أنقذوا أطفالكم
احتفل العالم يوم 20نوفمبر 2019باليوم العالمي للطفولة وبالمناسبة أقدم هذا الموضوع المتواضع
موليلة بنيونس
أنقذوا أطفالكم
يُعرف الطفل في القانون الدولي بأنه الإنسان الذي لم يستكمل نموه الجسمي والعقلي ،و له الحق في تحقيق التنمية الشاملة والحصول على الرعاية الكاملة منذ الصرخة الأولى حتى بلوغ سن الرشد كما تجب المحافظة على حقوقه في كل مراحل نموه حتى يدرك السن التي تسمح له بتحمل المسؤولية في نظر القانون وقد حددها المشرع في السن الثامن عشرة
وتعتبر الأسرة هي اللبنة الأساسية في الحفاظ على هذه الحقوق وعلى هذه المتطلبات الحياتية اللازمة في عملية تنشئته وفي تكوين شخصيته ولن يتأت له ذلك إلا عن طريق تربية هادفة تتجاوز النظرة التقليدية للتعامل معه والبحث عن بدائل أكثر فاعلية ، وهي بدائل تعتمدها اليوم عدة دول في مجتمعاتها تقوم على التعاون والاحترام وإشراك الأطفال في تحمل المسؤولية و تعليمهم قواعد الأمان التي تتيح لهم إمكانية الشعور بالمسؤولية عما يصدر عنهم من أفعال وما سيتحقق لهم من نفع بناءا عما يتخذونه من قرارات مستقبلية وحاسمة تعزز نضجهم داخل المحيط الذي يحيون فيه و لتحقيق هذه الأهداف وبلوغ هذه المرحلة يستحسن الاسترشاد بالنصائح التالية
1- أحفظوا أطفالكم من سطوة التكنولوجية الرقمية الحديثة على عالم اليوم الذي عرف تغيرات متسارعة في الميدان العلمي والتكنولوجي مما حتم على الإنسان المعاصر التكيف مع المستجدات التكنولوجية خاصة الرقمية منها ،وقد أقر ميشل سيريس Michel Serres في بحث له بولادة إنسان جديد يطلق عليه Petite Poucette وذلك لقدرته على إرسال واستقبال رسائل بإبهامه و هذا الانتقال إلى التكنولوجية المستحدثة صاحبها انتقال سياسي واجتماعي ومعرفي وهذا واقع يجب أن نحيا به كما يقول سيرس وهو ليس جيدا ولا سيئا ،بل يجب فقط أن نعيد النظر في طريقة التعامل معه، ولتحقيق هذا التوازن الانتقالي إلى هذا العالم العجيب والمستحدث على واقعنا الاجتماعي المحافظ علينا أن نراقب أولادنا الذين أصبحوا يدمنون هذه الوسائل الرقمية بشكل سلبي إلى درجة أنه أصبحت تؤثر على حالتهم المزاجية والنفسية وكثير منهم تعرضوا لحالات اضطرابية كالقلق أو حتى الاكتئاب لأن أدمغتهم أصبحت بين أيديهم يقضون جل أوقاتهم في استخدام هذه الوسائل المُختلفة مع العلم أن أنسب مدة يمكن أن يقضيها الأطفال في استخدام هذه الوسائل هو نصف ساعة في اليوم
2- تسببت هذه التكنولوجية الدخيلة على الأسر العربية في زعزعت البنية الأسرية الموروثة عبر الأجيال والتي كانت تميزها بالاستقرار العاطفي والوجداني ،فهذا الوافد الجديد غير نمط العلاقات النفسية والوجدانية بين أفرادها فأصبحوا أشباه غرباء عن بعضهم البعض في البيت الواحد الذي يؤويهم ، ولتجاوز هذا الواقع الذي فرضته التكنولوجية الرقمية حاولوا أن تتواصلوا مع أطفالكم بشكل مستمر لملأ هذا الفراغ العاطفي ولخلق بعض التوازنات السلوكية داخل البيت يكون ما بين اللطف والحزم الضروريين في عملية الإشراف والتنشئة لأن الأطفال إذا لاقوا إهمالا من الأبوين بحثوا عن البديل فيخلقون عالمهم الخاص بهم ، حاولوا أن تعيدوا للبيت دفئه و بهجته قبل فوات الأوان
3- حاولوا أن تنصتوا إليهم لتكتشفوا مواهبهم وحاولوا كذلك أن تتحاوروا معهم لكي تنموا فيهم الملكات العقلية والذهنية التي يمتلكونها بالفطرة، وتساعدوهم على تعلّم ما يرغبون فيه شاركوهم ألعابهم وأفراحهم الطفولية فإنه عالم عجيب واخرجوا من النمطية التي تكونت لديكم عن مفهوم رب الأسرة
4- حببوا إليهم القراءة و ساعدوهم على اكتساب عادة التعايش مع الكتاب فالكثير من أطفالنا غابت عنهم هذه الميزات الإنسانية للأسف الشديد ،فالطفل الذي يتربى بين أحضان أبوين يحبان القراءة لا شك أنه سيتأثر بهما، اقرؤوا لهم القصص الجميلة و احكوا لهم حكايات اخترعوها من أجلهم، فإنهم يحبون ذلك وتنمي لديهم ملكة الخيال المبدع ساعدوهم على تخطي العجز أو عدم الرغبة في الاستجابة لما يراه الأبوان مفيدا لهم بطريقة حكيمة تراعي احترام شخصية الطفل
5- أطلعوا أولادكم على الواقع الاجتماعي بكل تجلياته الإيجابية والسلبية لا تحجبوا عنهم الطرف الآخر منه لأنهم قد يضطرون يوما إلى مواجهته أخرجوهم من تلك الدوامة التي يدورون فيها بشكل آلي وذلك العالم الضيق الذي يحيون فيه، فأطفال اليوم رغم ما توفر لديهم من إمكانيات مادية ،يفتقرون إلى الحركة في عالم أرحب،فجل أطفالنا يقضون أغلب أوقاتهم حبيسي الجدران وحتى الذهاب والإياب من و إلى المدرسة يتم بواسطة الآلة فهم لا يعرفون المعاناة ولا يعيشون الصراع من أجل الحياة قد يبدو هذا الكلام غريبا ولكنه ضروري للحياة لأنهم كباقي بني البشر في حاجة إلى تحقيق ذواتهم وتنظيم علاقاتهم الاجتماعية و الإسهام في رقي بلدانهم
6- إنّ التقدّم العلمي والتكنولوجي أدى اليوم إلى سيادة القيم المادية وطغيانها في سلوك الإنسان وعلاقاته كما أدى إلى غياب القِيم والرّوابط الروحية النقية، لأن التقدم المادي وحده لا يساعد على استمرار الحياة التي يرغب فيها الإنسان السوي انطلاقا من حقيقة مفادها أن الروح والمادة يمكن أن يتلازما بالحفاظ على التوازن بينهما ، ولكن للأسف الشديد هناك صنف من الآباء لا يهتمون إلا بالجانب المادي في تربية أبنائهم لتأمين مستقبلهم العلمي والتكنولوجي في غياب تام للجانب الروحي،وهم بذلك يصنعون منهم آلات روبوتيكية صماء والبيت الذي ينشا فيه مثل هؤلاء الأطفال أشبه بالمؤسسة الإدارية لا يجتمع أفرادها إلا في مناسبات قليلة وحينما يكبر الأولاد في هذه البيئة ويشتد عودهم تصبح الأسرة التي ينتمون إليها أول ضحاياهم فهناك نماذج كثيرة من صنف الأمهات والآباء الذين اكتووا بلهيب تربية فلذات أكبادهم . كما ظهر صنف آخر في المجتمع يحاول تقليد الغرب في عملية التنشئة والتربية معتقدا أنها الخلاص من التخلف فأهمل التربية الإسلامية والتي أصبحت عند الكثيرين محط سخرية وتهكم و تبخيس ،فالتربية الغربية إن صح هذا التعبير ،مهما حاول الإنسان العربي المسلم الإعجاب بها وتقليدها فليعلم بأنها نشأت في بيئة غريبة عن المجتمع الإسلامي لها خصوصياتها الغربية وإن كانت تتقاطع مع التربية الإسلامية في بعض المفاهيم الأخلاقية كالصدق والإخلاص في العمل والأمانة وغيرها إلا أن بعض المفاهيم لها حمولات خداعة ومبهمة كالتربية على الحرية الفردية مثلا ،فما هي حدودها إن كان لها حدود لأنها لم تعد تفرق بينها وبين البهيمية التي تشجع وتفاخر بالفاحشة كالمثلية والعلاقات الرضائية والزواج للكل -le mariage pour tousوالتي استعملت كشعار ضمن حملة انتخابية أوصلت أحد الرؤساء الفرنسيين السابقين إلى السلطة نعوذ بالله من شر ما خلق ومن التقليد الأعمى
7-ربوا أولادكم على حب الوطن واحترام المواطنين كيفما كان شأنهم ،ودربوهم على مفهوم المواطنة الحقة لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ،علموهم أن الجنسية هي حق من حقوقهم في الانتماء للأرض التي ولدوا وترعرعوا فيها يتوارثونها أبا عن جد وأنه ليس لأحد الحق في التخلي عن جنسيته لأنها هي الفطرة التي فطر الناس عليها علموهم أن الجنسية والمواطنة ليستا محط مزايدة أو مساومة ، بينوا لهم أن قضية الظلم والجور والفساد في الأرض تعالج بطرق نضالية مشروعة .
وختاما اعلموا رحمكم الله أن مظاهر التحلي بالقيم الروحية الإسلامية تحقق لصاحبها الاستقرار النفسي والروحي وتخلصه من الآفات التي قد تدمر البيوت والأسر وتساهم في خلق الأسس التي تعمل على خلق الروابط الروحية والوجدانية كالحب والصداقة والأخوة وحسن الجوار كما تساهم في زرع قيم التكافل والتعاون ولن يزدهر مجتمع إلا بصلاح أفراده
MOULILA BENYOUNES
Aucun commentaire