نموذج القيم والمعرفة التربوية الجديدة : تدريسية القراءة:
1- الوضعية القرائية المنشودة
-السياق القرائي :
تشكل القراءة رافدا أساسيا للبحث المدرسي، ودعامة قوية للتعلم المهاري ، لتحقيق التكوين الذاتي وفق معاييرصوتية تروم التحكم في الجانب التلفظي للنص المقروء، وحسب مقاييس نصية ، تتوخي إقدارالقارئ المتعلم على تشغيل حاملة المستندات ؛للتمكن من التصنيف والتقطيع والاختيار المنهجي، بالاستعانة بخطاطات الصياغة، والتحليل والتركيب، والنقد والاستدلال ،وبتشغيل الشبكات الصوتية كشبكة المخارج وشبكة النبر والتنغيم، وصفات الحروف، وعلامات الترقيم ، وشبكة التصنيف والتقطيع في أفق الانتقال بالمتعلم من المناولة المنهجية، أومن المنظور النص المقتطف أو الكامل ، إلى التحكم في القراءة التصويرية ،والإقدار على القراءة السريعة ، وفق سيرورة قرائية تنطلق من الانغماس اللغوي، ثم تربية الوعي الصوتي فامتلاك الفعل القرائي، المنفتح على كل أشكال القراءة الخاشعة للنص القرآني، والمؤثرة للنص الشعري، والآسرة للنص السردي، والتعبيرية للنص الحواري الممسرح ، والإقناعية للنص المقالي الحجاجي.
فما المقصود بالقراءة ؟ وماهي أنواعها ؟ وماهي وظائفها ؟
يحدد ابن منظور في لسان العرب ضمن مادة قرأ في المجلد 3 صفحات42 و43 و44 ثمانية معاني للقراءة :
1-تتبع الكلمات نظرا ونطقا.
2-الملاحظة فراسة.
3-الجمع والضم.
4-الحفظ دون كتاب.
5-التكهن بالغيب .
6-الفهم واستشفاف المعنى الضمني.
7-الدراسة.
8-الاحتياط.
والمتصفح لهذه المدلولات الثمانية ،يكتشف أن الخيط الناظم بينها شفيف ، يتمثل في البحث في ظاهر النص، واستكشاف باطنه ،واقتحام عوالم مجهوله ،والكفاءة في استعمال الأدوات النصية الضرورية لتفكيكه، وإعادة تركيبه، واستنباط معناه ،أوإعادة بنائه ، ثم إنتاجه ، من خلال اٌلإقدار على مهارات، التلخيص والصياغة، والتفسير والتحليل ، في أفق تحقيق التفاعل النصي بين القارئ و النص ، وحيازة مقول النص وملامسة المسكوت عنه ، وتجسيدهما على خريطة ذهنية ترتكزعلى المعلومات الأساسية ، التي يتم تفريعها إلى معلومات ثانوية ؛ لكشف عناصر التنظيم ، وأشكال الربط بين عناصر المعنى، في اتجاه الانتقال من دال التلقي القرائي على المستوى الصوتي والتركيبي والدلالي ، إلى دال الإنتاج القرائي، المنصرف إلى استثمار المكتسبات القرائية، وتتويجها على شكل بحوث قرائية مصغرة ، توجه فعل القراءة نحو التفكير القرائي الإبداعي.
بينما معجم المعاني الجامع يستعرض عشرة معاني هي:
1-التلفظ والإلقاء.
2-التسميع.
3-التحسين وعدم اللحن.
4-الحفظ والإتقان.
5-الجمع والضم.
6-التحميل.
7-الإبلاغ.
8-التصريف.
9-الوقت .
10-الحيض والتخصيب .
والمتأمل في هذه المعاني العشرة، يكتشف أنها تعكس غايات القراءة ، داخل خريطة التنظيم القرائي الوظيفي في بعديه : الصوتي و التحليلي ، في أفق اختزال عمليات الاشتغال القرائي ، التي تخضع لزمن وسرعة القراءة، والإيقاع القرائي (البطء التوسط السرعة) ، والتدرج من الاستماع إلى الإنصات، فالبناء والإنتاج ؛ لتحقيق المتوالية القرائية : التلقي والتحسين، التحويل والدمج و التحليل، والتبادل و التبليغ و التأثير، وتفعيل دال تنويع فعل القراءة من الأداء المفرد إلى الأداءات المتعددة ،التي تنشط الذكاء اللغوي ، وتعين على التحكم في القراءة الصوتية ، وضبط أشكال التلفظ الفردي، والنبر الثنائي ،والتنغيم الجماعي ،والإنجاز القرائي ، المنتج للعروض الشفوية ،وللملفات والبحوث المصغرة، بواسطة الفرق والمهام…
بينما قدم توني بوزان بين طيات كتابه القيم المعنون ب » القراءة السريعة » ص 57 عدة تعاريف للقراءة قبل أن يعرض مفهومه الخاص لها :
1- القراءة فهم ما قصده المؤلف.
2- القراءة استيعاب الكلمات المكتوبة.
3- القراءة الفهم الجيد للمعلومات المطبوعة.
والمتأمل في هذه التعاريف ، يتبين أن القراءة عملية مركبة ، تكون في عقل القارئ وليس في عينه، على اعتبار أن دماغه منشطر إلى نصف أيمن، مسؤول عن الإيقاع والألوان ، والتخيلات وأحلام اليقظة ،والعلاقات المكانية والأبعاد ،وهو ذو انتباه محيطي، يتعلق بالمشاعر، في حين النصف الأيسر مكلف، بالمنطق والكلمات، والتتابع والتحليل والاستماع ، وهو ذو انتباه مركزي ،يتعلق بالأفكار. لهذا يستحيل الفصل في المقروءات، بين الملفوظات و المدلولات، بشكل آلي تعسفي ؛لأنه سيضربمبدأ التواصل النصي، ويشوش على قنوات الاتصال؛ لهذا يشترط بوزان في القارئ المتمهر :
1- عدم التكرار، والتردد والعودة إلى الوراء.
2- تعويد العين على القفز قفزة أطول ؛ ليكون الالتقاط أوسع.
3-ترويض العين على الحركة عموديا وأفقيا ، والرؤية الأمامية والجانبية ، بشكل طبيعي.
4- تمهير العين على قراءة ، ثلاث كلمات ،أو خمسة، أو سبعة، بداية من الوسط في كل وقفة.
وساعدت هذه الشروط الأربعة رائدي القراءة السريعة « توني بوزان وبيتر شيفرد على بناء تصورهما لمفهوم القراءة :
1- يعرفها شيفرد : »القراءة ترجمة لمجموعة من الرموز ذات العلاقة فيما بينها ،والمرتبطة بدلالات معلوماتية معينة ، وهي عملية اتصال تتطلب سلسلة من المهارات ، فهي عملية تفكير متكاملة وليست مجرد تمرين في حركات العين. »ص11
2- والقراءة عند بوزان : » عملية مركبة من سبعة أجزاء :
1-المعرفة : وفيه يفك القارئ رموز الأبجدية في النص، والتعرف على حروف الكلمات المستعملة.
2-الاستيعاب الجيد: وهنا تعكس القراءة ضوء الكلمات، حيث تستقبلها العين وتحولها عبر العصب البصري إلى المخ ،الذي يقوم بفك شفراتها.وكلما تفادينا الإعادة وزدنا في سرعة القراءة بشكل متدرج، كلما عمقنا الاستيعاب الذي هو عملية طبيعية للفهم والفحص.
3-التكامل الداخلي : وفي هذه المرحلة يتحقق الفهم الأساسي المستخلص من المادة المقروءة، من خلال الربط بين الأجزاء والاعتماد على خبرات سابقة ليست لها علاقة بغريب اللغة وأحكام القواعد.
4- التكامل الخارجي : حيث تسترجع المعرفة السابقة ويتمم الربط والتحليل والنقد من طرف العقل، وتقدر قيمة المعروفات من خلال ثنائية الاختيار والرفض.
5- القدرة على التذكر: وفي هذه المرحلة تستثار الذاكرة لتخزين أكبر كمية من المعلومات، والاحتفاظ بها وقتا أطول .
6- الاستدعاء : يتم استرجاع المعلومات المخزنة بحسب الحاجة.
7-الاتصال : وفي هذه المرحلة الأخيرة، تستخدم المعلومات المسترجعة على شكل تطبيقات في صيغ اتصالية مكتوبة أو منطوقة أو مرسومة أو مفكر فيها على مستوى النفس. ص57 وص58 .
وقادت هذه الخطوات السبع توني بوزان إلى ضبط سيرورة القراءة في أربع مراحل:
1- التمهيد : وفيه يستعد القارئ لعملية القراءة ماديا ونفسيا فيختار قاعة مضاءة نهارا بنور الشمس وليلا بتسليط ضوء الكهرباء على كتفي القارئ واتخاذ مسافة 50 سنتيمتر بين العين والكتاب وملامسة قدميه للأرض وجعل جسده منتصبا وظهره مستقيما وشحن عموده بالطاقة ومد مخه بالهواء والدم الكافيين…بالإضافة إلى الاسترخاء وهدوء النفس لخلق التوازن…
2- الفحص: وفي هذه الخطوة يلقي القارئ نظرة عامة على الكتاب والنص و محيطهما وعتباتهما ، ويقرأ سريعا ماتقع عليه العينان ، فهما يحتويان على 260 مليون مستقبل ضوئي، وقادران على التصوير وإرسال الصور إلى العقل.فحسب ماثيو إرديلي الباحث الأمريكي : »العقل قادر على معالجة الصور أكثر من الكلمات والمفاهيم المجردة » كتاب القراءة السريعة ص84 لشيفرد بيتر. ويكون الفحص بعدة تقنيات كتقنية حرف س بالفرنسية، أوالدليل المزدوج (قلمان من الجانبين نحو الوسط ).
3- التصفح : مراجعة تمهيدية بتغطية العينين لأقسام مختارة من المادة المقروءة، كالعنوان الرئيسي والعناوين الفرعية ،وبداية الفقرات ووسطها ونهايتها، ومواد الفهرس…لأخذ صورة عامة عن الكتاب أو النص المقروء. والهدف من هذه الخطوة إعداد الأساس الهندسي، الذي سيتم عليه البناء القرائي بواسطة تصفح العصافير ». حسب « نيلا بانتون سميت من معهد القراءة التابع لجامعة نيويورك ص177 وفي نظر الباحثة تمكن هذه التقنية من التحليق حول النص من الأعلى وتدقيق الملاحظة نحو الأسفل؛ لانتقاء ما يريد القارئ بحسب الحاجة ثم تسديد الرؤية السديدة للالتقاط عن طريق البندول الإيقاعي، أي النقر بعد إتمام دفعات متساوية من الكلمات او المعاني أو المؤشرات.
4- القراءة المتعمقة : يستعمل فيها القارئ أسلوب الاستفهام والجواب؛ ليضبط المفاهيم المركزية ويحدد الكلمات المفتاحية الحاملة للأفكار، أو المحيلة على المعلومات الأساسية أو الفرعية ؛ ليميز فيها بين الأهم والهام والمهمل. ولينتج المعنى ويتعمق في طبقاته ،هو مضطرإلى طرح أسئلة من قبيل : من ؟ لمن ؟ ماذا ؟ متى ؟ أين ؟لماذا ؟ كيف ؟
تعينه على ضبط سلسلة التفكير ثم تحويلها إلى ممارسات وتمارين؛ لتثبيتها في العقل على حد تعبير بيتر شيفرد؛ لأن الهدف من القراءة المتعمقة ، هو ضبط الوقت وعدم تضييعه ، ووضوح الرؤية والهدف، والاحتفاظ بالمعلومة التي تخدم المطلوب وتقوي الدافع إلى الاستيعاب، حسب النهج التفكيري التالي :
1- استنباط الأفكار .
2- تصنيفها بحسب الأهمية والعلاقات فيما بينها .
3-مقارنة الأفكار بقاعدة معرفة القارئ.
4- تقييم الأفكار بالاختيار أوالرفض .
ويلخص طارق سويدان مراحل القراءة السريعة التي تشغل قدرات العقل، وتزيد في الفهم والاستيعاب في خمس همزات:
1- استعرض : عنوان الكتاب ومصدره ، اسم الكاتب، المقدمة، الفهرس. تصفح الكتاب والق عليه نظرة عامة.
2-اسأل : اطرح أسئلة تتعلق بالنص أو الكتاب: ماذا أريد أن أعرف ؟ ماذا سيسهل علي ؟ ماذا سيصعب علي ؟
3-اقرأ: الجملة الأولى في النص أو الفقرة وباقي الجمل تفصيل لها.
4-أجب :عن أسئلة الانطلاق لتقارن بين الأجوبة والفهم الأولي .
5-أعد القراءة : للتثبت من الأجوبة وتعميق الفهم. (يتبع)
Aucun commentaire