لا تجوز الصلاة وراء إمام جائع
أحمد الجبلي
ربما سمعنا من قبل أناسا يسألون عن الصلاة وراء إمام فاسق، أو إمام نسي أن يتوضأ؟ أو إمام يدخن؟ أو إمام مبتدع أو حليق اللحا؟ أو إمام يكتب للناس التمائم والجداول؟ ولكن لم نسمع من قبل بأن الصلاة لا تجوز وراء إمام جائع.
عندما سمعت الفتوى، إن صح التعبير، أول مرة، كان لها وقع خاص علي، فقلت: طبعا كيف تجوز لهذا الإمام أن يَعقل ما يفعله في صلاته إذا كانت بطنه تقرقر جوعا؟ وهل تجوز الصلاة وراء إمام شارد الذهن، منهار النفس، وقد تقوس ظهره من شدة ما يعاني من مصاعب في الحياة،
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم » فالناس عادة يختارون من الوفد أفضله لباسا وصحة وعقلا وحكمة؟ فمن أين تأتي صحة هذا الوفد من الأئمة كي يقوى على الوقوف إذا تركناه جائعا؟ ومن أين يأتيه تدبر ما يقرأ إن كان عقله يفتقر لمنعشات العقل من فيتامينات ودهنيات؟ وكيف سيقوى على الوقوف الطويل والنهوض الباكر قبل كل الناس ليقوم بوظيفته إذا لم يكن باستطاعته توفير غذاء متكامل؟ أليست الإمامة وظيفة كسائر الوظائف يكون لها مقابل مادي يعيش به هذا الإمام وتعيش به أسرته؟ إن كان الأمر كذلك، وهو كذلك، فإن الإمام إذن يعد أول موظف يلتحق بعمله بخلاف جميع الموظفين في جميع القطاعات الأخرى، وفي بعض الفصول يلتحق بعمله في الساعة الثانية والنصف أو الثالثة ليلا، ولا ينتهي من عمله كي يلتحق بأسرته إلا بعدما ينتهي الناس من أداء فريضتهم في وقت متأخر من الليل، وأحيانا ينتظر المتأخرين عن الصلاة حبا وكرامة، وهو الأمر الذي من المستحيل أن يقع في أي إدارة حيث يفر الفارون أثناء العمل قبل الوقت بله أن يزيدوا من وقتهم خدمة لمواطن أو مضطر. صحيح أن له أوقاتا معينة تستوجب عليه أن يكون داخل المسجد، ولكن الرجل لا يملك رخصة سنوية ولا أسبوعية ولا يتوقف عن عمله أثناء الأعياد الدينية والوطنية ولا أثناء الأعياد العالمية كعيد الأم والأرض والشجرة والمرأة والطفل والأمية والبيئة…
فضلا عن هذا فمنظمات حقوق الإنسان لا تدخل الأئمة ضمن من تعنيهم الحقوق فيدافعون عنهم وعن وضعهم، كما يستثنونهم من قانون الشغل فلا أحد يدافع عنهم وعن رواتبهم الهزيلة الحزينة، ولا أحد تذكر يوما أنهم موظفون يحتاجون إلى ترقية في السلالم حتى يرتفع دخلهم، أو في حاجة إلى رخص سنوية حتى يزوروا أقاربهم، أو في حاجة إلى من يمنحهم تعويضا عن الساعات الإضافية التي يضيفونها في رمضان، وكثير منهم غير مسجلين في شركات التأمين وليست لهم تغطية صحية.
عندما نقارن الأموال التي تتدفق على الكنائس في كل أنحاء العالم بتلك التي تعطى للإمام من المساكين من أمثاله من المؤمنين، فإننا سنكون كمن يقارن ما لا يقارن، ولا قياس مع وجود الفارق. إن احترام الدول والحكومات الغربية للكنائس يفوق كل تقدير، والأموال التي تضخ في الكنائس لا يمكن عدها، بل من الكنائس من تملك قنوات دولية وإذاعات ومشاريع مدرة للدخل فضلا عن جمع التبرعات في كل موسم ومرة.
أما عندنا فلا نعتبر المسجد كمؤسسة لها إدارة تقوم بتدبيره، ويمكن أن تكون لها مشاريع تعطى للإمام من دخلها مما يجعله في غنى عن الناس، إن الإمام من بين كل الموظفين هو وحده من يحاسب حسابا عسيرا لو بدا عليه بعض التغير نحو الأفضل, سواء اشترى سيارة أو انخرط في تجارة ما، إنه بمجرد أن يتغير حاله وتبدو عليه بعض أثر النعمة حتى تعقد في شأنه التجمعات والجلسات، أي لن يسلم حتى من أقرب الناس إليه أي من الدين يؤمهم أنفسهم، وسيصبح موضوعا تلوكه الألسن: كيف للإمام أن تكون له سيارة؟ كيف للإمام أن يبعث ابنه ليدرس في الخارج؟ من المستحيل أن يكون للإمام ابن طبيب؟ كيف للإمام أن تكون له تجارة؟ (أي وظيفة أخرى)، فالسؤال لابد أن يطرح باستنكار حتى ولو احترم أوقات عمله ولم يغب عن أي صلاة، كيف للإمام أن يتزوج امرأة موظفة تعينه على مصارف البيت والأولاد؟ المهم لابد للإمام أن يكون فقيرا، ولابد أن يكون أبناؤه أشبه بالمشردين، ولابد أن يكون بلا وسيلة نقل، وأن يتزوج امرأة تجلس في البيت ومن الأفضل أن تكون أمية، وليس له، طبعا، أن يبعث أبناءه إلى المدارس الخصوصية أو المدارس العليا كالطب والهندسة والتكنولوجيا وغيرها.
إننا نريد إماما درويشا، يحتاجنا دائما، ويمد يده يوميا كي يبقى وجوده رهينا بوجودنا، وحياته من أفضالنا، وأبناؤه يدرسون في مدارس عن طريق تدخلنا، وهكذا حتى يبقى رهن إشارتنا يأتمر بأمرنا، ويتصرف وفق مشيئتنا، عندما يريد شيئا لابد أن يخبرنا، وإلا استبدلناه بآخر يطيعنا ويسمع كلامنا.
إن المفروض أن تكون الإمام هو سيدنا لأنه يحفظ في صدره كلام ربنا، وأن نرفعه فوق رؤوسنا لأن الله رفعه بيننا، ونقدره لما في صدره مما يتوجب تقديرنا، إن الإمام هو أحد الوفود بيننا وبين ربنا ولن يكون كذلك إلا إذا منحناه المرتبة التي يستحقها بيننا، وجعلناه في غنى عنا وعن غيرنا، نساعده على التأفف ونساعده على يبقى عزيزا كريما، نغضب إذا ديست كرامته، ونثور إذا سلبت مكانته، ونحتج إذا همش دوره أو اعتدي عليه أو تم التنقيص منه ومن قدره.
آن الأوان أن تقوم وزارة الأوقاف بإدماج الأئمة في الرتب الإدارية وفقا لمعايير مضبوطة مبتكرة فيكون منهم المتصرف الممتاز والمتصرف والمتصرف المساعد… أو لتبتكر هي أي درجات تناسبها وتناسب ما هم عليه من خبرات وعلم وفقه وضبط لكلام الله وقواعده، وللقرآن وعلومه، وسنكون جد مسرورين حين نسمع عن إمام من درجة متصرف ويتقاضى 12000 درهم.
1 Comment
أصبت والله أخي أحمد،منسيون ولا يسلم الإمام من أصحاب ألسنة السوء عند كل سهو أو غفوة،أتمنى من كل قلبي أن تنظر الوزارة الوصية لحالته،وكذلك المؤموم.