الديمقراطية في دول العالم الثالث بين الواقع والافتراض وبين قرار الداخل وإملاء الخارج
محمد شركي
المشهور شهرة الابتذال في تعريف الديمقراطية أنها حكم الشعوب نفسها بنفسها ، وهو أمر ليس بالمستحيل، ولكنه صعب المنال بشهادة الواقع . ولا شك أن الديمقراطية على النمط الغربي هي المرجع إن لم نقل هي الإسوة والقدوة بالنسبة لغير بلاد الغرب في المعمور ،إلا أن واقعها في بلاد الغرب يطرح سؤالا عن إمكانية التأسي والاقتداء بها ، والشاهد على ذلك الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر قاطرة الدول الغربية حيث كادت اللعبة الديمقراطية فيها تنزلق إلى عبث انتخابي كما يحصل في دول العالم الثالث من التي تشتهر بحكم العسكر الشمولي ، وبأسلوب الانقلابات العسكرية ، وذلك حين لجأ أنصار الرئيس الأمريكي المنهزم إلى أسلوب الانقلاب من خلال احتلال مبنى الكونغرس الذي كان يجتمع فيه ممثلو شعب يحكم نفسه بنفسه حسب ما تقتضيه تعريف الديمقراطية .
ولقد أفزع ما حدث في الولايات المتحدة الغرب برمته لأن في خروجها كقاطرة عن سكة الديمقراطية يترتب عنه خروج باقي العربات التي تجرها . ولو قدر للانقلاب على الديمقراطية في الولايات المتحدة أن ينجح كما هو قدرها في كثير من بلاد العالم الثالث والوطن العربي بطبيعة الحال من ضمنها لأصبحت الديمقراطية بالنكهة الغربية في مهب الريح، وتحولت إلى نكهة ديمقراطية العالم المتخلف .
وما يؤخذ على الديمقراطية الغربية أنها تكيلها بمكيالين ذلك أن ديمقراطيتها الخاصة بها شيء ، والديمقراطيات التي تقرها بدول العالم الثالث شيء آخر تماما كما تستأثر بصناعات لنفسها ، ولا تسمح بها للعالم المتخلف عن ركبها الحضاري لأنه في اعتقادها أنه لم يبلغ بعد نضجها ورشدها ، وحتى إن بلغه فإنه لا يرضيها أبدا أن ينافسها فيما هي أجدر وأحق به منه .
وبسبب كيل بلاد الغرب بمكيالين بخصوص توزيع الديمقراطية بينها وبين عالم متخلف عنها ،فإنها تبارك ذبح الأنظمة الشمولية في دول العالم الثالث الديمقراطية التي تتشدق بها وتعبر نفسها وصية عنها ،ذلك أن الأنظمة الشمولية ومعظمها أنظمة عسكرية تحكم شعوب بالقبضة الحديدية عوض أن تخلي بينها وبين حكم نفسها بنفسها كشعوب العالم الغربي . ومع علم البلاد الغربية بافتراضية الديمقراطية التي لا أثر لها في واقع في بلاد الأنظمة الشمولية، فإنها تغض الطرف عنها لأن مصالحها تقتضي ذلك ، علما بأنها هي التي تصرح بأنه ليس لها عداوات دائمة ،ولا صداقات دائمة ، وما هودائم عندها هو مصالحها. والأدهى من ذلك هو أنها تتورط في عملية الإجهاز بأسلوب أو بآخر على كل تجربة ديمقراطية في دول الأنظمة الشمولية لتصير الديمقراطية فيها إملاء منها إلى جانب كونها افتراضية .
وبدافع الحرص على مصالحه الدائمة في دول العالم الثالث يتدخل الغرب في كل تجربة ديمقراطية بدول العالم الثالث إذا ما أفرزت ما لا يقبله من نتائج مما لا يضمن مصالحه الدائمة أو يتعارض معها، وحينئذ يوعز لأنظمته أن تتدخل بشكل أو بآخرـ لا يهم أن يكون مكشوفا أو مموها ـ من أجل الدفع في اتجاه ديمقراطية افتراضية أو لنقل بتعبير أدق صورية ،تذر الرماد في العيون للتمويه على أكذوبة حكم الشعوب نفسها بنفسها ،وهي في واقع الأمر محكومة بدوام مصالح دول الغرب لا غير ، وتكون النتيجة عبارة عن مسرحيات انتخابية هزلية مثيرة للضحك والسخرية تنتج ديمقراطيات افتراضية مملات من طرف أصحاب المصالح الدائمة في البلاد السائبة التي طال حلم شعوبها بحكم نفسها بنفسها .
ولا ندري هل سيدور الزمان دورته في دول العالم الثالث ،فتتحول الديمقراطيات الافتراضية المملات من طرف أصحاب المصالح الدائمة بزوال هذه الأخيرة في يوم من الأيام أم أن قدر هذا العالم البائس هو أن تبقى داره كدار لقمان على حالها إلى قيام الساعة بحلول يوم الدين الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين فيوفيهم يومئذ حسابهم وهم لا يظلمون ؟
Aucun commentaire