مذكرات استاذ متقاعد : ذكريات من،، لمقام،، 1965
ذكريات من،، لمقام،، 1965
سيظل ،، لمقام،، بدرجتيه ( العلوي والسفلي) معلمة متميزة في ،، سيدي لحسن،، ولو كره الكارهون !
لقد قيل كلام كثير عن هذا المكان، وكان على موعد لتخطي الحدود حينما حظي بالتفاتة من برنامج،، أمودو،، الذي سلط عليه المزيد من الأضواء بفضل مساهمة قيمة من احد فرسانه،، الاخ بالقاسم سيداين.
ولست أدري ما الذي حرك في دواخلي هذه الايام رغبة في العودة الى الحديث عن ،، لمقام،، في سنة 1965 بالذات.
كان التلاميذ يدرسون بمدرسة،، عين سالم الى غاية القسم الثالث، ثم يضطرون لمتابعة مشوارهم بمدارس أخرى، ومن بينها مدارس لمقام.
لم يكن امامي اختيار اخر غير التوجه شرقا نحو لمقام لأدرس،، قسم المتوسط الأول،، كما كان يسمى.
كانت المسافة التي علي أن اقطعها حوالي ستة كم ذهابا وإيابا، غير أن ما كان يؤرقني ليس هو المسافة، بل المسار الذي أسلكه وما يعج به من اخطار متنوعة.
لقد كانت الغابة في اوجها يومئذ، مما جعل الذئاب والثعالب والرتوت تتقاسم المجال مع الإنسان بكل ما يحتمل ذلك من مفاجات غير سارة.
غير أن الذي كان يخيفني اكثر، هو ذلك الوادي العميق ، حيث كان الغطاء النباتي والاشجار المتنوعة بكثافة تثير التوجس في النفس، فإذا أضفنا اليها قصة،، الحجر الممسوخ،، تعاظمت المخاوف.
أما هذالحجر، فإن الناس يروون بأنه كان مخلوقا بشريا تعرض لمسخ لأ أعرف تفاصيله على وجه الدقة، لكنه حجر ارتبط بوجود الأشباح في ذلك الوادي!
كان علي أن اعبر المكان قبل طلوع الشمس، فإذا أشرفت على الوادي، تضاعفت دقات قلبي، فأشرع في ترديد ادعية داخلية التمس من خلالها النجاة من المكاره، حتى تحولت هذه الادعية الى ورد يومي أردده مرتين في اليوم.
أذكر أن طائرا معروفا ببلدتنا ب،، وجق،، بتشديد الجيم، كان بانتظاري صباح كل يوم ، حيث ما إن أشرف على الوادي حتى يشرع في إحداث أصوات غريبة فلا أسترجع انفاسي حتى يصبح لمقام على مرمى حجر مني.
لقد كان للروايات المتعددة التي سمعناها جميعا حول أحداث حصلت بالوادي صدى عميق في نفسي من قبيل أن احدهم وجد في طريقه جنازة خلال مروره من هناك ليلا، واخر يقول بانه لما وصل المكان بسيارته، فوجىء بشخص يجلس خلفه قبل ان يختفي فجاة…
كان القسم الذي أدرس به محاذيا للمسجد، وكان عدد التلاميذ كبيرا يكاد يستوي فيه الجنسان.
وجدت،، لمقام،، يومئذ جنة ساحرة: فالمياه المتدفقة من عين الدرج تتعانق مع الجداول التي كان يزخر بها المقام السفلي، مما جعل الاخضرار يعم المكان ويسمح بقيام تجمع سكاني رائد بالبلدة.
كانت أشجار التين تعرض ثمارها على المارة بسخاء، بينما يعتني السكان بقطع أرضية صغيرة تضمن لهم انتاجا معاشيا هاما، وعلى راسه نوع متفرد من اللفت، ناهيك عن إتقان المرأة لصناعة الخبز خاصة من الشعير.
كان ،، لمقام،، يعج بوجوه شكلت على مر العقود معالم حقيقية.
عرفت رجالا في سن متقدم يتبادلون اطراف الحديث بجانب المسجد، وضمنهم اسماء بصمت القبيلة بما لعبوه من أدوار في رأب الصدع بين المتخاصمين وتقديم النصح والاستشارة لمن يلتمسهما.
من يستطيع أن ينسى رجالا من قبيل السادة: عبد الرحمان مختاري، عبد الرحمان عمري، الشيخ الماحي، عبد الخالق فكرود، سي امحمد سيداين، سي البشير عمري…
لقد غادر هؤلاء الى دار البقاء وكأن المكان قد نذر خيراته لوجودهم، إذ ما إن اختفى هؤلاء حتى بدأ العد العكسي للأيام المشرقة.
وهكذا غار الماء وتحولت العين الرئيسية الى بئر، بينما تحولت البساتين الى ارض قفرة ومات الشجر في حين اتسعت المقبرة التي غيبت وجوها أحببناها وأخرى تنتظر.
كان يوم الخميس يوما انتظره بشغف، فقد كنت أصل مبكرا الى الطريق الرئيسية لأركب شاحنة،، اولاد الحاج عمرو، حيث كان أصحابها يتوقفون تلقائيا عندما يصادفونني في طريقهم الى السوق فأتخلص من مخاوف،، الحجر الممسوخ،،!
بالرغم من كل مخاوف الطريق، فإنني قضيت سنة جميلة بلمقام الذي كان دائما عبارة عن مدينة صغيرة بالنسبة لنا، وكيف لا، وقد كان الشرفاء سباقين للتعلم وامتلاك الشاحنات والجرارات، بل لقد كانوا يختلفون عن بقية السكان في لباسهم وطرق عيشهم.
وفوق كل ذلك، فإنني اكتسبت العديد من الزملاء الذين ظلت الصلة قائمة بيننا الى الان.
تحية لأرواح أهل لمقام الذين عرفناهم، وتحية لخلفهم.
2 Comments
كم من هؤلاء التلاميذ الذين عاشوا نفس الحالات بالبادية وربما وقائع تفوق استعدادهم الجسماني والنفسي لمواجهتها وهم على طريق المدرسة، كان هدفهم الأول التمدرس من أجل الهروب من الأعمال الشاقة المنزلية وخاصة رعي الغنم…تعايشوا مع الولقع و تفوقوا وفازوا بالرهان إلى أن أصبحوا قدوة في المجتمع الذي رأى نموهم منذ صباهم يزدهرشيئا فشيئا حتى أصبحت أحلامهم حقيقة.
تحية رمضانية للأستاذ ولأهل لمقام . محمد بوعصابة / كاتب / الرباط. fb: Mohammed Bouassaba.
لقد حظي مقامنا هذا بإلتفاتة أخرى حين أتيحت لي الفرصة لأبرز مكانة الوالي الصالح بتلك المنطقة خلال إنجازي للكتاب « :Les Mûriers de la Vallée du Za « . تحية لكل من ساهم في الإشعاع الثقافي للمنطقة وخاصة .لكتاب ath aamar et bni bouzeggou