لا فرق بين تعاطي المهلوسات وحضور المباريات ما دامت النتيجة التي يفضيان إليها واحدة
لا فرق بين تعاطي المهلوسات وحضور المباريات ما دامت النتيجة التي يفضيان إليها واحدة
محمد شركي
يقيم الناس الدنيا ولا يقعدونها حين يتعاطى شخص أو بعض الأشخاص المهلوسات ويشهرون سيوفهم في وجوه السابلة ، ويتفوهون بأقذع العبارات ، ويخربون ويدمرون ، ويعيثون فسادا حيث يوجدون ، لكن الناس لا يكون لهم نفس الموقف من الذين يحضرون مباريات كرة القدم ، ويأتون من الأفعال المشينة ما يفوق أفعال المهلوسين . والسؤال المطروح هو : ما الفرق بين تعاطي المهلوسات وحضور المباريات ما دامت النتيجة التي يفضيان إليها واحدة ؟
ولا يمكن أن يكون الجواب عن هذا السؤال إذا كان للمنطق من معنى سوى بعبارة » لا فرق بينهما « ّ.
مناسبة هذا الحديث هو الأحداث المؤسفة التي شهدها الملعب الشرفي بمدينة وجدة بعد مقابلة مولودية وجدة ونهضة بركان حيث استفز جمهورهما بعضه البعض فثارت ثائرتهما ، فوقع ما وقع من سباب وقذف تطور إلى اعتداءات خلفت إصابات فيها ما هو في منتهى الخطورة حسب وصف من عاينها ومن صور بعضها، وصاحب ذلك تخريب الملعب الذي فتح أبوابه للفرجة بعد إصلاحه ، وإنفاق مبالغ مالية باهظة عليه كان الأولى أن يستفيد منها المرضى المعوزون والأيتام والأرامل والمشردون … وكل من ساءت أحوالهم .
ولقد دأب البعض على وصف من يعتبر لعبة كرة القدم مخدرا معنويا لا يقل مفعوله السلبي عن المخدرات الحقيقية بالإنسان الجامد المتخلف العديم الذوق والتذوق والذي يعادي رياضة نبيلة ترقق الطباع وتهذبها … إلى غير ذلك من الأوصاف التي تجعل من يريد انتقاد هذه اللعبة بسبب ما يترتب عنها من سلوكات شاذة يحجم عن ذلك ، ويشفق على نفسه من انتقاد المنتقدين ، وربما قد يكون أكثر منهم حبا وتذوقا لهذه الرياضة، لكن الذي يحمله على اتخاذ موقف منها هو تحويلها عن أهدافها التي لا شك في نبلها والذي لا ينكره أحد ، ولا يجادل فيه أحد.
وفي اعتقادي أن هذه اللعبة قد استغلت استغلالا فظيعا أخرجها عن أهداف الفرجة والتسلية من جهة ،لأنها صارت مجال استثمار جشع تدر الأرباح الطائلة على تجارها من ذوي رؤوس الأموال والغنى الفاحش ، والذين لا يعود شيء مما يجنونه من أرباح على الأعمال الخيرية والإنسانية إلا في حالات نادرة ربما يقصد من الكشف عنها والدعاية لها الرياء المكشوف والمغرض ، ومن جهة أخرى صارت مركبا تركبه الأنظمة الشمولية لتخدير شعوبها ، وشغلها بهذه اللعبة عما هو أهم وأدعى إلى الاهتمام ، وللتغطية على جرائمها ، وعلى قدر بشاعة شموليتها يكون اهتمامها بهذه اللعبة ، وهذا ما يدعو البعض إلى وصفها بالمخدر الخطير أو أفيون الشعوب على حد قول كارل ماركس الذي وصف به الدين . وفضلا عن هذا وذاك أصبحت هذه اللعبة مفسدة لسلوك كثير من الناس خصوصا الشباب المراهق المؤهل للاندفاع بسبب تأثير المراهقة عليه ، حيث يدين بالولاء لهذا الفريق أو ذاك ، ولا يطيق خسارته ، وإذا ما حدثت الخسارة تحول إلى شباب ثائر تشتد عدوانيته ، فيعتدي ، ويخرب ويدمر ، ويعيث فسادا ، وكأن الأمر يتعلق بهزيمة في حرب حقيقية ، وليس في لعب ولهو وتسلية .
ونشأت بين الشباب أحلاف وخصومات بل وعداوات حتى حين يتعلق الأمر بالفرق الرياضية الأجنبية وليست المحلية فقط ، وانتقلت عدوى هذه الأحلاف والعداوات إلى البيت الواحد ،فصار الإخوة فيهم مناصر لهذا الفريق ، ومناصر لذاك الفرق ، وصار حديث كل منهم يوحي بأنهم أصحاب الشأن، فيقول الواحد منهم على سبيل المثال: نحن في فريق الريال ، أو نحن في فريق البارسا ، فعلنا وتركنا ، وأنتم لم تبلغوا شأونا ولم تتعلقوا بغبارنا … ويحتدم النقاش والجدال ، وقد يتحول إلى سباب وعنف تعقبه العداوة والكراهية . وقد تتحول المقاهي التي صار أصحابها يستثمرونها بتوفير الشاشات العملاقة لاستقبال الشباب المهلوس بلعبة كرة القدم إلى حلبات صراع ، ويصل فيها الأمر إلى حد إشهار الأسلحة البيضاء والسيوف بسبب ما تثيره هذه اللعبة من عصبية كروية تفضي إلى ما لا تحمد عقباه .
والمؤسف أن أيام الأسبوع كلها أصبحت تجرى فيها مباريات ، ولم يعد موعدها نهاية الأسبوع ، وتخصصت في نقلها شبكات تلفزية تدر أموالا طائلة من وراء ذلك ، وهكذا صرفت كثرة المباريات المنقولة الشباب عن الدراسة والتحصيل ، وأصبح شغلهم الشاغل هو الحديث عنها في المؤسسات التربوية . وقد يتحدث المختصون في تدني المساويات الدراسية ، فيذكرون عدة أسباب لها دون الإشارة إلى لعبة كرة القدم كسبب قد يكون أهم الأسباب قبل البرامج والمناهج … وما إلى ذلك مما يفيض فيه البعض الكلام الذي يجب أن يفاض في الآثار السلبية لهذه اللعبة التي تحولت إلى قمار بالنسبة للمستثمرين ، ووسيلة تكريس الاستبداد بالنسبة للمستبدين وإلى مهلوس بالنسبة للمراهقين .
ويجدر بأهل الفكر والمربين والمسؤولين أن يبادروا بالبحث الجاد في إنقاذ الشباب من مهلوس لعبة كرة القدم كما تعقد الندوات وتنشر الدراسات حول أنواع المهلوسات الأخرى .
وإن ما وقع في الملعب الشرفي بمدينة وجدة لا يبشر بخير ، ولم يعد من حق الناعقين بالدفاع عن مهلوس كرة القدم اتهام من يصفونها بالمخدر بالتخلف والتعصب، وقد برهن شبابنا بما ارتكب من حماقات أن حاله لا يختلف في شيء عن حال المهلوسين والمقرقبين كما يوصفون بالعامية .
Aucun commentaire