سيلفي مع البابا فرنسيس
أحمد الجبلي
سيكون يوما 30-31 مارس 2019 المقبلان يومين مشهودين في تاريخ الأبرشيات والكنائس المغربية، وذلك للزيارة المرتقبة للبابا فرنسيس، والتي بدأت التهييئات لها منذ الآن حيث ألقى كريستوبال لوبيز روميرو رئيس أساقفة الرباط نداء إلى المسيحيين الكاثوليك حمل مجموعة من التوجيهات البروتوكولية والأخلاقية حتى يكون استقبال البابا متميزا وناجحا، من هذه التوجيهات عدم أخذ سيلفي مع نيافته.
إن الناس قد ألفوا أخذ الصور مع الشخصيات العالمية والعمومية مثل المغنين ونجوم السينما والرياضيين المشهورين وحتى الملوك عندما ينزلون إلى الشارع بتواضع خارج عن المألوف. ولكن هل كان المسيحيون يحتاجون لنصيحة عدم أخذ سيلفي من البابا كريستوبال؟
فما دام رئيس الأساقفة قد قالها وحذر منها فمعناه أن إمكانية حدوث ذلك وارد جدا، ولكن هل السيلفي مع أي شخصية مشهورة عالمية ينقص من مقامها وقدرها؟ أم أن الأمر فعلا يعد انتقاصة عندما تكون هذه الشخصية ذات مكانة دينية عالية وعالمية مثل شخصية الحبر الأعظم وسيد الفاتيكان الأول خورخي ماريو بيرجوليو فرانسيسكو المبجل؟
أنا مسلم ولست مسيحيا، ولهذا لست ملزما بنصيحة رئيس الأساقفة بألا آخذ سيلفي مع قداسة البابا، كما لست في حاجة لألتقط له أي صورة، فتكفيني أربع صور قد علقت بذهني لنيافته في مواقع ومواقف مختلفة:
أما الصورة الأولى فقد التقطت للبابا فرنسيس وهو يعتذر عن تصريحاته المتسرعة والمؤلمة في حق عائلات ضحايا الاعتداءات الجنسية بكنائس الشيلي. والتي ألبت عليه الكاردينال شون أومالي في مدينة بوسطن الذي دافع عن ضحايا الاعتداءات الجنسية التي ارتكبها القساوسة في الكنائس والتي جعلتهم، أي الضحايا، يشعرون بأن الكنيسة خذلتهم وتخلت عنهم، محملا بذلك البابا مسؤولية ما نتج عن تصريحاته التي تبرئ القساوسة. وقد نشرت وكالة رويترز عن البابا اعتذاره بقوله: « أعتذر إلى كل من آلمته كلماتي دون قصد مني »، أي إن البابا لم يقصد الإساءة للضحايا وعائلاتهم بتبرئة المجرمين والدفاع عنهم !!
أما الصورة الثانية التي لازالت عالقة بذهني لنيافة البابا، هي تلك الصورة التي التقطت له وهو يقول: « أرني ما هو الجديد الذي أتى به محمد وسوف نجد أشياء كلها شريرة وغير إنسانية من مثل أمره بنشر الدين بالسيف » هذه الصورة البابوية أثارت الكثير من الغضب وسط المسلمين الذين طالبوا باعتذار نيافته، وبعد الضجة الكبيرة التي أحدثتها تصريحاته اضطر للقول بأن تصريحاته قد أسيء فهمها. فرد عليه رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي بقوله: « نأسف غاية الأسف أن يقع رجل كبير مثل بابا الفاتيكان الذي يمثل طائفة مسيحية من الطوائف الكبرى في المسيحية في مثل هذا الخطأ ويسيء إلى دين عظيم مثل دين الإسلام وإلى نبي مثل محمد عليه الصلاة والسلام وإلى أمة مثل هذه الأمة التي تبلغ مليار ونصف مليار من البشر، ما كنا نحب له أن يقع في مثل هذا الكلام الذي يستفز المشاعر ويجرح القلوب وما كان هناك مبرر لهذا ولو كان هذا الكلام جاء في حديث صحفي أو حديث عفوي لقلنا زلة لسان أو نحو ذلك ولكنه جاء في محاضرة علمية معدة ومحضرة، وبالطبع، مثل هؤلاء الناس الكبار لهم أجهزة تعد لهم الكلمات وتراجعها قبل إلقائها، فلذلك القول بأن المسلمين لم يفهموا ما قال هي إساءة أخرى إلى المسلمين »
وأما الصورة الثالثة والتي جاءت نتيجة تداعيات تصريح الصورة السابقة للبابا فرنسيس وغضب المسلمين وارتجاج الأرض بالاحتجاجات والاستنكارات، وهي التي يقول فيها: » القرآن كتاب سلام والإسلام دين سلمي والضرورة ملحة لـتكثيف الحوار بين مختلف الأديان، وبالأخص إجراء حوار مع الإسلام »
وأما الصورة الرابعة والأخيرة هي تلك الصورة التي التقطت لنيافة البابا رفقة شيخ الأزهر وهو يوقع على « ميثاق الأخوة والتسامح ». إذن هما صورتان سلبيتان وصورتان إيجابيتان، والمثير في هذه الصور الصورة الأخيرة التي تعتبر سابقة من نوعها حيث وضعت حدا للكراهية والاتهامات المجانية لأي دين بالعنف والتسلط والإرهاب، وقد واكبت الوثيقة تصريحات كثيرة تفنن أصحابها من كلا الطرفين بأساليب جميلة وبراقة ورقيقة تتناغم ورقة السلم حينما يعم العالم ويغشى حياة الناس. وفي سياق ذلك قال رئيس جامعة الأزهر الدكتور محمد حسين المحرصاوي: « أهم ما جاء في الوثيقة رفض مصطلح الأقلية الدينية لكونه مصطلحا يدعو إلى التهميش حيث تم استبداله بالمواطنة كدعوة للاندماج الإيجابي في المجتمعات، والتأكيد على أن جميع من في الوطن هم مواطنون. » ومن جهة الطرف الآخر نذكر تصريح مدير المعهد الدولي لحرية الأديان الأسقف توماس شيرماخر الذي تحدث عن أهمية العمل المشترك بين المسلمين والمسيحيين نظرا لأن هاتين الديانتين هما الأكثر انتشارا في العالم » وقال: » يجب على المسلمين والمسيحيين أن يعملوا سويا من أجل الأخوة الإنسانية في هذا العالم، حتى يحذوا ملايين الناس حذوهم ونتمكن من بناء هذا العالم معا، ونحل المشكلات التي لدينا مثل الفقر والحروب التي لا داعي لها في مناطق مختلفة من العالم. »
إن تصريحات البابا السابقة، أو قل الصور التي سبق الحديث عنها، سواء تعلق الأمر بتبرئة قساوسة العالم من الاغتصاب وانتهاك الأعراض خصوصا منهم الأطفال، كما وقع لأطفال الشيلي، والاعتذار بعد ذلك، أو اتهام الإسلام ورسول الإسلام بالعنف والإرهاب، مما أغضب المسلمين، فاعتبره البابا سوء فهم أتبعه بالتعبير عن احترامه للإسلام ونبي الإسلام وأن الإسلام دين تسامح وسلام.
وبناء على هذا وعلى وثيقة الأخوة والتسامح نقول: هل سيلتزم البابا فرنسيس بكل ما جاء في الوثيقة التي فرحنا بها، ويدفع المسيحيين إلى احترام الإسلام وعدم الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل على نشر التسامح والأخوة بين الأديان، واعتبار جميع المسلمين في كل بقاع العالم مواطنين كاملي المواطنة في الدول التي يقطنونها لهم كامل الحقوق وعليهم كامل الواجبات دون أن يلتفت إليهم كأقلية مسلمة دخيلة أو يحملها مسؤولية أي سلوك طائش هنا وهناك ممن لا علاقة لهم بالإسلام؟
هل سيكون البابا عند حسن ظن العالم كله بمسلمه ومسيحيه ويفي بكل ما تضمنه الميثاق بكل صدق وإخلاص، أم أنه سيترك التجاوزات تأخذ مجراها ليخرج لنا من جديد باعتذار جديد واعتبارنا نحن المسلمين لا نفهم ما يقال من تصريحات؟
Aucun commentaire