Home»Islam»حديث الجمعة : (( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم ))

حديث الجمعة : (( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم ))

0
Shares
PinterestGoogle+

حديث الجمعة : (( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم ))

محمد شركي

من المعلوم أن القرآن الكريم قد تضمن آيات بيّنات، تتعلق بموضوع تمحيص الإيمان، الذي لا يمكن أن يكون مجرد ادعاء باللسان، بل لا بد له من برهان ملموس  يدل عليه .

ومما ابتلى به الله تعالى عباده المؤمنين  لتمحيص إيمانهم في بداية دعوة الإسلام التي جاءت بها الرسالة العالمية الخاتمة المنزلة على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، أربعة ابتلاءات هي : الهجرة ، والجهاد ، والإيواء ، والنصرة ، مصداقا لقوله تعالى : (( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم )) .

وهذه الابتلاءات الممحصة للإيمان، ستظل قائمة بالنسبة لكل المؤمنين في كل زمان إلى قيام الساعة ، ذلك أن الله عز وجل ما ذكر تمحيص إيمان الرعيل الأول من المؤمنين بهذه الابتلاءات على سبيل الإخبار فقط ، بل ليكونوا إسوة وقدوة لكل المؤمنين في كل زمان ، وفي كل مكان . وإذا كان شأو إيمان الرعيل الأول من المؤمنين لا يمكن أن يدركه أحد من اللاحقين  لكونهم خير قرن ، وقد جعلهم الله تعالى جيلا نموذجيا فريدا ، فإن هذا لا يمكن أن يمنع الاقتداء بهم ،لأن اللاحقين من المؤمنين قد يمر بعضهم بما يشبه ظروف ذلك الرعيل الأول ، وهو ما يتطلب ما السير على نهجهم لكن دون بلوغ ما بلغه جهاد وهجرة المهاجرين  ، ولا بلوغ ما بلغه إيواء ونصرة الأنصار لهم  .

وحين نتأمل ابتلاءات إيمان رعيل المهاجرين الأول، نجد أولها الهجرة ، وهي أشد ابتلاء  ابتلاهم الله تعالى به حيث آثروا الهجرة على كل ما عزعندهم من أهل، وولد ، وعشيرة ، ومساكن ، وأرزاق … وكل ذلك مما كانت تتعلق به نفوسهم ، و تطيب لهم به الحياة ،إلا أن رغبتهم في استحقاق نعمة  كمال الإيمان جعلهم يضحون بكل ذلك ، ويتجشمون مخاطر كثيرة قبل أن يصلوا إلى مهجرهم . وأما ابتلاؤهم الثاني، فهو الجهاد الذي لا يقل مكابدة عن الهجرة، بل يساويها بما كان محفوفا بالمخاطر ، بل هما سيّان في خطورة الهلاك المحقق ، ومع ذلك فقد قدم الله تعالى في الترتيب الهجرة على الجهاد ، لأن الهجرة  كانت مقدمة ، واستعداد للجهاد ، وتمرين سابق له ، ذلك أن الذين هجروا موطنهم، وأهليهم وأموالهم ، كانواعلى أتم استعداد لخوض الجهاد ، وقد استرخصوا الأنفس في سبيل الله عز وجل .

وأما الابتلاء الثالث والرابع ، فيهمّ الأنصار الذين استقبلوا المهاجرين ، وقد سماهم الله تعالى أنصارا . وإيواؤهم المهاجرين هو ابتلاء لهم استحقوا به كما إيمان من استقبلوهم من المهاجرين  . ولم يكن إيواء الأنصار للمهاجرين بالأمر الهين، بل كان مكلفا ماديا ومعنويا، حيث اقتسموا معهم مساكنهم وأرزاقهم  وأموالهم ، بل كان منهم من اقترحوا التنازل عن أزواجهم لمن وفدوا عليهم دون أزواج . وكان هذا الإيواء أعظم ما حقق به رسول الله صلى الله عليه وسلم الإخاء بين المهاجرين من مكة ، والأنصار في يثرب.

ولقد كان للأنصار بعد ابتلاء الإيواء نصيبهم من ابتلاء النصرة ، وهي جهاد في سبيل الله عز وجل إلى جانب المهاجرين ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  » لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار  » . كما أن الله تعالى جعل بينهم ولاء خاصا، فقال جل شأنه : (( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض )) .

ويتساوى المهاجرون مع الأنصار في الابتلاءات حيث تقابل الهجرة الإيواء ، ويقابل الجهاد النصرة ، ولهذا كان جزاء هؤلاء وأولئك واحدا، وهو شهادة الله تعالى لهم باستحقاقهم  درجة كمال الإيمان ، فضلا عن استحقاقهم نعمتي المغفرة ، والرزق الكريم .

مناسبة حديث هذه الجمعة ، الذي تزامن مع حلول سنة هجرية جديدة ، هو تذكير المؤمنين بأنهم كسلفهم الصالح من الرعيل الأول لا محالة سيبتلون مثلهم لتمحيص استحقاقهم كمال الإيمان في كل عصر ومصر إلى قيام الساعة ، وفق التقسيم الذي وضعه الله تعالى لعباده المؤمنين، فهم إما مهاجرون أو أنصار بحكم أوضاعهم وبحكم ظروفهم .

ومع أنه لا هجرة بعد الفتح كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : « ّ لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا  » ، فإنه لا مندوحة للمؤمنين في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة من أن  يحرصوا على تحقيق كمال إيمانهم كما حقق ذلك سلفهم الصالح من الرعيل الأول مهاجرون وأنصار .

وإذا ما استحضرنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه :  » المهاجر من هجر ما نهى الله عنه  » ، فإن الهجرة مستمرة بهذا المعنى إلى قيام الساعة ، كما أن معناها الأول أيضا لن ينقطع  إذا ما اضطهد المؤمنون إلى قيام الساعة. كما اضطهد الرعل الأول رضوان الله تعالى عليهم .

وما أحوجنا اليوم إلى هجرة نهجر فيها ما نهى الله تعالى عنه ، وقد بلغت أحوال الناس من الفساد ما بلغت، خصوصا مع تعالي الدعوات إلى الفساد والإفساد من طرف بعض المارقين من دينهم ، والمتجاسرين عليه ، والمنحرفين عن صراط الله المستقيم من الذين يحبون أن تشيع الفواحش في المؤمنين .

وعلى كل مؤمن أن يعرض نفسه على ابتلاءات كمال الإيمان الأربعة  في هذا الزمان ، وعليه أن يكون مهاجرا يهجر كل ما نهى الله عنه من أقوال، وأفعال ، وشهوات ، وعليه أن يجاهد نفسه الأمارة بالسوء بما في كتاب الله عز وجل ، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من توجيهات ، وعليه أن يوفر الإيواء المادي والمعنوي لمن يحتاجون هذا الإيواء  من المؤمنين ، وأن ينصرهم النصر المناسب لأوضاعهم وظروفهم بالعون والنصح ، والتذكير ، والتحذير من الانحراف عن الصراط المستقيم  . فمن هجر ما نهى الله عنه ، وجاهد نفسه ، وحمل أهله وقرابته ومعارفه على ذلك، فهو مهاجر ومجاهد ، ومن ساعد غيره على هجر ما نهى الله تعالى عنه ، وعلى مجاهدة نفسه بالقرآن الكريم ،وبسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم  ،ونصره في ذلك ، فهو ناصر ومجاهد .

وإذا كان الكثير منا يدعي الإيمان بلسانه ، وقد يتجرأ بعضنا  حتى على ادعاء كماله  ككمال إيمان المهاجرين والأنصار ، فإنه لا يخطر لنا على بال أن نستحضر مع حلول مناسبة الهجرة ما ابتلى به الله تعالى المؤمنين من الرعيل الأول وهو ما جعلهم يستحقون درجة كمال الإيمان ، ويفوزون بمغفرته ، وبرزقه الكريم .

وأخيرا نقول ،إن استحضار مناسبة الهجرة  ليس مجرد فرصة لتبادل التهنئة بحلول العام الهجري الجديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل هي فرصة صلح مع كتاب الله عز وجل ، ومع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل أحوالنا  وظروفنا ،خصوصا وأن كيدا  خطيرا وخبيثا يستهدفنا ليصدنا عنهما صدا  من شأنه أن يجعلنا نضيّع إيماننا ، ونضيّع هويتنا الإسلامية ، ونخلع علينا هويات الأغيار ممن أضلهم الله تعالى ضلالا بعيدا.

إن الاحتفال بالعام الهجري ليس فرصة استراحة ، وأكل وشرب ، بل فرصة مراجعة الذوات ، وقياس المسافات الفاصلة بيننا وبين الإيمان من أدنى درجاته إلى أعلاها ، والموفق الفائز منا هو من وفقه الله تعالى للمحافظة على رصيد إيمانه ، وحرص على تنميته بشكل متواصل ، وجعل مناسبة حلول الهجرة منطلق هذه التنمية .

اللهم اجعل  لنا في حلول هذه المناسبة المباركة الخير، واليمن، والبركات ، واجعلها لنا فرصة تصالح مع كتابك الكريم ، ومع سنة نبيك عليه أفضل الصلوات والسلام . اللهم أعنا على هجر كل ما نهيت عنه من قول وعمل ، واجعل هجرتنا إليك ، و اجعل جهادنا في سبيلك ، واجعلنا نصرتنا لدينك ، ولا تحرمنا كمال الإيمان ، واغفر لنا، وأرحمنا ، وارزقنا الرزق الكريم يا أرحم الراحمين ، ويا رب العالمين .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم ، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *