Home»International»تجسيد المعلوم من الدين بالضرورة على أرض الواقع

تجسيد المعلوم من الدين بالضرورة على أرض الواقع

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

تجسيد المعلوم من الدين بالضرورة على أرض الواقع

كنت ولا زلت أعتقد أن فَهْمَ الأشياء واستجلاء كُنْهِها، يحتاج إلى حدٍّ أدنى من المعرفة والمعطيات، سواء تعلق الأمر بأمور الدين أو الدنيا، فلا يمكن لأي كان أن يستوعب مضمون كتاب أدبي على سبيل المثال إذا لم يتوفر على حد أدنى من علوم اللغة المعنية، ولا مضمون كتاب علمي إذا لم يكن على علم بالحد الأدنى من المعارف العلمية المتعلقة بالتخصص الذي يتطرق إليه الكتاب. ونفس الشيء يمكن أن ينسحب على اعتناق ديانة أو إيديولوجية معينة، بحيث لا يصح الانتماء إليها إلا مع وجود هذا الحد الأدنى الذي لا يعذر لا عامة المنتمين ولا خاصتهم بجهله، وهو ما يطلق عليه في الفقه الإسلامي ب »المعلوم من الدِّين بالضرورة » بالنسبة للمنتمين للإسلام.

وبسبب تعقد الحياة وتطورها، واختلاف ثقافات المجتمعات وحاجياتها، يبدو لي أنه من الصعوبة بمكان تحديد هذا الحد بدقة، ذلك أنني عندما بحثتُ في مدلول « المعلوم من الدِّين بالضرورة » على سبيل المثال، وجدت له مجموعة من التعاريف أقتصر منها على التالي: هو » المعلوم من الدين تواترًا حتَّى استوى في عِلْمِه العامَّة والخاصة »، وتساءلت عن المقصود بمصطلح العامة على اعتبار أنه هو المحدد لمضمون هذا المفهوم. فالعامة في بلد معين ليسوا هم العامة في بلد آخر حتى وإن كان الإسلام يجمع بينهما، ثم حتى إذا اقتصرنا على بلد في حد ذاته، ولْيَكِن المغرب على سبيل المثال، فإن عامة هذا الزمان يختلفون اختلافا جوهريا عن عامة الأزمنة الماضية، ذلك أنه إلى عهد قريب كان من الممكن أن تجد أميا، بمعنى عدم التحاقه بالمدرسة، على علم بمجموعة من الأحكام الشرعية التي يجهلها عدد لا يستهان به من الخاصة في يومنا هذا، كمسألة الإرث، وأحكام البيع والشراء وربما حتى ترقيع الصلاة…وبسبب تَنَكُّب التعليم عندنا عن تمكيننا من « المعلوم من الدين بالضرورة »، أصبح كل واحد منا يحدده بنفسه ولنفسه حسب هواه، حتى وإن كان الأمر يؤدي إلى التهرب من مسؤوليته الدينية التي لا تخلو من التزامات وتبعات قد تعاكس مصلحته الدنيوية.

الدافع وراء هذا المقال هو التساؤل عن كيفية تجسيد الآيتين الكريمتين من سورة الممتحنة، حيث يقول سبحانه وتعالى « لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(9) » خاصة وأن هناك قاعدة تُعبر عن صلاحية القرآن في كل زمان ومكان ألا وهي: » العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ».

فإذا كانت الآيتان قد نزلتا لتبيان كيفية التعامل مع كفار قريش في الوقت الذي كانت فيه وسائل القتال معروفة وبسيطة، فلا شك أنهما كانتا موجهتين لعموم المسلمين وخاصتهم لتَدخُلا بذلك ضمن « المعلوم من الدِّين بالضرورة ». وبما أن الآيتين صالحتين لكل زمان ومكان فإن السؤال الذي يُطرح هو: هل لا زالتا تدخلان في إطار المعلوم من الدين بالضرورة، أم أنهما أصبحتا موجهتين للخاصة دون العامة؟ مع العلم أن بعض العلماء أصبحوا يُصرون على دعوة المهاجرين بالخصوص، إلى التزام نوع خاص من التعامل مع الكفار بنوعيهما، لا لشيء سوى لأنهم يعيشون في كَنَفِهم، وهذا ما لم أقدر على استيعابه في إطار الآيتين الكريمتين، وذلك  لصعوبة التمييز بين الفئتين بسبب تطور أساليب القتال المادية والمعنوية منها على السواء. ومما لا شك فيه أن من عامة كفار اليوم وبعض خاصتهم من لا يعادون لا الإسلام ولا المسلمين ولا يسعون  لإخراجهم من ديارهم بسبب دينهم، وهؤلاء لا ينتمون لدائرة الحكم في الغالب، لكن  حكامهم وعدد كبير من السياسيين لم ينفكوا عن قتال المسلمين وإخراجهم من ديارهم لأسباب متعددة على رأسها السبب العقدي والديني، سواء باستعمال أساليب القتال المباشرة أو غير المباشرة، فمَنِ الذي أخرج الفلسطينيين والسورين والعراقيين من ديارهم، وحتى المسلمين غير المعنيين بالحرب بشكل مباشر كالمغاربة والجزائريين والتونسيين…فمن الذي أخرجهم من ديارهم وألجأهم إليهم، لولا استغلالهم لخيراتهم وحرمانهم منها، حتى إذا استنفذوا منهم أغراضهم في تشييد حضارتهم المادية، وقَبْل ذلك في تحريرهم من الاستعمار، كما كان الشأن بالنسبة لفرنسا التي لم تتوانى في استعمالهم في غزوها لشعوب أخرى كالهند الصينية، قلت حتى إذا استنفذوا أغراضهم تتم مقاتلتهم في دينهم بأساليب شتى على رأسها الاستهزاء برسولهم وغلق مساجدهم لأسباب واهية، ومنع نسائهم من ارتداء الحجاب الذي هو من الدين… لتتم في الأخير الحيلولة دون فرحهم بانتصارهم في كرة القدم التي لا تعدو أن تكون لعبة، باتهامهم بإحداث الفوضى وتخريب الممتلكات العمومية والخاصة.

انطلاقا مما سبق، أعتقد أنه يتعين تجسيد الآيتين الكريمتين من منطلق « المعلوم من الضرورة بالدين » بالنسبة لعموم المسلمين من خلال عدم مولاة حكام الكفار بالأساس، وكل من سار على نهجهم على أن يبقى تعاملهم مع باقي الفئات في إطار ما تنص عليه الآية 8 من سورة الممتحنة المشار إليها أعلاه.  

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *