من زاوية أخرى.. متى تسمع الحكومة أنين المواطن؟
عبد الصمد ادنيدن
يواجه المواطن المغربي وحيدا موجات ارتفاع الأسعار، إذ ما يفتأ يتجاوز موجة غلاء حتى تضربه أخرى أكثر منها قوة وتأثيرا، حتى أصبح كالسفينة المخروقة التائهة وسط أعماق البحار بأمواجه العاتية، حيث مصيرها الغرق في الأخير، مهما صمدت وقاومت، فالمصير المؤجل لابد منه؛ إن سفينتنا المخروقة لم تجد فئة واسعة ممن عليها بعد سترات نجاة تحميها ولو نسيبا إذا رمتها الأمواج إلى سطح البحر أو غرقت السفينة، حيث إن ركابها من الأجراء والموظفين البسطاء والمياومين ومعهم من في وضعية بطالة، أصبح وضعهم يثير الشفقة.
ففي سياق عالمي يطبعه ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأولية التي تدخل في تركيبة الصناعات الغذائية، خلال الأشهر الأخيرة، وما واكبه من غياب لإجراءات وقائية وحمائية من طرف الحكومة، ولا مبالاة بحال ووضعية سفينة المواطن البسيط، رفعت أغلب الشركات المنتجة للمواد الغذائية خاصة الأساسية أسعار منتجاتها، ولوحظ أن عددا من هذه الزيادات كان غير منطقي، حيث حققت بعض من هذه الشركات أرباحا صافية تجاوزت ضعف ما كانت تحققه خلال السنوات السابقة في نفس الفترة -أي قبل موجة الغلاء-.
إذ ما كادت سفينة المواطن المغربي تتكيف مع موجة غلاء المواد الغذائية التي نهجتها أغلب الشركات الرأسمالية الجشعة، حتى تعرضت لضربة المدارس الخصوصية، ثم اللحوم والخضر، وارتدادات موجات النقل وكل ما يستهلكه المواطن في حياته اليومية، تحث غطاء مبررات منها ما يمكن قبوله أو تقبله فيما يبقى الكثير منها مجانبا للصواب والمنطق ولا يعبر إلا عن جشع بعض الحلقات المشكلة لسلسة الاستهلاك، التي استغلت موجة الغلاء لرفع أثمنة منتوجاتها أو البيع رغم استقرار تكلفة الإنتاج أو الشراء بالجملة، وكأن هناك اتفاقا ضمنيا على إغراق سفينة المواطن البسيط.
صراحة أمر هذه الموجات المتكررة والمتعددة يثير الاستياء، ففي الوقت الذي وازنت أغلب حلقات الدورة الاستهلاكية نظام عملها مع موجات الغلاء، فزاد مقدمو الخدمات من أسعار خدماتهم بعد ازدياد متطلبات حياتهم، ورفع التجار من ثمن السلع، والشأن نفسه بالنسبة للفاعلين في مجال النقل، والأمر سيان للمدارس الخصوصية، وأصحاب الأعمال الحرة…، ظل المواطن البسيط « موظف وأجير ومياوم » الحلقة الهشة والأضعف، حيث تجمد أجره وبقي ثابتا منذ عقود رغم ما نشهده من تضاعف لمتطلبات الحياة وارتفاعات للأسعار سنة بعد أخرى، فيما فئة العمال ذوي الحد الأدنى للأجور « السميك » فتظل أضعف حلقات ركاب السفينة، الذين لم تعد تكفيهم أجرتهم حتى لكراء شقة بسيطة بالدارالبيضاء أو الرباط وغيرهما، أما الطلبة أو من في وضعية بطالة فهم غرقوا في الموجة الأولى وأصبحوا في حالة فقد وغرق جماعي.
لذلك نعتقد أنه على الحكومة اليوم الاستجابة فورا لمطلب المواطنين المنطقي والمشروع، الذي اجتاح منصات التواصل الاجتماعي، والقاضي بخفض أسعار المحروقات على غرار ما حدث بمختلف بقاع العالم، فضلا عن اتخاذ إجراءات عملية في هذا الصدد، والتي تطرقنا لها أكثر من مرة في هذا العمود، لكي يظل ثمن المحروقات مستقرا أو مرنا في حدود المنطق والمعقول.
من جهة أخرى، يجب على الحكومة بمؤسساتها، أن تلجأ إلى افتحاص مالية الشركات المستفيدة من هكذا وضع، والتي تفترس المواطن البسيط على مدى عقود مضت؛ فبدل أن تكون شركات مواطنة، استغلت الظرفية لتراكم الأرباح مقابل تدمير القدرة الشرائية لأغلب المغاربة، إذ لا يعقل أن نقبل تسجيل رقم معاملات موحد لشركة تنتج مادة أساسية ورئيسية خلال الربع الأول من سنة 2022، ارتفاعا مهما وصل إلى نسبة 63 في المائة ليصل إلى مليار و644 مليون درهم مقابل مليار و9 ملايين درهم خلال الفترة ذاتها من سنة 2021.
هنا لابد من طرح السؤال: ألا يجب على مثل هذه الشركات أن تظهر جزءا من وطنيتها خلال هذه الظرفية الحرجة؟ أو على الأقل رفع أجور عمالها، إذ من المفارقات الغريبة أن هذه الشركات والمؤسسات سواء الصناعية أو المقدمة للخدمات رفعت أسعار منتجاتها وخدماتها وحققت أرقام معاملات خيالية دون أن يكون لذلك تأثير على أجور موظفيها وعمالها، ووضعياتهم.
وأخيرا، وبشكل مستعجل وجب على الحكومة أولا مراجعة قيمة الحد الأدنى للأجور الذي لم يعد يكفي ويصلح حتى ليكون تعويضا عن البطالة « شوماج » (الذي تنهجه الدول المجاورة في الضفة الشمالية لنا)، ثم مراجعة قيمة الأجور لكافة الموظفين دون استثناء، فضلا عن نهج سياسة حقيقة لخفض أرقام البطالة المهولة، كما ينبغي لمجلس المنافسة المؤسسة الدستورية أن يتدخل، فإن لم يتدخل في مثل هكذا وضعيات فما دوره ؟ فهل تصيغ الحكومة السمع لصوت المواطن اليوم؟ أم تتركه لحاله وتلجأ إلى أذان طين أو عجين حتى تغرق السفينة ؟
ضمن عدد الإثنين 18 يوليوز 2022 من جريدة بيان اليوم
Aucun commentaire