الواحة : فجيج البستان
جمال حدادي
لسبب ما، لأمر جلل، كان علي أن أزور واحة فجيج، الذهاب في فجر يوم السبت قبل العيد، بعد يوم عرفة، و العودة في اليوم نفسه بعد حضور مراسيم جنازة إحدى أعز عماتي رحمها الله تعالى، في عز فصل الصيف حيث درجات الحرارة تتجاوز الخمسين في قارعة الصحراء و الخمس و الأربعين في الظل، في طريق تجعلك تتساءل مئات المرات، أي شيء ثمين نفيس قيم يجعل الناس تتشبت بهذا الأصل النفيس بالانتساب لهذه الواحة العظيمة، أي كنوز فيها تجعل الجميع ممن ينتسب إليها يحج في مواسم معينة للذهاب إليها، و لا يحس بدعة و طمأنينة إلا و هو يتجول في دروبها الهادئة، يزقزقة عصافير باعثة للأمل ببشارة الخيرات نسميها تابشيرت، و روائح التراب المنبعث من الأرض و من جردان الأزقة و إسقيفنها أي أسقفها، و عطور القهوة المعطرة صباحا و الكسكس المزعفر غذاء و مساء، و صراخ أطفال اختلطت أمازيغيتهم بالعربية بلكنة باعثة على التأكد من نجابتهم في إحكام النطق بأية لغة، و تحيات نساء لابسات الحائك، منتشيات بحبهن للحياة، متوجهات كل واحدة منهن لغرض ما من أغراض البيت، تحيين كل باب من القصر، تعرفن من تسكن فيه، تسألن عن أخبار البيوت، بيوت كانت بالأمس القريب لا تغلق صباح مساء، و رجال يتوجه بعضهم للبساتين و الجنان، و بعضهم الآخر لقضاء أغراض أخرى يومية، و بعضهم يلبث في دكانات مصنوعة للاحتماء من حر الصيف و تبادل الأخبار و تداول خبايا الأمور و الاستشارات، بينما تمر دراجات هوائية أو نارية عوضت بالأمس دوابا كالحمير المبردعة و التي تحمل التبن و القش أو أغراضا أخرى من البيت إلى البستان أو العكس
.
و كل مرة أتوجه فيها لهذه الواحة، ينتابني ألف سؤال ما سر هذا الشعور الدفين بالانتماء، هذا الشوق الذي يكاد لا يفارقني بالافتخار بهذا الانتماء نفسه، رغم كوني لم أعش فيها لمدة طويلة سوى تلك الأيام التي كان يأخذني والدي حفظه الله لقضاء أيام عيد الأضحى أو تلك الأيام التي كنت أدع كل شيء من أجل قضاء عيد الأضحى في بيت عمي حفظه الله.
عيد الأضحى الذي يجلب إليه من كل حدب و صوب أبناء هذه الواحة الجميلة و الذين يأتون من كل فج عظيم عميق، على اختلاف الأعمار و الرتب المجتمعية، يحجون لقضاء يوم أو يومين بهذه البلدة الطيبة التي حفظها الرب الكريم و منحها من الهبات في وسط مجال صحراوي قاحل، تنتصب قرابة 350 ألف نخلة، أصبح بعضها في عداد الهشيم في منظر مفجع لعدة أسباب ليس العنصر المناخي و البشري إلا جزءا ضئيلا منها.
نعم عدت قبل عيد الأضحى بيوم لحضور العيد مع أسرتي، لكن حضرت التحضيرات و الاستعدادات في هذه المناسبة التي يخصص لها الفجيجيون طقوسا خاصة، تتجذر فيها الأصالة الدينية و التقاليد و العادات المتوارثة و التي لم ينل منها التجديد شيئا بل ما زالت منغرسة في قلوب أبناء الواحة و بناتها بفضل من بقي من الأجداد و الجدات، طقوس وجب الانتباه إلى تدوينها و دراستها و حفظها من الزوال، حتى لا يعتريها ما اعترى المدن من اقتصار طقس العيد على النحر و المجمر.
واحة تحتاج إلى التفاتات من جميع الجوانب، الطريق المؤدية إلها تتهالك يوما بعد يوم، و يكفي أن تعيش جحيم القطع المتهالكة لمدة تقارب السنة بين مفترق طرق جرادة و بركم لتتساءل أين المشكل؟، عليك أن تقطع هذا المسار لقرابة الساعة بسرعة 10 كلم في الساعة، أتساءل في حالة نقل مريض كيف ستسير سيارة الإسعاف و هي تسابق الزمن من أجل إنقاذ مريض؟ أتساءل كيف لي أن أشرح لسائحين قدموا من بلدان يمسون على ورش من البناء و يصبحون و قد انتهى ذلك الورش؟ أتساءل ما هي الحالة الميكانيكية التي تصير عليها الحافلات الراقية التي تفك العزلة عن هذه المناطق و كيف سيجرؤ أحدهم على الاستثمار بهذه الطريق التي تتهالك ليل نهار؟ أتساءل كيف لا يتم توفير أدنى مقومات الأمن و قد يلجأ بعضهم لاعتراض طريق مستعمليها ليلا ب تكسير الزجاج و السطو على محتويات السيارات و اللوذ بالفرار؟ من المسؤول؟ و كيف سيبقى المسؤولون مكتوفي الأيدي على حالة هذه الطريق و إلى متى؟
أسئلة و أخرى رافقتني في طريق الذهاب و الإياب إلى واحتي الجميلة فجيج، التي يجب التحلي بالصبر 400 كلم صبر أيوب للوصول إليها، ناهيك عن الوقفات المتكررة للسدود القضائية، و الأسئلة المعروفة، أوراق السيارة، إلى أين؟ و من أين؟ و لماذا؟ و كيف؟ نعم هي منطقة حدودية، و هي واحة تستحق كل العناية، و هي وجهة طالما دعا المسؤولون لجعلها وجهة سياحية بامتياز، كيف؟ الله أعلم، للإشارة بها نقوش ضاربة في القدم تصنف المنطقة ضمن أندر المناطق قيمة من حيث التاريخ لكن الجغرافية لم تنصفها، و كثير من الناس…..
Aucun commentaire