إشكالية الدعاء في رمضان
أحمد الجبلي
انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي بكل أشكالها وألوانها شريط فيديو يتناول مقطعا مما قاله المفكر الإسلامي العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة في الدعاء المطول في رمضان، فتلقاه المتلقون بوجهات نظر مختلفة، فخلق بذلك تدافعا إيجابيا فحواه مطارحات فكرية وحوارية جادة، وهي أمور مطلوبة لأنها صحية ومن شأنها أن تعيد إلى المجتمع حيويته من حيث البحث والتقصي والمطالعة وتتبع أقوال العلماء قديما وحديثا في قضايا الفقه والمجتمع.
إلا أن البعض قد فهم ما قاله العلامة بن حمزة خطأ فراح ينقب في كتب الفقه مستخرجا لأدلة يثبت بها جواز الدعاء في رمضان، وكأن العلامة قد حرمه أو أبخسه أهميته وقيمته التعبدية، كما راح البعض يستخرج الحالات التي بكى فيها أئمة وفقهاء وصالحون أثناء قراءة القرآن متناسين أن ما ذهب إليه الشيخ هو تنبيه عالم متبصر إلى ما يمكن أن يحول مساجدنا إلى أضرحة يكثر فيها النواح والتباكي فتتلبس بمظاهر جوفاء خالية وبعيدة عن المطلوب الذي هو تدبر كلام الله وفهمه واستجلاء معانيه وتمثلها في الفكر والسلوك.
وردا على هؤلاء الباحثين عن الأئمة والصالحين في علاقتهم بالقرآن، نقول لهم إن حديثكم عن أبي بكر وعمر وأمثالهم من الصحابة الكرام من خلال بكائهم أحيانا تأثرا بآيات بينات من القرآن الكريم يزكي ما ذهب إليه العلامة ولا ينفيه، إذ أن هؤلاء قد تدبروه فعلموا حلاله وحرامه وفقهوا معانيه فطبقوها في حياتهم فكانوا بحق مصاحف تمشي على الأرض، عبادة وجهادا وعطاء وبذلا للنفس والمال، أي إن العلامة بن حمزة بحديثه عن منهج التعامل مع القرآن يدعو إلى أن يكون تماما كما فعل الصحابة الكرام أي البداية بالتدبر والفهم من أجل العمل، وأما نحن فقد اكتفينا فقط بالبكاء والنواح وتقاعسنا عن العمل والجهاد والبذل والعطاء فأعجبنا بأئمة يجيدون البكاء وبقينا هنا نثني على بكائهم لا نتقدم خطوة نحو ما يريده القرآن منا ويطلبه.
كما نبه العلامة إلى حالة صارت مشهودة ومعلومة لدى العامة وهي تحويل الدعاء إلى مادة تباع في المزاد العلني فيزايد هذا على ذاك، ولو استمرت الأمور دون تنبيه، وهذا دور العلماء، لوصل الحال إلى عقد مسابقات في التباهي تحريا واستقصاء لأطول دعاء وربما وصل الحال إلى وضع معايير ومؤشرات تؤشر على استحقاق دخول دعاء من الأدعية إلى موسوعة غيليس للأرقام القياسية.
إن هذا التوجه خلق لدى العديد من الأئمة تحولا من التركيز على نوعية الدعاء الذي يستلهم أكثر الفوائد كجوامع تفيد الإنسان في دنياه وآخرته، إلى الانشغال بمدى التسلسل لأدعية طويلة بشكل لافت ومثير مما يجعل صاحبها لاهيا منشغلا بمدى حفظه وتذكره فيتلوها مسرعا دون استحضار لمعانيها فيفوت على نفسه حالة الانكسار أمام الخالق والتذلل له، كما يفوت على نفسه التسني بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعا بأدعية جامعة شاملة دون أن يشق على الناس لأن فيهم المسن والمريض وذا الحاجة.
إن ما نبه عليه العلامة بن حمزة ونحت نحوه مؤسسات قائمة على الشأن الديني، وتحديدا، بمدينة وجدة مشكورة، لهو عين الصواب حيث ما عاد من اللائق أن يتباهى الناس بأئمتهم ومساجدهم من حيث طول الدعاء واتساعه، حتى أن بعضهم قال لجاره: لقد صليت في مسجد فلان ما شاء الله طيلة ساعة من الزمن والإمام يدعو دون توقف أو تلعثم، وقال آخر: غفر الله لإمامنا لقد أطال في الدعاء فنسي أننا بشر ولسنا آلات تستطيع الوقوف لساعات، لقد أفسد علينا حلاوة الدعاء فانشغلنا بآلامنا وإن كنا قد أمنا لكن كالآلة المبرمجة دون روح ولا انقياد.
إن ما نبه عليه العلامة بن حمزة ونبهت إليه الإدارات المختصة بالشأن الديني المحلي ليس هو إلغاء الدعاء في قنوت الوتر، لأن ذلك عرف مغربي أصيل ألفه الناس واستحسنوه ولم يعارضه لا المجلس العلمي الأعلى ولا المجالس العلمية المحلية ولا وزارة الأوقاف ومديرياتها الجهوية والإقليمية، وإلا كانت قد تعاملت إداريا ورسميا باستصدار مذكرة إدارية في هذا الشأن تؤصل فيها لما تريده بأدلة من الشرع الحنيف وأقوال الأئمة الذين تلقتهم بالصحة والقبول، ولكن لا نختلف معها بأن المطلوب من الأئمة هو العمل بأحد أهم خصائص الإسلام ألا وهو الوسطية التي هي نقيض التطرف، فيعملوا على تجميع أدعية متناسقة متكاملة تشمل جميع مناحي الحياة وتكون من جوامع الكلم التي صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمكن أن تستغرق من الوقت على الأكثر ربع الساعة، تنقص عنها ولا تزيد، لا أن تصير أطول من الصلاة نفسها أضعافا مضاعفة، وما دعاء القنوت إلا جزء يأخذ حجمه الطبيعي، وإذا كان كذلك حال دون أن تتحول المساجد إلى حلبات سباق وتباري فتنحرف بذلك عن المقاصد التعبدية المطلوبة وفقا لما سطره رسول الله صلى الله عليه ونحاه من بعده صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
إن المملكة المغربية تتفرد في كل شيء وتتميز، ولذلك تفردت حتى في تدينها فجعلت لها تدينا منضبطا بأحكام الشريعة السمحاء، تدينا خال من أي بدعة بمعناها القدحي المذموم الذي لا يخرج عن كونها طريقة تعبدية جديدة، ولهذا لن تلتفت بلادنا إلى الأصوات النشاز التي ترى كل شيء بدعة، وستضل صلاة التراويح في شهر رمضان كما سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعه في ذلك صحابته الكرام شعيرة تعبدية بكل ما فيها من قراءة للقرآن وتهجد وقنوت لا تحيد عن ذلك ما دامت وفق ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
1 Comment
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
حين يتكلم علماء الأمة، يجب الانصات،وتصحيح الاعوجاج،فهما وسلوكا،فعلا أصبحت بوادر الحسينيات تطل بقرونها في مساجدنا، إنه وضع يجب تصحيحه وتسديده، أما نقاشات في التواصل الاجتماعي لا يعول عليها كثيرا،لأنها تفتقد للعلم والمعرفة،وبالتالي فإن البعض منهم يهرف بما لا يعرف، دون السكوت عن أمور لا يحسنها إلا المتخصصون،فلو سكت الجاهل لقل الخلاف. جزى الله خيرا علماء الأمة الذين يسددون وينصحون،
تحياتي لقراء وجدة سيتي.