» حتى مُشْ ما هْرب من دار العرس
علال محمد
هذا مثال عامي يتداوله بعض الناس في بعض جهات بلدنا المغرب ، و يستعملونه في سياقات مختلفة ، و لا سيما في سياق حديثهم عن نشاز بعض الزوجات ، أو طلاق بعضهن ، أو فراق بعض الأبناء لآبائهم…
و هم يقصدون من وراء إيراد هذا المثل في سياق حديثهم أن المرأة الناشز أو الطالق ،و الابن المفارق لبيت أبويه…، على حق في ما فعلوه ، و على صواب و سداد في ما عزموا عليه .. لأن المرأة لو وجدت في بيت زوجها ما تحتاجه ، و تطلبه ، و تسعد به لما نشزت، ولو وجد الإبن في بيت أبيه ما يبتغيه ، و يرضيه لما نفر ، فمثل هؤلاء ، أي الزوجة و الابن ، كمثل القط في دار العرس ، فهو لا يهرب منه لأنه يجد فيه ما يبتغيه و يلبي احتياجاته .
و المشكلة كل المشكلة عند من يتمثل هذا المثل هي في الزوج و داره و أهله ، و هي كذلك في الأب و سلطته و تصرفاته ، أما المرأة الناشز ، و الابن العاق ، فليس فيهم ما يذم أو يعاب ، و كأنهم تربوا في أحضان الملائكة ، و نزلوا إلى هذه الأرض من جنات السماء.
و يكفي قليل من التأمل في هذا المثال العامي السخيف الركيك ، ليكتشف المتأمل خفة عقل من صاغه ، و ذمامة ذوقه ، و قصور خياله ، و قبح لغته ، و كذلك ضآلة كل من تمثل به ، و ضعف تمييزه ، و عدم بلوغه سن الرشد في الاستشهاد ، و انخراطه في عقلية القطيع المتدافع على ما فيه هلاكه و حتفه .
و بيان ذلك ، و سأقتصر في هذا الحيز الضيق ، على نموذج واحد للتفسير ، لبيان تهافت هذا المثل الذميم ، و هوان من يتمثل به في المجالس و النوادي ، فأقول :
إعلم أيها المتمثل بهذا المثل أن القطط في دار العرس ليسوا على نمط واحد في الترويض و التعليم ، إذ منهم المروَّضُ المعلم الأليف ، و فيهم الوحشي العدواني النافر .
و ليسوا على مسافة قرب واحدة من صاحب الدار ، إذ فيهم القريب منهم لأهل الدار ، الذي يعرف طريقة عيشهم ، و طريقة تعاملهم معه ، إذ له وقت معلوم للأكل و الشرب ، و يعرف مكان قضاء حاجته ، و يعرف ساعة لعبه ، و نومه و مداعبته لأفراد الأسرة ، و منهم البعيد النافر الذي جلبته رائحة الطعام أو رؤيته لغيره من القطط في دار العرس. و هو لا يعرف من عوائد أهل الدار شيئا ، و لا يعنيه منهم إلا ساعة غفلتهم حتى يفعل بهم الأفاعيل.
فأما القط الأليف المروض ، المعلم القريب من أهل الدار فلا يمكنه أن يهرب من دار العرس ، لأنه منضبط لأعراف و عادات دار العرس ، فهو يعطى طعامه برضاهم ، و يشرب الماء من أيديهم ، و ينام بجوارهم..
و أما القط الوحشي الغريب النافر…الذي قاده جوع بطنه للبحث عن الطعام ، و لا يهمه إلا ملء أمعائه، فهو يتظاهر بالألفة و المسكنة لأنه يحس بالغربة وسط أهل العرس ، و لكنه بمجرد أن ترصد عيناه مكان اللحم و الطعام حتى تستيقظ في داخله كل نوازع اللصوصية و الكيد و الغدر ، فيتظاهر باللطف و يقترب بهدوء و أدب ، و لكن ما أن يحس بغفلة أهل الدار ، و خلو الطريق أمامه حتى ينقض على اللحم و يسرقه ، و يطلق سيقانه للريح هربا من دار العرس ، و من أهل العرس ، فهو يعلم من نفسه أنه أتى من الفعل ما لا يحسن ، و لا يقبله أهل الدار منه ، لذلك هرب ، ولكنه إذا التقاه قط مثله ، أو شخص ممن يتمثل هذا المثل ، و سأله : لم هربت من دار العرس ، فسيجيبهم بأن أهل دار العرس ضربوه ، و طاردوه ، و أهانوه ، و حرموه ، و تعدوا عليه… و سيصدقون جوابه، و إن كان هو في حقيقة الأمر من الكاذبين المنافقين.
أرجو أن يكون قد رفع بعض التدليس عن بعض معاني هذا المثل الرخيص. و انتبه من يستشهد به إلى بعض خفاياه .
Aucun commentaire