أو باسمه ، أو تركبه لتهديد الدولة من أجل أن تنفرد بالمواطنين وتعتدي عليهم وعلى ممتلكاتهم.
فلا بد أن يظل الأمن أمنا لأن الحراك الوطني إذا كان حضاريا فالأمن غير معني به ، وقد شاهدنا نماذج لهذا الحراك الحضاري الذي لم يستدع وجود أمن . أما الفوضى التي يشيعها البعض من باعة متجولين أولصوص أوبلطجية على حد التعبير المصري فأمر يقتضي وجود أمن صارم لأن الأمن هو مكسب للأمة كلها ، وهو أمن وطني يحرس الوطن ، ويفرض النظام بقوة القانون ، ولا يمكن لأحد أن يكون فوق القانون ، ولا يمكن للحراك الوطني أن يخرج عن إطار القانون لأنه إنما يحاور المسؤولين بقوة القانون لا بقوة التهديد بالفوضى وإشاعة التسيب . ولن يشجع الوضع السائب إلا على الفوضى.
Aucun commentaire