عدوانية يوم الامتحان
محمد شحلال
يحتار المرء أحيانا في تصنيف المواطن المغربي:ففي حالات الضعف،يتقمص صورة مخلوق لا تكفيه كل شفقة العالم،لكن هذا المواطن ذاته،قد يتحول إلى شخص لا حدود لشراسته،وغنى قاموسه في فن الاستفزاز.
إن الشارع حافل بصور المواطنين الذين يجسدون كل صنوف التمسكن، والعدوانية التي يتعين علينا أن نتوقعها في كل لحظة.
وهكذا،فليس من المبالغ فيه أن يحفل سجل كل واحد منا بنماذج من صور الهمجية التي واجهها ذات يوم،ولست نشازا في هذا المجال ،بسبب مهنة التدريس التي أريد لها أن تكون أخر الملوثات من المهن بعد طول شموخ .
خلال سنتي الأولى من العمل،وقع،،علي الاختيار،،-بلغة الوزارة الوصية-لمراقبة امتحان نيل الشهادة الابتدائية ببلدة ،،أولاد عياد،،(نيابة بني ملال).
كانت المدرسة فسيحة ،لكن أسوارها كانت من الهشاشة، بحيث يكفي المقتحم قفزة واحدة ليجد نفسه بحرمها.
انطلقت عملية إجراء الامتحان بهدوء ،لا سيما وأن المترشحين لا تخفى بداوتهم،لذلك انشغلوا بكل براءة في معالجة ما يستطيعون من تمارين.
ما إن مرت الحصة الأولى،حتى سمعت صوتا أنثويا يناديني من الخارج،وذلك بأحد الألقاب المنذورة للشخص المجهول الهوية في ثقافتنا الشعبية.
توجهت نحو مصدر الصوت ،لأجد في الجهة المقابلة ،شابة تلوح بيدها ،قبل أن توجه لي رسالة مقتضبة وبلغة الأمر:
-أتا،تهالي في الدري اللي كالس ف…
صرفت نظري عن هذه الشابة التي، غاب عنها ما كان يواكب إجراء الامتحانات يومئذ ،من عواقب لمجرد أدنى هفوة،فلم أعرها اهتماما.
لم تتقبل الفتاة هذا الإعراض،فلجأت إلى احتياطي النساء من أسلحة الهجوم ،الناطقة بكل صنوف الإهانة،استهلتها بشتيمة طويلة، لم تستثن فيها أحدا ممن ينتهي لديهم نسبي،ثم شرعت في التهديد الذي وصل إلى أسماع أحد رجال الدرك الذين يسهرون على الأمن.
أخبرته بالذي جرى، فانطلق كالسهم في اتجاه ،،الجانية،،التي ساعدتها بداوتها على العدو لتختفي في الحقول،وكانت مناسبة لتنفض جموع النساء اللواتي كن يواكبن امتحان الأبناء والأقارب.
طلب مني أحد الدركيين فتح محضر لتوقيف المعتدية ،فاعتذرت تجنبا لمتاهات ،،الشرع،،!
قبيل منتصف النهار،تلقينا دعوة لتناول وجبة الغذاء، التي أعدها أحد أعيان البلدة لكل الطاقم المشرف على الامتحان لانعدام المطاعم هناك.
كانت مائدة الطعام ،بمواصفات الكرم المغربي،لكن حادثا طريفا أنساني في قائمة السباب والقذف اللذين استفزا صاحب المأدبة فاعتذر لي بالنيابة، متوعدا بالثأر !
لقد أصبت من صنوف الطعام التي قدمت للحاضرين،لكنني وقعت في،،حيص بيص،،عندما وجدتني في مواجهة صحن فيه فاكهة كبيرة، وقد غرست السكاكين في كل جوانبها !
شعر أحد جلسائي ،، بحرجي ومن ثم بتخلفي،،فأخبرني بأن ما أراه،بطيخة حمراء،جردت من قشرتها الخضراء من أجل التزيين فقط !
كانت أول مرة أرى فيها،،الدلاح،،يعرض مجردا من جلبابه الأخضر،وأخفيت شعورا بالاعتزاز ،وأنا أرى ابتكارات المغاربة التي لا حدود لها،والتي ستظل شوكة في حلق الأعداء حيثما كانوا.
غادرت نيابة،،بني ملال،،(بلاد الخيرات)في وقت قياسي،لأستقر بنيابة ،،تازة،،حيث كانت مشاركتي في أعمال،،السكريتاريا،،المتعلقة بامتحان نيل الشهادة الابتدائية،مختلفة هذه المرة،ذلك أن ما عايشته يهون أمامه كل سباب العالم،ويخدش صورة بعض رجال التعليم بشكل لا يغتفر.
دعاني المفتش المشرف على الامتحان ،لمساعدته في تقييم عملية التصحيح ،فاقتسمنا أوراق التحرير،ليكون من نصيبي امتحان إحدى الفرعيات بالإقليم.
لقد فوجئت بأن القلم الأحمر، قد عمم الأصفار على أجوبة، بعيدة كل البعد عن المطلوب ،ومكتوبة بخط بئيس لا يمكن فك شفراته،لكن المصحح أو المصححين،وضعوا العلامة الكاملة في خانة النقطة النهائية !
لم يكن بين أوراق التحرير استثناء،فقد وزعت النقط بعدالة،مما جعلني أعرض ،،الملف،،على السيد المفتش الذي كاد ينفجر لهول ما رآى،فانبرى لينجز تقريرا في النازلة .
سود الرجل عدة صفحات ونقحها، ثم ما لبث أن خاطبني بلهجة من يبحث عن مخرج مشرف:
-ما حدث،هو في الواقع جريمة،بل هو خيانة للأمانة،وتنصل من الضمير المهني،لكن تصور معي أبعاد أي إجراء قانوني:
ستكون هناك متابعة للمدير والمراقبين ،وسيتطلب ذلك اخبار النيابة،ثم الوزارة،وانتظار الردود التي قد تعصف بعدة رؤوس،ناهيك عن إعادة الامتحان وما تتطلبه من لوجيستيك …
مزق السيد المفتش،،مشروع تقريره الحاسم،،وطلب مني الصمت!
قلت للمسؤول:
قمت بما طلبت مني،وأطلعتك على ماحصل،وهنا تنتهي مهمتي لتبدأ مهمتك !
اكتفى بالحسرة،وتركنا المترشحين ينجحون بامتياز !
عندما أتابع ،،حراك ،،رجال التعليم ،وهم يحتلون الشارع العام، دفاعا عن قضايا لا تخلو من وجاهة، بعد موت النقابات السريري،أتساءل ما إن كان السادة المدرسون يلزمون الحياد حينما يتلقون استدعاء لبقا في لغته :
نظرا لنزاهتكم المعهودة،فقد وقع عليكم الاختيار للمشاركة في عمليات إجراء الامتحان…
Aucun commentaire