موجة محاربة الإسلام في الإعلام المغربي
أحمد الجبلي
يكاد القارئ المغربي لا يصدق أنه في بلاد الإسلام، عندما يقرأ ما يكتبه بعض الإعلام المغربي حول الدين الإسلامي، وذلك بشيطنته ونعته بأقبح النعوت واعتباره دين إرهاب وإقصاء، دينا ظلم المرأة فاستعبدها وأكل حقها وحولها إلى خادمة تطلب الإذن لكي تخرج من بيتها ولا يسمح لها بالسفر وحدها، دين غزو وحروب وسيف، دين تعصب وعدم انفتاح…
وجل هذه الكتابات تدعو في نفس الوقت إلى التسامح والتعاون وخلق نسيج مغربي من الفعاليات للإسهام في الرفع من مستوى الوعي وتثقيف المجتمع ليكون مجتمعا متفاعلا مع الأحداث المحلية والإقليمية والدولية، ويكون مجتمعا قارئا يعطي الكتاب حقه كأداة لا مناص منها في تشكيل الوعي الحضاري والإمداد بآليات الإسهام كانت شعرا أو نثرا أو فلسفة أو قصة أو رواية. على أساس أن الأمم تقاس بمدى ارتباطها بالمعرفة والثقافة. كما تدعو إلى التعايش الحضاري عوض الصراع فترفض نظرية صراع الحضارات التي جاء بها فوكوياما وهنتنجتون.
وهذا الأمر يجعلنا في حيرة من أمرنا، إذ كيف يجمعون بين الدعوة إلى التسامح والتعايش وفي نفس الوقت يلدغون يوميا دين المغاربة بأقلام مسمومة حولت من شعراء الجاهلية مصدرا للوحي والقرآن، ومن خالد بن الوليد سفاحا ومن البخاري كذابا ومن الفتوحات الإسلامية غزوا، ومن الجزية تسلطا، وباختصار حولوا رحمة الإسلام إلى عذاب وهو الأمر الذي لم يقل به حتى الأعداء.
وإذا كانوا يدعون إلى العلم والمعرفة ويحثون على الكتاب والقراءة، فبأي هوية يمكن للإنسان المغربي أن يقوم بذلك؟ وبأي منهج ومقاييس وفي ظل أي معايير يمكن له أن يزن ما يقرأ ويطالع؟
فهل بقيم الحداثة الغربية والإلحاد والعلمانية سيسهمون في إذكاء روح التحضر وتنمية الأذواق السليمة، وإفشاء قيم التعاون داخل وطن الكل يدعي حبه ورغبته في أن يكون وطنا تقدميا حضاريا لا يموت فيه أبناؤه من قساوة البرد ولا يموت فيه أحد في أغوار الفحم، ولا يوجد فيه حرب تسمى حرب الطرقات التي تعود في أغلبها إلى ثقافة السرعة والسكر والتهور؟
بعد الربيع العربي فرح المغاربة بدستور 2011، لكونه شكل نقلة نوعية في منسوب وعي الدولة المغربية، فأثنى عليها علماء الأمة من كل حدب وصوب على رأسهم رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. ومن أهم البنود التي حافظ عليها هذا الدستور والتي تعد من الثابت الذي لا يتحول إقراره وتأكيده على أن دين الدولة الإسلام.
لأن الدولة المغربية تعرف أن بهذا الإسلام ظلت قائمة لقرون، وبه صارت إمام الأمم في إفريقيا ومن أجله كانت الوفود تأتي من أقصى إفريقيا تقدم الطاعة والولاء لملوك المملكة.
إن الثوابت هي الأسس والقواعد التي تشد الدولة المغربية، وأي ارتجاج تتعرض له هذه الثوابت يعود طبيعيا بالارتجاج على كل البناء. ولذا كان على الدولة أن تعتبر المساس بالإسلام هو مساس بأمنها وهيبتها. ودفاع دولتنا عن الإسلام، الذي قامت عليه منذ القرن الثاني الهجري، يجب ألا يكون أدنى مما تفعله الهند في حماية أبقارها المقدسة حيث يمكن للشخص أن يسجن إذا قتل أو آذى بقرة. وكما قال أستاذي الفاضل الأستاذ والكاتب المقتدر محمد الشركي متسائلا: » ما جدوى الفصل الثالث من الباب الأول من دستور 2011 إذا كانت الدولة تغض الطرف عن المتجاسرين على دينها الرسمي وتتساهل معهم في ذلك؟؟ »
كما لا نريد أن تكون دولتنا أقل شأنا مما فعله نابليون عندما استطاع أن يضبط وسائل الإعلام خدمة لأمبراطوريته، ولم يسمح لها أن تكون ضد ما يؤمن به من استراتيجيات توسعية التي كانت الدين الوحيد الذي يؤمن به.
لا يوجد دولة واحدة تسمح لوسائل الإعلام بتدنيس دينها ومعتقدها، ففي سويسرا مثلا تم التهديد بالسجن في حق المؤرخ أنريكو ريبوني عندما نشر بعض مراجعاته حول تاريخ المسيحية على صفحات الجرائد.
كما عرف عن اليهود صرامتهم مع جميع المنابر الإعلامية حين تتجاوز حدها وتنشر ما لا يقبله المعتقد اليهودي خصوصا منه المتعلق بأرض العودة والميعاد أو التشكيك في محرقة الهولوكوست.
وقد عمل اليهود منذ القرن التاسع عشر على توظيف الإعلام لصالح دولتهم وجمع شملها وتقوية نفوذها فأسس هرتزل أول صحيفة « دي وولت » أي العالم، وقال في افتتاحيتها: « يجب على هذه الجريدة أن تكون درعا وسلاحا للشعب اليهودي، سلاحا يستعمل ضد أعداء الشعب اليهودي » ومنذ صدور هذه الجريدة راح الإعلام اليهودي يدعو إلى تأسيس دولة الميعاد انطلاقا من الديانة اليهودية، ولم يكتف الإعلام اليهودي إلى الدعاية لمشروعه الاستيطاني فحسب بل تخطاه إلى الدفاع عن الإنسان اليهودي ولم يقم بالطعن في الديانة اليهودية رغم الخرافات والغرائب والعجائب والفواحش التي يتضمنها كتابهم المقدس، ولذا لا عجب إن كانوا يسيطرون على العالم عموما والعالم العربي خصوصا الذي يأبى العلمانيون من أبنائه إلا أن يتخذوا من الإسلام عدوا، ورغم أن العلمانية تعني اللا دينية فهي عندنا تعني لا إسلامية فقط أما باقي الديانات فعلمانيتنا تنافح عنهم وتدافع تحت يافطة حرية المعتقد.
ومن جملة القضايا التي عملت الصهيونية على تغييرها هي تغيير صورة اليهودي في أذهان شعوب العالم والتي تحدت في مجموعة صفات منها:
أن اليهودي هو تلك الشخصية الإباحية التي تعبد المال.
أن اليهودي شخصية تمتاز بالانعزال والاستعداد للخيانة والجبن.
أن اليهودي شخصية تمتاز بعدم احترام القيم، حيث أن الغاية عنده تبرر الوسيلة.
أن اليهودي شخصية قذرة تتلون حسب ما يتطلبه الموقف.
وقد عمل الإعلام اليهودي على أن يجعل من صورة اليهودي مشرقة على الشكل التالي:
اليهودي شجاع يؤمن بأن مصيره في يده
اليهودي محافظ على التقاليد الاجتماعية
اليهودي متفوق في كل شيء وعبقري
ومن أهم ما اعتمد عليه الإعلامي الصهيوني في تلميع صورة اليهودي الدين حتى تتجسد فكرة الحق التاريخي لامتلاك فلسطين والوعد الإلاهي المزعوم.
وفي أمريكا يعتبر الأمريكيون أكثر الشعوب دفاعا عن تواجد الدين في الشأن العام، بل ويريدونه مهيمنا حتى على السياسيين، وهم يعتبرون أمريكا دولة مسيحية ويستشهدون بعبارة « أمة واحدة بأمر الرب » الموجودة في قسم الولاء للدولة وعبارة « نثق في الرب » المنقوشة على العملة الأميركية.
ويشير استطلاع للرأي أجرته أسوشيتد برس أن 40% من الأميركيين يعتقدون أن القادة الدينيين يجب أن يكون لهم رأي في السياسة العامة.
وأشار استطلاع آخر لشبكة التلفزة المحافظة فوكس نيوز إلى أن 77% من الأميركيين يشعرون بأن المحاكم تمادت كثيرا في إبعاد الدين عن الحياة العامة، كما أوضح نفس الاستطلاع أن 66% يؤيدون عرض الوصايا العشر في المدارس العامة، وصوت 76% لصالح عرضها في المباني الحكومي. وطالبت بعض الجماعات الدينية بعودة الشعائر الدينية إلى المدارس، رغم حظر المحكمة العليا لهذا الأمر منذ أكثر من 40 عاما مضت.
من الواضح إذن أن الدول المتقدمة والتي تحترم نفسها تعمل على أن يكون للدين حضورا قويا في كل المجالات لعلمها بالدور الذي يلعبه في حياة الناس والأمم، وما يقدمه في مجال بناء صرح الحضارة على أساس أن الحضارة تزول وتندك عندما تتقلص القيم والدين هو أفضل حامي لهذه القيم.
وما يجعل جميع المغاربة في راحة بال ومطمئنين على دينهم هو أنه دين الله وقدر الله، وأن الله تعالى وعد بحفظه والتمكين له حتى يبلغ ما بلغ الليل والنهار، وأنه ينتشر في كل بقاع العالم في إفريقيا كما في أوربا وآسيا وأمريكا لأنه يحمل في ذاته بوادر البقاء والاستمرارية في الزمن ولو كره الكارهون.
Aucun commentaire