طوفان الأقصى أعاد المشكل الفلسطيني إلى نقطة بدايته
محمد شركي
لأكثر من سبعة عقود ظل الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، يراهن على تراخي الزمن من أجل طمس معالم جريمته التاريخية، التي يشاركه فيها الإنجليز الذين فوتوا أرضا احتلوها بالقوة لغير أصحابها، وساهموا مع المغتصبين في تقتيل وتهجير مواطنيها، وهو ما سجله التاريخ الذي لا يمكن أن يطمس، وههنا تكمن المحطة التاريخية المنطقية لطرح المشكل الفلسطيني، ولا مبرر لطرحه انطلاقا من محطات تالية كمحطة 48 أو محطة 67 أو محطة 73 أو محطات اتفاقيات السلام المتتالية التي أخرجت قطار القضية الفلسطينية عن سكته، وما حدث يوم السابع من أكتوبر أعاد هذا القطار إلى سكته، وإلى محطة انطلاقه الأولى التي عنوانها اغتصاب الإنجليز أرض فلسطين من أهلها، وتفويت المسروق إلى الكيان الصهيوني، ولا يمكن أبدا لما بني على باطل إلا أن يكون بالضرورة المنطقية باطلا، ولقد أعاد من صنعوا طوفان الأقصى قطار المقاومة إلى سكته، ومحطته المنطقية، وبذلك لفتوا أنظار كل من انطلت عليهم حيلة المحتل الصهيوني في العالم، إلى أفظع مظلمة في التاريخ، كان ضحيتها الشعب الفلسطيني الذي هجر من وطنه بتعاون بين جيش المحتل الإنجليزي، وبين العصابات الصهيونية الوافدة من شتات عاشت عليه لقرون في كل أقطار المعمور على وطن تبرر امتلاكه أساطير، كما قال صاحب كتاب الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل المرحوم رجاء جارودي، وها هو التاريخ اليوم يعيد نفسه كما يقال، حيث تكرر سيناريو تآمر الإنجليز والامريكان مع الصهاينة من جديد، لتهجير سكان غزة منها وهم يحلمون بمثل ما تحقق لهم في فترة الاحتلال البريطاني، حيث سحقت مقاومة أصحاب الأرض في ظرف استضعافهم بتقتيلهم، كي يفرض عليهم خيار وحيد هو الهجرة وترك وطنهم للغاصبين، ولا شك أن طوفان الأقصى قد قضى كالعادة على الحلم الصهيوني، الذي كان يبني قصوره الملحية عن طريق مد جذوره في الوطن العربي، من خلال ما سماه صفقة القرن، كي يوطد لما بني على باطل ومصيره المحتوم هو البطلان لامحالة، ولقد سقط في أيدي من راهنوا على صفقة القرن، وعلى أكذوبة البيت الإبراهيمي، وهو بيت أوهى من بيت العنكبوت، حين هاجت أمواج البحار البشرية من المحيط إلى الخليج، وفي كل بلاد الإسلام، بل وحتى في الأوكار الصليبية الحاضنة للسرطان الصهيوني الخبيث، معلنة بقوة وإصرار، أنه لا مناص من وأد صفقة القرن المزعومة، وهدم البيت الإبراهيمي العنكبوتي، وهي دعوة صريحة من خير أمة أخرجت للناس، لشر أمم ابتلي بها الناس، ومفادها ضرورة إعادة طرح المشكل الفلسطيني من جديد، بشكل صحيح ومنطقي، بحيث يساق الإنجليز والصهاينة إلى محكمة التاريخ لمحاكمتهم على جريمة السرقة، وتمكين المسروق ممن لا حق له فيه، ولا يمكن لمنطق السطو على المسروق بالقوة وتفويته لسارق جديد، أن يعمر أكثر مما عمر لحد الآن دون أن يأتي الطوفان، وها قد جاء طوفان الأقصى ليحسم أمر استرداد المسروق بالقوة، كما أخذ بالقوة، ولن يقبل التاريخ ولا المنطق ولا شريعة الله ولا الشرائع الوضعية أن يدان من يستعمل القوة من أجل استرداد ما ضاع منه، وكل من يدينه لا يمكن أن يكون إلا مجرما ضالعا في جرم السرقة، او خائنا متواطئا مع السارق. ولقد تبخر حلم المتصرف في المسروق دون وجه حق، وهو يراهن على تراخي الزمن كي يسكت التاريخ عن سرقته، واغتصابه لأرض ليست له، بشهادة من يؤمنون من بني جلدته بالعيش في الشتات كما أرادت التوراة، ومما يتذرع به الصهاينة لصرف أنظار العالم، ذريعة اتهام كل من ينكر سرقتهم لأرض فلسطين بأنه يعادي السامية، وكأنهم وحدهم هم الساميون الذين لا يشاركهم أصحاب الأرض الشرعيون التي اغتصبوها بالقوة في الانتماء السامي، ولقد عاشوا في شتاتهم التوراتي لقرون بين ظهراني العرب، ولم يعاديهم أحد لساميتهم العداء المزعوم، ويشهد على ذلك ما يقارب المليون منهم عاشوا مع عرب وأمازيغ المغرب في أمن وسلام، حتى أغرتهم الصهيونية بتسويق أسطورة أرض الميعاد بينهم، ليرحلوا إليها سنة 1948، وينخرط كثير منهم في عصابات تقتيل أصحاب الأرض، وتهجيرهم ليحلوا في بيوتهم، والكثير منهم يعود إلى المغرب وهو يحمل جنسية الكيان السارق، ويعبر عن حنينه إلى وطن احتضن أسلافه لقرون، وقد عاشوا في أمن وأمان دون عقدة أسطورة معاداة السامية، وفي حمله لتلك الجنسية المشبوهة خيانة للوطن الحاضن ولأهله، ولقد كان من المنطقي ومن المفروض ألا يطأ أرض المغرب منهم إلا من تبرأ صادقا من التجنس بجنسية سراق أرض الإسراء والمعراج، وأدى على ذلك قسما عظيما، لا يحنث فيه أبدا، ولا يبطله التجنس المشبوه، ولا شك أن الذين يحملون جنسية سراق الأقصى إلى جانب جنسية الوطن المغربي الحاضن، قد نبههم طوفان الأقصى إلى مشاركتهم في جريمة اغتصاب وطن كان هو الآخر حاضنا لمثلهم، ممن كانوا أوفياء لشتاتهم التوراتي، وقد خدعوا وخانوا وغدروا بأهله، ونبذوا عهودهم معهم.
وأخيرا نقول للعالم الساكت على الحق الفلسطيني، المؤيد للباطل الصهيوني، كفى تماديا في تأييد الباطل، وكفى اشتراكا في تعميق مأساة أصحاب الحق، فإنه لا نهاية لطوفانهم حتى تقوم الساعة، وذلك وعد غير مكذوب.
Aucun commentaire