النظرة العامية للفلسفة
كانت مادة الفلسفة و لا تزال و ستبقى أم العلوم بلا منازع من الأزل إلى الأبد رغم الحصار و التهميش الذي طال هذه المادة منذ مغامرة العقل الأولى مرورا بالديمقراطيات العريقة كالصين و الهند و الحضارات الشرقية القديمة لكن مع ذلك لا تخلو هذه التجارب الإنسانية من تمجيد للفلسفة أحيانا و تهميشها و إعدام روادها أحيانا أخرى و يعتبر إعدام سقراط من أشهر الإعدامات في التاريخ لقد أخطأت الديمقراطية اليونانية آنذاك حين أقدمت على إعدام سقراط و بالتالي إعدام الفكر الإنساني بصفة عامة. ,
منذ ذلك التاريخ توالت النكبات على كل من رمى به حظه التعيس الى ممارسة هذا النوع من الفكر, حتى أصبح الفيلسوف أو من يتعاطى للفكر الفلسفي (أحمق ,,, فيلو) بالمفهوم العامي. فالفلسفة بحسب أحد التعاريف العامية « عبارة عن قطعة سوداء داخل غرفة مظلمة يبحث عنها أعمى » وهذا التعريف العامي يناقضه قول الحكيم سقراط تماما حين يقول « الفلسفة مدرسة حرية , الفلسفة تعلمنا كيف نموت أو نحيا » فهل بإمكان من شيئا أخر أن يجعل الإنسان يموت او يحيا أكثر من الفلسفة هي الحياة هي السعادة و أكثر من ذلك مدرسة الخلاق و الفضيلة و السمو , هل يعلم العامة أن أخر وصية لسقراط لابنه قبل إعدامه بلحظات تتعلق بالحرية و الفضيلة وفي هذا الصدد يقول موصيا ابنه » تزوج يا ولدي تزوج فإذا ظفرت بامرأة صالحة فأنت الرجل السيد, و إذا كانت غير فاضلة صرت فيلسوفا وتلك نعمة لكل رجل »
فالفلسفة نعمت لسبب بسيط لأنها تعبر عن حرية الفكر, و تتبنى العقل في كل مراحل الحياة عبر تاريخ البشرية الطويل, ولكن في مجتمعنا المغربي و العربي و المتخلق عموما لا تزال العامية تنضر إلى ممارسة هذا النوع من العلوم عن المألوف و النموذج التالي يوضح ذلك بجلاء في هذا الحوار البسيط و المعبر بمفهوم اللسان العامي :
» ماذا فعلت مع فلان … ؟ … الجواب : ذهبت عنده لا ستفسره كذا… فبدأ يتفلسف علي! هل من السهل أن تتفلسف؟
إذا كان الأمر بهذه السهولة فإننا إذن كلنا فلاسفة مجتمع متفلسف عاقل نتبنى العقل مذهبا و الفكر منهجا .. و لعمري هذا منتهى قمة العقل و التحضر . أنا نعيش في المدينة الفاضلة لأفلاطون حيث لا تغيب شمس العقل و العلم و المعرفة .
علينا ألا نخطئ التقدير. و لا نجعل من الفلسفة كلاما غامضا غير مفهوم , بل العكس تماما إذا كان الوضوح سعة العقل و المنطق فان الفلسفة و من يدور في فلكها من علماء و ممارسين و مهتمين و قراء و نقاد , كلهم يعتمدون منهج الوضوح فكرا و ممارسة.
صحيح, لقد وقعت الفلسفة عبر تاريخها الطويل في أخطاء عديدة كباقي العلوم الأخرى, لا كن يجب ألا نحملها المسؤولية لوحدها, ذلك لأن تحقيق ما هو كبير و مهم , يتطلب المغامرة و التضحية و المغامرة , لأن الصعوبة و المحن دائما ينتج عنها ما هو كبير و شامخ, حسب قول الشاعر العربي :
لا يمتطي المجد من لم يركب الخطر … ولا ينال العلا من قدم الحذر.
إن الفلسفة تحمل في طياتها مبادئ نبيلة من قبل الحرية و السعادة و الحق, وقيما عميقة كالإيثار و الصبر و التسامح . لقد أن الأوان لتغيير ذلك النظرة التحقيرية الضيقة للفلسفة و الإيمان بأن ما حققته الإنسانية عبر تاريخها الطويل من تقدم و ازدهار ساهمت فيه الفلسفة بنسبة عالية جدا تفوق التصور 99. في المائة , و ستبقى دائما في أعلى قمم العلم و المعرفة و في صميم الحياة » حياة الإنسان » و لن نرضى أبدا للفلسفة أن تكون تلك الجزيرة في بحر الوحدة و النسيان و التهميش .
محمد كتابي تاوريرت
1 Comment
فعلا أستاذ ، الفلسفة لغة يومية ، معاشة و إن استعملت في مواقع مختلفة فتبقى حيتياتها راسخة و ضاربة في الفكر الفلسفي عموما : فحين نتداول مصطلح » تفلسف عليا » معناه في الأصل انك تحاول حل إشكالات كلامية و لو يبدو الأمر شبيها ب : لا تكثر الكلام……أضف إلى ذلك أن أم العلوم ما زالت حية في إديولوجيات و عبر مناهج مجتمعية و في التربية و غيرها..إنما النظرة التي توجه لها كمادة فمنذ الإغريق و هي تعاني من احتسابها شيئا خارقا يجلب الشر و تجب محاربته.
لك ألف شكر على التطرق لهاذا الموضوع، لأن قلة هم من يتذكرون الفلسفة و أدوارها الطلائعية في بناء الفكر الإنساني و بالتالي في الحياة ككل.