المغادرة الطوعية..التحالف الحكومي وجرأة الشجاعة!!
الكاتب: منير الحردول
أمام بنية تشغيلية لا زالت ترزح في خندق الإكراهات المالية، ماذا لو تجرأت الحكومة الحالية واعادت تجربة المغادرة الطوعية بالنسبة للسلاليم العليا، على أساس إبقاء 70% من الأجر، والتعويض على أساس 4 أشهر بالنسبة للسنوات المتبقية للوصول إلى سن التقاعد.
مع الحق في المعاش عند الوصول اليه. في المقابل تفتح الدولة فرصا جديدة لتوظيف عشرات الآلاف من العاطلين في مختلف التخصصات، فيتم بذلك انقاذ الكثير من الأسر والأبناء من الفقر والهشاشة، ويتم من خلال ذلك زرع الأمل في عشرات الآلاف من الأسر.
فبدلك يتححرك الاقتصاد، والرواج، وتحل بعض المشاكل الاجتماعية كالعزوف عن الزواج، واليأس النفسي الناقم عن الأوضاع، بسبب انعكاسات البطالة الفقر، والحرمان من خدمات الكرامة المتعددة!
علاوة على هذا المعطى، تترك لأصحاب هذه المغادرة فرصة البحث عن الذات في عالم الخصخصة، وتوظيف الأموال الممنوحة في اتجاه احداث المشاريع الصغرى أو المتوسطة، فتخلق فرص شغل جديدة للأقارب وغير الأقارب.
فتشبيب الإدارة يعني مزيدا من الجرأة والتخلص من عقدة العمليات الحسابية، والاتجاه نحو خلق فرص جديدة، ليس للعاطين فقط؛ بل للأسر والآباء والأمهات، والاقتصاد، من خلال تحريك عجلة الاستهلاك المنتجة للانتاج، وترويج الأسواق، وتشجيع الاقتراض، وتحريك الأسواق المالية والعقارية والاستهلاكية وهكذا دواليك.
أما بالنسبة للقطاع الخاص فتحقيق الحماية الاجتماعية، و عدم التحايل على قانون الشغل من طرف الجميع، الأجراء وأصحاب الشركات والمصانع ومختلف المؤسسات الانتاجية والخدماتية، يعد منبع الوطنية الصادقة، واخلاصا للإنسانية بمفهومها النبيل.
فكيف يعقل عدم التصريح بالأجير في أنظمة الحماية الاجتماعية، ووضع الأجراء تحت رحمة آلة الزمن لكي تفعل بهم ما تشاء، وتكون النتائج المستقبلية كارثية، نتائج تبرز مظاهرها في الشوارع من خلال جحافل المتسولين، والذين يشوهون سمعتنا أمام الأجانب، ضف إلى ذلك تناسل المشردين والمرضى النفسانيين بشيخوختهم المقهوروة، ولعل الشوارع و المساجد والأسواق والطرقات والمواقف وحتى المقابر أصبحت تضيق بهم، وكل ذلك راجع بطبيعة الحال إلى التمادي في التهرب من أجرأة الحماية الاجتماعية حين كان هؤلاء يكافحون بأبدانهم وعقولهم في عز شبابهم.
هنا تظهر الضمائر المهنية على حقيقتها وتضامنها في ظل أنسنة العمل المقاولاتي المواطنتي. فالوطن يحتاج لمن يربح ويربح، وليس نفسي ثم نفسي، واستعباد الناس بدون أي وازع قانوني وأخلاقي.
أنظروا كيف تتعامل بلدان الاتحاد الأوربي مع العمال في أنظمة القوانين الاجتماعية!!!
فتوظيف الشباب مكان المغادرين طواعية ولو بالسلاليم الدنيا، هو بمثابة توسيع لطبقة وسطى نسبيا. وضمان لربح الاستقرار النفسي لأسرهم، وبالتالي ربح لمفهوم الاستقرار الاجتماعي.
ومن باب الحكمة، أن تتخلص هذه التوظيفات من عقدة القوانين مؤقتا، والدخول في مفهوم الاستثناء وليس في الالحاح على تكافؤ الفرص، والذي خلف ويخلف الكثير من الضحايا لبعض الأسر المغربية الهشة.
فاستهداف الأسر الأكثر هشاشة، والتي لا تتوفر على أي دخل، ودمج أحد أفرادها في الوظائف العمومية والشبه عمومية سياسة اجتماعية بكل المقاييس.
فمثلا!! إلغاء الامتيازات الضريبية على الشركات والمقاولات مقابل التكفل بالحماية الاجتماعية للعمال، واسترجاع تكلفة هذه الحماية عن طريق الرفع من الضرائب على تلك الشركات، بحسب ظروفها الانتاجية و بطرق لا تؤثر على تنافسيتها واستمراريتها، مع التشدد في محاربة التملص الضريبي، لا يقابل بالسجن! وإنما بالحجز على الممتلكات والحرمان من بعض الحقوق المدنية.
هذه الاجراءات، زائد الاجراء المهم التي اتخده جلالة الملك بتيسيير القروض للشباب الراغب في خلق المشاريع الصغرى والمتوسطة والتي تنم عن فكر اجتماعي واقتصادي عميق ودقيق، سيدفع بعجلة التنميتين الاقتصادية والاجتماعية ويشجع على استقرار الجميع.
فالنهوض بالاقتصاد من خلال زرع الأمل وطنية حقة، عكس الأفكار السطحية، والتي أضحت تروجها بعض الأقلام والتدوينات، التي لا تقدم المقترحات، بقدر ما تصب الزيت فوق النار باتقانها اللعب على مآسي ومعاناة بعض الفئات الاجتماعية أو بعض الجهات.
ففتح المناصب من خلال إحياء المغادرة الطوعية، وتشجيع الليونة في إجراءات التقاعد، وتيسير منح القروض كفيل بتحريك الاقتصاد، وتنمية المجتمع، على أساس التضامن الفعلي الفعال.
أما تدبير الأمور بالتجاهل، أو حلال اليوم وحرام غدا، فهي من الأمور التي لا تستقيم أخلاقيا وتراثيا، بل وتنم عن جهل عميق بالتطورات المجتمعية التي يشهدها العالم ككل!
سأعود في مقال جديد قريبا، لطرح اقتراح ثالث لعل وعسى، نجد من يسمع ويقدر المقاربات التشاركية، البعيدة عن خطابات عقلية الأبراج العالية، والتي تلخص كل شيء في عبارة إقصائية وفقط، عبارة بعيدة عن الانفتاح على تعدد الآراء، عبارة تواجهنا في بعض الأحيان ب: من أنت ومن تكون!!!.
1 Comment
ليس ما يسمى بالمغادرة الطوعية صيغة أخرى من نهب للمال العام بطريقة قانونية فقط، تستفيد منها بعض الفئات المحظوظة من الموظفين الذين يتم اختيارهم بطريقة (…!)، من طرف إداراتهم للاستفاذة من هذا الريع و المال السايب دون آخرين، و إنما هي أيضا عملية تمييزية، تخلق الفوارق بين موظفي الدولة و تجعل غير المستفيدين من هذا الريع و الإمتياز يشعرون بالإقصاء و الدونية و التهميش. من ثم لم تكن المغادرة الطوعية، في يوم من الأيام، إنجازا حكوميا، بل ريعا و هدرا للمال العام و خطاء حكوميا فاذحا مذويا، لذلك يجب إلغائها فورا و بدون تردد، احتراما لكل المتقاعدين و المتقاعدات، الذين تم الإجهاز على حقوقهم و حقوق أبنائهم، ينتظرون المساواة في الأجر و المعاش و العيش الكريم.