أنواع هجرة المسلمين في هذا الزمان
أنواع هجرة المسلمين في هذا الزمان
محمد شركي
من المعلوم أن الهجرة النبوية هي من أهم أحداث الإسلام ،ولذلك سجلها القرآن الكريم لتكون عبارة عن دورة تكوينية تتكرر مع حلول كل عام هجري جديد بالنسبة للمسلمين في كل المعمور .ومع أن سبب ما نزل فيها من قرآن يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هاجروا معه، فإن العبرة بعموم لفظ ما نزل فيها ليعم حكمها كل مسلم حتى تقوم الساعة .
ولقد جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوجه المسلمين من بعده إلى الفهم الصحيح لما يجب أن تكون عليه هجرتهم التي ليس من الضروري أن تكون كهجرته مطابقة لها ،فضلا عن كون هجرته متفردة وخاصة به وبمن عاصروه من المسلمين ولها ظرفها الخاص بها ، ومن توجيهاته تلك عليه الصلاة والسلام قوله : « لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية » ، وقوله : » المهاجر من هاجر ما نهى الله عنه » ، وفي هذين القولين كفاية للدلالة على أن ممارسة فعل الهجرة بالنسبة للمسلمين تحكمه ظروفهم لأنها هي التي تملي عليهم أشكالها وأساليبها وكيفياتها ،وإن كان القصد من الهجرة مشتركا بين الجميع ،ويمكن اختصار هذا القصد في القول بأن الهجرة عبارة عن انتقال من حيز لا يسمح بممارسة الإسلام دون عوائق إلى حيز آخر يسمح بذلك .
ومعلوم أن أوضاع المسلمين لم ولن تكون أبدا واحدة بالنسبة لممارستهم للإسلام ، لهذا تختلف أنواع هجرتهم حسب ظروفهم زمانا ومكانا . وإذا ما استعرضنا أحوال ممارسة المسلمين لتدينهم في زماننا هذا ،نجد أنهم يعيشون في بيئات مختلفة من حيث حرية هذه الممارسة ، فهناك من يعيشون في بيئات غير إسلامية وهم نوعان من حيث حرية ممارسة تدينهم :
أ ـ نوع يتمتع بنوع من الحرية لأن البيئات التي يعيشون فيها تسمح بنوع أوة بهامش من حرية ممارسة التدين ، ولا تضيق عليهم في ذلك ، وهؤلاء حالهم اليوم كحال المهاجرين الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة .
ب ـ ونوع آخر يعيشون في بيئات للمسؤولين فيها نوع من الحساسية ضد الإسلام ،وهم إما يناصبونه العداء جهارا أو يموهون على ذلك ، لهذا يضيقون على المسلمين في ممارسة تدينهم ، وليس لديهم خيار في الهجرة إلى بيئات أخرى لأسباب معيشية ، وهؤلاء حالهم كحال من تعذرت عليهم الهجرة زمن النبوة، فاضطروا للعيش في حيز مكة وهي يومئذ دار كفر وشرك، يضايقون فيها كأشد ما تكون المضايقة .
أما المسلمون الذين يعيشون في بيئات محسوبة على الإسلام فهم أيضا نوعان : أ ـ نوع يتمتع نسبيا بحرية ممارسة تدينه، لا يعاني في ذلك من مضايقات ، وقليلة هي البيئات التي يتوفر فيها هذا الظرف ، وهؤلاء حالهم حال مهاجري الحبشة . ب ـ ونوع آخر يعاني في ممارسته تدينه على الوجه المطلوب شرعا، ولا حل له ، وتختلف معاناتهم من بيئة إلى أخرى لأن بعض المسؤولين في بعض تلك البيئات لا يختلف تضييقهم على المسلمين عن تضييق المسؤولين الذين يناصبون الإسلام العداء في بيئات غير مسلمة ، وكأنهم يسايرونهم في ذلك أو يتلقون منهم التعليمات مباشرة لممارسة التضييق على حرية التدين . والمسلمون المضيق عليهم في تدينهم في البيئات المحسوبة على الإسلام ،والمستبد حكامها حالهم كحال من تعذرت هجرتهم من مكة وهي يومئذ دار كفر وشرك .
والمسلمون على اختلاف أحوالهم حسب اختلاف البيئات التي يعيشون فيها لا مندوحة لهم عن الهجرة إلى القرآن الكريم ، وإلى سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم يعرضون أنفسهم على الإسلام كما يصورانه ، وكلما وجدوا لديهم بعدا عنهما وجبت هجرتهم إليهما مع هجر ما يبعدهم عنهما ، ولا يتيسر ذلك للجميع لأن الظروف والبيئات مختلفة كما سبقت الإشارة إلى ذلك .
ومعلوم أن المسلمين في البيئات الإسلامية يجدون في القرآن الكريم وفي السنة المشرفة أحوالا وأحكاما لا وجود لترجمة لها في الواقع المعيش ، فيشق عليهم ذلك ، ولنضرب على ذلك مثالا واحدا يفي بالغرض، ويتعلق الأمر بآيات الحدود على سبيل المثال لا الحصر دون أن نعين حدا منها ، فالمسلمون يجدونها في الكتاب ، ولا وجود لها في الواقع ، بل يوجد من ينوب عنها من القوانين الوضعية للبشر ، وفي هذه الحالة تتعذرعندهم الهجرة إلى القرآن الكريم وإلى السنة النبوية المشرفة. ويجد المسلمون أيضا في الكتاب والسنة تصنيفات للبشر مؤمنون ، وكفار، ومنافقون ، وأهل كتاب المحاربون منهم للإسلام والمسالمون له ، لكنهم يمنعون في واقعهم المعيش من أن يتعاملوا مع هذه الفئات التعامل القرآني المطلوب معهم ، بل أكثر من ذلك تفرض عليهم أنواع من التعامل معهم فرضا لاعتبارات سياسة لدى الحكام ، وفي مثل هذه الحال تتعذر عليهم الهجرة أيضا إلى القرآن الكريم ، ويكون حالهم كحال من تقطعت بهم سبل الهجرة من مكة وهي يومئذ دار كفر في زمن النبوة . ولا يبقى أمامهم سوى أنواع من الهجرة سرية إلى القرآن الكريم وإلى سنة سيد المرسلين تماما كما هو حال المهاجرون السريون اليوم والذين يهاجرون من أجل لقمة العيش فرارا من الفقر والفاقة وسوء الحال ، وهم يعرضون أنفسهم للهلاك في البحار والمحيطات والفيافي ، وقد لا تقل مهالك المهاجرين سرا إلى كتاب الله عن مهالك المهاجرين سرا من أجل لقمة العيش خصوصا في بعض البيئات المحسوبة على الإسلام وهي دار طغيان واستبداد.
Aucun commentaire