ماذا وراء تهنئة غير المسلمين للمسلمين بعيد الأضحى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
ماذا وراء تهنئة غير المسلمين للمسلمين بعيد الأضحى
كتبتُ مؤخرا مقالا ردَدْتُ فيه على بعض أولائك الذين لا يتوانون عن استغلال كل الفرص المتاحة لمهاجمة الإسلام، ودفع المسلمين للزُّهد فيه، من خلال ممارسات ظاهرها النصح والغيرة على المصلحة العامة، وباطنها الكيد للإسلام والمسلمين، حيث قام أحدهم في أحد مقالاته بالتضخيم من الإسراف في استعمال الماء صبيحة العيد، إلى حد القول باستنزاف الفرشة المائية، ليتلو ذلك بمقال آخر ركز فيه على بعض الحالات الاستثنائية، التي لا تقيم شعيرة العيد على الصيغة الشرعية، مبررا ذلك بالنسبة للطبقة المتوسطة المتعلمة بوعيها الذي يتيح لها إمكانية تجاوز ما سماه سنة مؤكدة، فيما ذكر أن عائلات مسلمة تنتمي لطبقات اجتماعية مختلفة متوسطة وبورجوازية لا تحيي هذه الشعيرة لأنها ترفُض الطريقة التي يتم بها ذبح الأضحية، وتعتبرها تعذيبا. والملفت للنظر في هذا هو تأكيده على أن هذه العائلات مسلمة « بالضرورة ». ودون الدخول في صحة إسلام هؤلاء أو فساده، لأنه ليس من اختصاصنا، ينبغي التأكيد على أن الإسلام منظومة متكاملة، يتعين إما تركها، وإما الأخذ بها، والانصياع إلى كل مقتضياتها، انطلاقا من قوله تعالى في الآية 36 من سورة الأحزاب﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾. ومن ثم لا يوجد مكان للوعي الذي يجعل المسلم يتجاوز شعيرة الأضحى، اللهم إذا اقترن بوضعيات بعينها من بينها العجز وعدم القدرة، بحيث يُفتح للمسلم باب الرخص في هذه العبادة، كما هو الشأن بالنسبة لجميع العبادات الأخرى، حسب الوضعية التي يتواجد فيها المعني بها. ومن باب أولى ألا يوجد حيز يُسوِّغ لصاحبه رفض طريقة الذبح على الطريقة الشرعية، والتي بينت دراسات غربية رصينة بأنها أحسن طريقة على الإطلاق، لا من حيث تعذيب الحيوان ولا من حيث السلامة الصحية.
كان هذا التقديم ضروريا لفهم ما بين سطور مقال آخر، خرج به علينا مؤخرا كاتب المقالين المشار إليهما، تحت عنوان « يهود ومسيحيون وبهائيون مغاربة يتمنون للمسلمين عيدًا مباركًا سعيدًا ». ذلك أن الأمر في حد ذاته جد عادي، لا يحتاج إلى النفخ فيه واعتباره حدثا بارزا كأنه يقع لأول مرة، ومن ثم وانطلاقا من المقدمة أعلاه تساءلت في نفسي عن الخطاب الضمني الذي يريد مرة أخرى تمريره بهذه الطريقة الماكرة؟
وقد تضمَّن المقال تصريحات، تتعلق بمباركة العيد للمسلمين، لكل من رئيس الطائفة اليهودية بجهة مراكش آسفي، والكاتب العام لتنسيقية المغاربة المسيحيين، وعضو مكتب اتصال البهائيين المغاربة، وذلك في إطار « منح الفرصة لهذه العقائد المغربية « غير الرسمية »، ربما، « تذكيرا بالتنوع »، و »انتصارا للسلام »، والاختلاف باعتباره عنصرا حيويا في ضبط الأمن الاجتماعي » على حسب تعبيره.
وفي إطار البحث بين السطور عن الخطاب الضمني للمقال قمت بطرح مجموعة من الأسئلة أهمها:
- إذا كانت هذه العقائد غير رسمية، فما معنى أن تعطى الكلمة لممثلين رسميين لها، ولم يكتفى بمواطنين عاديين، على غرار مجموعة من الاستجوابات، التي تُجرى مع مواطنين عاديين في أماكن عمومية؟
- إذا كان المغرب يتميز منذ القدم بتعايش مختلف مكوناته الدينية، وهو ما يتأكد من تصريح رئيس الطائفة اليهودية بجهة مراكش آسفي، الذي قال، حسب ما ورد في المقال الذي نحن بصدده: « … ومن ثم لم نشعر قط بأننا مواطنون من الدرجة الثانية لكوننا يهودا، بل كنا دائما متيقنين بأننا مغاربة لنا كل الحقوق دون تمييز أو إقصاء »، وأعتقد أن هذا الأمر لا ينطبق على اليهود فقط بل يتعداهم إلى المسيحيين وغيرهم من الطوائف الدينية غير المحاربة للدين الإسلامي طبعا، ومن ثم فما المقصود من عبارة « انتصارا للسلام »؟ هل نحن في حرب أم أن هناك أشياء تخطط في الخفاء لا علم للمغاربة بها؟
- إذا كان الكاتب العام لتنسيقية المغاربة المسيحيين يعتبر أن » الـ“تمغربيت“هي الأصل، مشيرا إلى أن الأجداد كانوا لا يولون أهمية كبيرة للاختلاف؛ بل يتعايشون عفويا في ظل العيش المشترك، الذي كان يميز المغاربة، بالمقارنة مع شعوب أخرى من المنطقة ». فما الذي تغير؟ وما الدافع؟ إلى قوله بأن « هذا العيد الذي يحييه كافة المسلمين بالمغرب والعالم، سيكون رائعا أن يثير انتباه الحكومة المغربية، والاهتمام بمطالبنا، انتصارا لكل المغاربة، في ظل دولة مدنية قوية ومحايدة تجاه مواطنيها. ألا يعتبر هذا نوع من استغلال الفرصة، للمطالبة بما يتناقض مع منطوق كلام التمني بعيد مبارك سعيد. أي أمنية هذه، التي تتضمن في ثناياها الانتصار « لكل المغاربة »، خاصة عندما يُدرج الشواذ وكل الذين يرفضون ما تبقى من أحكام الشريعة، ضمن هذا الكل، وذلك رغما على كون الإسلام دين الدولة؟
- هذا فيما يخص ممثلي الطائفتين اليهودية والنصرانية، أما فيما يتعلق بكلام عضو مكتب اتصال البهائيين المغاربة، فلا يمكن إلا أن يندرج في إطار البحث عن سبل اختراق المجتمع المغربي، الذي لا يعترف بهم، وإذا كانت هناك علاقات مع بعضهم، فلأنهم لا يصرحون بمعتقدهم، وإلا فإنهم غير مرحب بهم، لذلك فقوله بأن « بعض هذه الأعياد والمناسبات، كعيد الأضحى المبارك، تكتسي ُبعدا ثقافيا ووجدانيا تنصهر فيه جميع مكونات وطننا، بحكم أن غالبية المغاربة يؤدون هذه الشعيرة المقدسة التي صارت جزءا لا يتجزأ من هوية كل المغاربة، بحكم التاريخ والعادات ». لا يعدو أن يكون نوعا من التورية على عملية الاختراق، خاصة وأنه يحمل في طياته تناقضا جوهريا، إذ كيف يمكن لشعيرة يؤديها غالبية المغاربة أن تصير جزءا لا يتجزأ من هوية كل المغاربة، بحيث إذا كانت كذلك، فعلى الجميع أن يؤديها حسب مقتضيات الدين الإسلامي الذي شرعها، وإلا فلا مكان لخلط الأوراق بإدراج البعد الثقافي والوجداني، وكذا انصهار جميع مكونات الوطن، لأنه بكل بساطة لا يمكن أن ينصهر من يؤمن بالله ربًّا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، مع من يحارب الله ورسوله، مع العلم أن هذا لا يعني إعلان الحرب على غير المسلمين ما دام الأمر يندرج ضمن منطوق الآية 8 من سورة الممتحنة التي يقول فيها عزمن قائل:﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾.
ختاما أقول لصاحب المقال، ولأمثاله، بأن الإسلام سن مبدئا أساسيا في التعامل مع الأغيار، من خلال الآية أعلاه، ومن ثم يكفي عدم محاربة الإسلام وأهله ليتم الترحيب بالجميع، أما اعتماد هذه الطرق الملتوية، التي ظاهرها الرحمة، وباطنها الكيد للإسلام والمسلمين، فلن يؤدي ذلك سوى إلى التفرقة والإضرار بالسلام المتشدق به.
الحسن جرودي
Aucun commentaire