مشكلة اﻷفكار في عالم التربية والتكوين
مشكلة اﻷفكار في عالم التربية والتكوين
Mohammed Gabli محمد كبلي
أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم وجدة
العنوان مستوحى من كتاب « مشكلة اﻷفكار في العالم الاسلامي » للمفكر البارز مالك بن نبي (1905-1973) والذي يعد بحق من أهم رواد النهضة الفكرية الاسلامية في القرن العشرين ومن أكثر المفكرين المعاصرين الذين نبهوا الى ضرورة العناية بمشكلات الحضارة. خلاصة الفكرة في هذا الكتاب أن مشكلة العالم الاسلامي اليوم هي مشكلة أفكار أكثر منها مشكلة وسائل
لقد استهواني هذا الكتاب كثيرا منذ قرأته قبل 15 سنة، لكني لم أعد لقراءته كما هو الحال بالنسبة لكتب أخرى، لانشغالي بالدراسة والبحث في مجالات أخرى … لكن الكثير من أفكار هذا الكتاب أجدها حاضرة في زمن وباء كوفيد-19
بعد ظهور هذا المرض اعتزل الناس وحيدين وعمهم الفراغ، فصارت طريقة ملء الانسان لفراغه هي التي تحدد نوع وطراز تفكيره، وانقسم الناس بذلك الى نوعين
النوع الأول : أن ينظر المرء حول قدميه أي نحو الأرض فيملأ وحدته بالأشياء … يشاهد التلفاز حينا ويملأ أغلب وقته بالتيه في وسائط التواصل الاجتماعي … في هذا العالم نتغلب على كآبة الشعور باستهلاك الأشياء مما يولد ثقافة استهلاك مبنية على جذور تقنية … انه عالم تتركز فيه الأفكار حول الأشياء
النوع الثاني : أن يرفع الانسان بصره نحو السماء، فيملأ وحدته بالأفكار … يتأمل … فلحظات التأمل ربما هي أصدق اللحظات في حياتنا. عندما نفقت الغزالة التي تبنت الطفل حي بن يقظان في قصة ابن طفيل، جزع جزعا شديدا فكان ينظر الى كل عضو من أعضائها فلا يرى بشيء منها آفة ليزيلها عنها، وبعد محاولات عديدة سما ذهنه كي يكتشف شيئا فشيئا الروح ثم خلود الروح وأخيرا فكرة خالق … في هذا العالم تتركز الأشياء حول الفكرة، فالتغلب على الكآبة يكون ببناء الأفكار واكتشافها، انه نموذج ثقافة ذات جذور أخلاقية
أردت أن أنطلق من هذه المقدمة لأجد لنفسي وللقارئ الكريم حافزا للتأمل واعادة التفكير في الكثير من قضايا عالم التربية والتكوين، علنا نخلص الى أفكار دافعة نحو تحسينه والمضي به قدما الى الأمام، وفي مايلي مشاهد سريعة
المشهد الأول : في عالم الانتاج الحالي حيث المنتوج هو الفكرة، أصبحت الأدمغة المبدعة نفيسة وفي الان نفسه نادرة … فما الذي تقدمه مدرستنا اليوم لخلق هذا النوع من العقول؟ يمكننا أن نسائل البيداغوجيا المستعملة قي مدارسنا وجامعاتنا، كما يمكننا أن نتأمل الامتحانات النمطية التي تتكرر بنفس الطريقة … في أقصى الحالات قد نوفر عقولا متقنة (مقلدة) على قلتها، ولكن هل ننشئ العقول المبدعة القادرة على خلق الأفكار؟
المشهد الثاني : في دراسة تحليلية لنتائج الثالثة اعدادي قمت بها رفقة مجموعة من أطر التوجيه التربوي سنة 2012 –2013 باحدى المديريات الأقليمية المغربية، توصلنا الى مجموعة ملاحظات تحيلنا إلى إشكالية تعاني منها المدرسة المغربية عموما وهي عدم قدرتها على تصحيح الاختلالات التي تقع أثناء المسار الدراسي. فإيقاع المدرسة واحد لا يتغير ولا يوفر الآليات لمعالجة كل خلل قد يظهر في التعلمات. انه كالقطار السريع، من استطاع الركوب فذاك ومن لم يستطع (ليس دائما لعدم كفاءة) فلا سبل لانقاذه. في دراستنا هذه، وجدنا أنه يسهل علينا تقدير نتائج تلميذ ما في الدورة الثانية انطلاقا من نتائجه في الدورة الأولى وبدقة عالية، لا شيء سيتغير ما دمنا لا نستطيع توفير الاليات المناسبة لمواكبته
المشهد الثالث : عندما توقفت الدراسة بفعل جائحة كوفيد 19، ارتبك المشهد التعليمي لأنه لا سابقة لهذا الأمر. اشتغل العقل التكتيكي لايجاد مخرج لهذا المشكل، وبذلت مجهودات كبيرة، وتحدث الكثيرون عن الأمر… ولكن مهما يكن من تقييم لهذا الفعل فسيبقى اجتهادا مرحليا يهم مأزقا أو أزمة طارئة … ما يجب تقويمه هو الفكر الاستراتيجي … أهو قدر أن يكون همنا حل مشكلة انية تلو الأخرى؟ أعلينا أن لا نفكر في أمر الا بعد حدوثه؟
ان التخطيط للغد ينبغي أن يبدأ اليوم ولا مجال للانتظار، وما علينا الا أن نبادل الموت الذي يداهمنا في هذه المحنة بالابتسام والعمل … سنموت يوما ما بفيروس أو حادث سير أو على الفراش، وأمام قدرنا هذا ما علينا الا أن نبتسم … ونبتكر الأفكار فكرة تلو الأخرى في زمن الشلل عن التفكير
Aucun commentaire