سلسلة المرأة كما قدمها القرآن الكريم من خلال نماذج لن تشذ عنها بنات حواء إلى قيام الساعة ( الحلقة الرابعة )
سلسلة المرأة كما قدمها القرآن الكريم من خلال نماذج لن تشذ عنها بنات حواء إلى قيام الساعة ( الحلقة الرابعة )
محمد شركي
استكمالا للمثل الذي ضربه الله سبحانه وتعالى للمؤمنين بعد ذكر نموذج الثبات على الإيمان والصبرعلى المكروه ، وهو نموذج مثلته آسية امرأة فرعون ، ذكر جل شأنه نموذج مريم ابنة عمران عليها السلام ، وهي تمثل نموذج المرأة المتبتلة القانتة والمنقطعة لعبادة الله عز وجل ، و المصدقة بما أنزل من كتب،والصابرة على البلاء العظيم بما لم تبتل به غيرها من نساء العالمين ، وهو حملها بنبي الله المسيح عيسى عليه السلام من دون أن يمسسها بشر ، وقد كانت تلك مشيئة الله سبحانه وتعالى كي يكون وأمه آية لبني إسرائيل ، ولكل العالمين . ولقد أنكر على مريم قومها هذا الحمل المعجزة في غياب أو ضعف إيمانهم بقدرة الله تعالى الذي لا يعجزه شيء ، وهو على كل شيء قدير، وما صدقوا قدرته جل جلاله إلا بعدما كلمهم المسيح عليه السلام في المهد ، وكان ذلك دليلا على معجزة الله تعالى، لأن التصديق بكلام من في المهد حجة قاطعة للتصديق بولادته من دون أب ، ولا يكابر في ذلك إلى معاند ، وقد كابر بعض المعاندين فزعموا له أبا من البشر متهمين أمه ـ حاشاهاـ بما هي بريئة منه ، وبعضهم الآخر زعموا أنه ابن الله ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ .
ولقد قال الله عن مريم عليها السلام في سياق ضرب المثل للمؤمنين لتثبيتهم على الإيمان : (( ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين )) ، ففي هذه الآية الكريمة جمع الله تعالى ما أراد أن يمثل به لنساء المؤمنين كيف يكون العفاف والإحصان ، والتصديق بكلماته، والتزام ما جاءت بما جاء فيها قولا وفعلا ، والقنوت له، مع الصبر على البلاء مهما عظم . ومقابل هذا الخضوع لأمر الله تعالى إيمانا، وتصديقا، واستقامة، وصبرا ،تأتي دائما الجوائز في شكل بشارات كبرى .
وإذا كانت بعض المؤمنات تظن أن سرد خبر مريم البتول عليه السلام في كتاب الله عز وجل لا يعنيهن في شيء ، فإن ذلك من تعطيل تدبره لما جاء في كتاب الله عز وجل خصوصا وأنه تعالى قد جعل خبرها، وخبر آسية امرأة فرعون مسبوقا بقوله عز من قائل : (( وضرب الله مثلا للذين آمنوا )) ،والمؤمنات كالمؤمنين يعنيهم ضرب هذا المثل ، علما بأن الأمثال في القرآن الكريم إنما تضرب لتُعقل كما قال الله تعالى : (( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون )) ،وإذا ما عُقلت الأمثال المضروبة في كتاب الله، لزم من يعقلها تدبرها، والعمل بما أريد بها اتباعا ، وتأسيا ، واقتداء .
وبناء على هذا، يتعين على كل مؤمنة أن تقتدي بأم المسيح عليهما السلام في عفتها وإحصانها ، وفي تعبدها وتبتلها على قدر وسعها، لأنها لن تدرك شأوها ولا درجة انقطاعها لعبادة ربها ،ولا درجة التصدق بكلماته التي ضمنها الرسالة الخاتمة والمصدقة لما بين يديها من الرسالات ، والمهيمنة عليها . ولا يمكن أن يقتصر التصديق على بعض كلماته سبحانه وتعالى دون غيرها، بل لا بد من التصديق بكل كلماته عز وجل أوامر، ونواه دون تمييز بينها، كما كان أهل الكتاب يفعلون من قبل، حيث يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض .
ويجدر بالمؤمنات اليوم الاقتداء بمريم ابنة عمران ، خصوصا في هذا الظرف بالذات الذي تخضع فيه مدونة أحوالنا الشخصية للمراجعة أو التعديل ، وبعض الجهات تجاهر بالاعتراض على بعض ما فيها من شرع الله تعالى المنزه عن العيب ، والغير قابل للطعن أو الهمز واللمز ، وتطالب بتعطيله وتعويضه بشرائع وضعية مقتبسة ممن لا دين لهم وتتبناها ، وتريد إقحامها في مدونة أحوالنا الشخصية ، وكأن الله تعالى لم يقل : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) .
إن اللواتي يعترضن وهن محسوبات على الإيمان على قسمة ميراث قسّمها الله تعالى بنفسه ، ولم يترك قسمتها لبشر ، ويعترضن على تعديد الزيجات الذي شرعه الله تعالى لظروف ولأعذار تتكرر في كل زمان، وفي كل مكان مع تقييده بقيود صارمة ،محذرا التحذير الشديد من لا ينضبطون لها من الأزواج … إلى غير ذلك من الاعتراضات التي صارت شائعة اليوم فينا ، وقد كثر لغط البعض فيها بمناسبة مراجعة مدونة الأحوال الشخصية عندنا ، لم يستفدن ولن يستفدن شيئا من المثل الذي ضربه الله تعالى حين أخبر عن مريم ابنة عمران عليها السلام ، والتي ما ذكرها الله تعالى إلا لتكون إسوة للمؤمنات إلى قيام الساعة .فهل ستغلب المؤمنات عندنا العقل على الهوى ، فتحسمن أمرهن لتكون عفيفات، ومصدقات بكلمات ربهن ، وقانتات له كما أراد لهن ذلك ربهن سبحانه وتعالى أم أن إيمانهن لن يجاوز التمني والتحلي دون أن يقر في قلوبهن ، أوتنضبطن لمقتضياته إجرائيا ؟
ونختم بالقول إن ابتلاء الله تعالى للمؤمنين والمؤمنات على ما يكون فيه من عنت وشدة ،تعقبه دائما لا محالة جوائز وبشارات كبرى من شأنها أن تكون حوافز لهم رجالا ونساء من أجل الصبر، والتحمل، والاحتساب ، والله لا يضيع أجر من يبتليهم من عباده المؤمنين، و إمائه المؤمنات.
Aucun commentaire